بعد تفجيرات باريس، كأن العالم انتبه الى ان داعش تستغل الفضاء الالكتروني للتجنيد وكسب الاتباع في مختلف دول العالم، في وقت انتشرت أفلام وفيديوات التنظيم على اتساع الكرة الارضية، في دعاية فجة ووحشية لأعمال قطع الرؤوس او احراق الاسرى او بيع النساء، وغير ذلك من صور تجد الكثير من المتابعين والناقلين لها.
فقد سارع تطبيق تلغرام الروسي للرسائل الفورية الى الاعلان عن حجب 78 حسابا مرتبطاً بـداعش وسبب الحجب كما صرح أصحاب التطبيق “لقد أزعجنا أن نعلم أن تنظيم الدولة الاسلامية يستخدم قنوات تلغرام العامة لنشر دعايته”.
مجلس النواب العراقي بدوره صوت على قانون حجب مواقع تنظيم داعش الناشطة على الشبكة العنكبوتية، والمواقع المحرّضة والممهدة والممجدة والمروجة والمبررة لجرائم التنظيم بالإضافة الى القنوات الفضائية ووسائل الاتصال الاعلامية الأخرى، على خلفية تقارير أشارت الى ان العراق يحتل المرتبة الثالثة في الدول الداعمة للتنظيم على تويتر، بعد كل من سوريا التي حلت ثانيا، والسعودية التي اعتلت هرم الترتيب.
شبكة الانترنت العنكبوتية، بمواقعها وتطبيقات التواصل فيها هي ما يسمى بالعالم الافتراضي، وهي تسمية اتخذت معاني متعددة منذ تشكلها في اواخر الثمانينات من القرن الماضي.
حيث اخذ يدل على التخييل الذي تحدثه الوسائل التكنولوجية، ويتمثل اشهر استعمال له في مصطلح الواقع الافتراضي.. بعد أن كان يعني شيئا ما يوجد من حيث التأثير وليس في الواقع، شيئا يفهم على انه واقعي.
في نهاية الثمانينات تلك صار (الافتراضي) يدل على إدراك الواقع بوصفه تخلقه "في الاساس" الوسائل الرقمية المستوحاة من الحاسوب.
في التعريفات المعجمية للافتراضي يمكن ملاحظة انه كثيرا ما يستعمل للإشارة الى شيء ما يوجد في الذهن، او متخيل، او يخلقه او يخيله الحاسوب. وتتضمن مادة الافتراضي في معجم اوكسفورد الانكليزي من بين ما تتضمنه من استعمالات للكلمة انه شيء (يوجد في جوهره او اثره، وان لم يكن وجودا صوريا او فعليا، فيسمح بان يطلق عليه الاسم بقدر ما يتعلق الامر بالأثر او النتيجة).
في الاستعمال المعاصر غالبا ما يستعمل الافتراضي كنعت يدل على شيء يقترب من الحقيقة، كما في القول: يفترض انه مؤكد، بمعنى انه مؤكد تقريبا. وفي عالم الممارسة التكنولوجية هناك احالة الى الافتراضي بوصفه بناء تكنولوجيا يراد منه ان ينقل عن طريق الحواس و/او الخيال احساسا بالواقع. وغالبا ما يستعمل مرتبطا بالوسائل البصرية التي يحدثها الحاسوب، كما في الواقع الافتراضي.
في عالم النظرية الثقافية والنقدية افاد الافتراضي باعتباره حكما عن الواقع واصالة التجربة، يتميز بعلاقة ثنائية مع الواجب.
في كتاب المصطنع والاصطناع مثلا، يصنف جان بودريار الافتراضي على انه ينتمي الى صنف التخييل، لأشياء لست واقعية لكنها واقع، او تمثيلات تحل في النهاية محل الواقع.
في كلتا الحالتين يرتبط الافتراضي ارتباطا لا فكاك منه بخطاب الاصالة. فهو يتصل مفهوميا بالحداثية وبالتغيرات في التفكير الاصلي والواقعي اللذين احدثهما مجيء تقنيات التسجيل (بدءا من تقديم الهاتف والحاكي في اواخر القرن التاسع عشر، وربما قبل ذلك مع اختراع المطبعة والانتاج الجملي). ويمكن للمرء ان يجد التعبير عنه في نصوص بذرية "1968"مثل مقال فالتر بنيامين (العمل الفني في عصر اعادة الانتاج الالي)، الذي تكمن دعواه في ان الطبيعة الإيهامية للتصوير والافلام هي "ذروة الخداع، حيث اصبحت رؤية الواقع المباشر زنبقة تتفتح في ارض التكنولوجيا" يتردد صداها مع التجارب المعاصرة للتقنيات الرقمية.
وما برح المرء يجد الافتراضي خلال الثمانينات يستعمل ككلمة تعدل من المفاهيم الثقافية والاجتماعية والنظرية. على سبيل المثال، تتضمن مختارات حررها دايفد هولمز "1997" مقالات عن الهوية الافتراضية، والاجسام الافتراضية، والعوالم الافتراضية، والايام المستقبلية الحضرية الافتراضية، بل ان المجموعة نفسها هي بعنوان "السياسات الافتراضية". ويركز كتاب جون تيفن ولاليتا راجازنغام بحثا عن الطبقة الافتراضية على التعليم عن بعد من المنظور الذي يرى ان الصف الدراسي كفضاء مادي قد يحل محله "اثر الصف"، المستمد من الطلاب الذين يستخدمون الحواسيب الشبكية للاتصال في مابينهم وبين المدرس. ويصوغ مانويل دو لاندا في كتابه "الحرب في عصر الآلات العاقلة" مصطلح الحرب الافتراضية لفحص الوساطة التي قامت بها قناة "cnn" في عملية عاصفة الصحراء في التسعينيات.
يعكس مثل هذا الاستعمال لمصطلح الافتراضي استخدامه كوسيلة مختصرة للإشارة الى منطق التخييل، واذا تابع المرء الخط الواصل من جهود بنيامين الى كتابة بودريار، فانه يستطيع ان يميز الى أي حد موه تطور التقنيات للمضاربة بالصوت والصورة على الخطوط بين الواقع والاحتيال والتجربة المدركة.
اضف تعليق