تواجه المنطقة تحديات كبيرة وتداعيات خطيرة لذا اصبح انعقاد القمة العربية المقبلة في العراق في هذه الظروف المعقدة من وجهة نظر الحكومة العراقية يعد جزءاً من استعدادات العراق لاحتواء تداعيات المرحلة القادمة على اعتبار ان العراق يتمتع بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف، وبالتالي من خلال هذه القمة العربية...
دأبت الحكومات العراقية بعد سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 على رأب الصدع بين العراق ومحيطه العربي والإقليمي وإصلاح ما أفسده النظام البائد بسبب سياساته المتهورة إتجاه بعض الدول العربية والإقليمية، والتي نتج عنها عزل العراق دولياً واقليمياً وفرض عقوبات دولية قاسية عليه أدت الى تعطيل دوره الريادي كدولة محورية مهمة في المنطقة.
وشكل ذلك تحدياً كبيراً أمام الحكومات العراقية المتعاقبة في كيفية تجاوز تراكمات الماضي وما سببه غزو النظام الصدامي للكويت ومحاولة مد جسور الثقة من جديد بين العراق وبين محيطه العربي والإقليمي واصلاح ما يمكن إصلاحه على الأصعدة كافة، فجاءت المحاولات العراقية المتكررة إزاء الدول القريبة والبعيدة على أساس تقريب وجهات النظر وابتعاث رسائل اطمئنان الى كافة الدول الشقيقة منها والصديقة بان النهج الجديد في العراق قائم على أساس دعم القضايا العربية وتعزيز التعاون الإقليمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإحترام الاتفاقيات المبرمة بين الأشقاء والأصدقاء.
فكانت الاستجابة العربية للمساعي العراقية في التقارب ليست بالمستوي المطلوب لذا ارتأت الحكومة العراقية خلال قمة الرياض عام 2023 التي انعقدت في المملكة العربية السعودية ان تستثمر الأجواء الإيجابية السائدة آنذاك حيث أبدى العراق رغبته بإستضافة القمة المقبلة على أرضه في عاصمته بغداد، وبناءً على هذا الطلب وافقت الجامعة العربية على انعقاد القمة الرابعة والثلاثون في العاصمة العراقية بغداد في 17 ايار من هذا العام (2025).
وقد يتساءل الكثير منا عن جدوى استضافة العراق ورغبته الملحة في إنعقاد القمة العربية على ارضه في الوقت الذي لم تستطيع القمم السابقة من حل قضايا الامة ومشاكلها العالقة وفي مقدمتها قضية فلسطين والصراع العربي مع الكيان الصهيوني وما يحصل من انتهاكات يومية خطيرة في قطاع غزة وسياسة التهجير والابادة الجماعية التي يتبناها الكيان ضد شعبها الصابر، وقضايا عربية اخرى ما زالت عالقة منها الملفات الساخنة في كل من السودان واليمن وليبيا وغيرها من الملفات التي لازالت تنتظر الحلول الناجعة على الرغم من طرحها في قمة جدة عام 2023؟
والجواب عن هذا التساؤل يكمن في ان العلاقات الدولية لا تعتمد على البعد السياسي فقط وانما ثمة مصالح عامة متبادلة بين شعوب هذه الدول وفق الرؤية المستقبلية لكل منهما خصوصا اذا كانت تربط هذه الدول روابط كثيرة كالحدود والثقافة والتاريخ والدين واللغة وتحكمها مصالح مشتركة كالأمن والسياسة والاقتصاد، كما هو ماثل الان بين العراق ومحيطه العربي.
ففي كل الاحوال اثبتت التجارب الدولية ان مسعى التواصل والتفاهم والتحاور بين الدول أفضل من مسعى القطيعة الذي تتحول في اغلب الاحيان الى عداء وتوتر بين الاطراف ومن ثم ايجاد مبرر للتدخل السلبي في شؤونهم الداخلية، وبالتالي يتحول هذا التدخل الى حرب مدمرة بين الطرفين.
ومن هذا المنطلق أصر العراق على إنجاح مشروعه الوطني والقومي الذي ينسجم مع نهجه في تصفير جميع المشاكل العالقة مع دول الجوار العربي والإقليمي، لذا من الأهمية بمكان أن يكون اللقاء العربي العراقي في بغداد للوقوف على أهم هذه المشاكل والمعوقات ومحاولة ايجاد الحلول المناسبة لها بشكل هادئ وودي من خلال فتح آفاق الحوار والتقارب مع الاطراف المعنية.
وكذلك ثمة فرصة امام العراق لاستثمار التحول الإيجابي الحاصل في العلاقات السعودية الإيرانية والوصول الى خارطة طريق لحل الخلافات العالقة بين الطرفين وتقريب وجهات النظر بالشكل الذي يعود بالنفع والاستقرار على المنطقة برمتها، وبالتالي انعقاد القمة العربية في العراق في هذه الظروف الاستثنائية يأتي في سياق تعزيز الدور الدبلوماسي للعراق مع محيطه العربي وفرصة لإظهار العراق كقوة إقليمية تتمتع بقدر من الاستقرار والتنمية ولها حضور فاعل في حل مشاكل المنطقة.
وبما ان المنطقة العربية تقف اليوم أمام تحديات صعبة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها اذ ما زال شبح الحرب يخيم على أجواء المنطقة بسبب الملف النووي الإيراني واصرار الولايات المتحدة الامريكية وحليفتها اسرائيل على ضرورة ايقاف او تدمير هذا البرنامج وإصرار ايران على التمسك بحقها في امتلاك برنامج نووي سلمي، وفي خضم هذا الجدل والصراع تواجه المنطقة تحديات كبيرة وتداعيات خطيرة لذا اصبح انعقاد القمة العربية المقبلة في العراق في هذه الظروف المعقدة من وجهة نظر الحكومة العراقية يعد جزءاً من استعدادات العراق لاحتواء تداعيات المرحلة القادمة على اعتبار ان العراق يتمتع بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف، وبالتالي من خلال هذه القمة العربية المزمع انعقادها يتمكن العراق من تقريب وجهات النظر ونزع فتيل الأزمات وتجنب المنطقة ويلات الحرب المدمرة اذا ما وقعت لا سامح الله.
وايضا من المتوقع أن تعالج قمة بغداد بعض الملفات التي تتعلق بالشأن الاقتصادي العراقي وفتح أفاق الاستثمار العربي في البلاد، ويأمل العراقيون ان تخرج القمة بتوصيات وقرارات جادة بمستوى التحديات القائمة وذات جدوى لمعالجة القضايا العربية العالقة وان تبتعد عن العبارات المستهلكة والمكررة خصوصا ان المنطقة تمر اليوم بظروف وتحديات حقيقية ومصيرية لا تحتمل التسويف والمماطلة.
ووفقا للمعطيات القائمة فإن العراق عازم على إنجاح هذه القمة من خلال الجهود الحثيثة التي يبذلها في تهيئة جميع الظروف الملائمة لإنجاحها.
اضف تعليق