تأثير انعدام الأمن الوظيفي على مستقبل الشباب

تحليلات في الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية

يشكّل انعدام الأمن الوظيفي أزمة بنيوية تمس جوهر الاستقرار الفردي والمجتمعي، وتؤثر على مستقبل الشباب بوصفهم المحرك الأساسي للتنمية، ومع أن هذه الظاهرة ذات طابع عالمي، فإن آثارها أكثر حدة في الدول ذات الاقتصادات الهشة أو الانتقالية، ومن هنا، فإن أي رؤية تنموية حقيقية يجب أن تبدأ من...

في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة، وسوق العمل غير المستقر، يبرز انعدام الأمن الوظيفي كإحدى المشكلات المعاصرة التي تؤثر مباشرة على فئة الشباب. فالأمن الوظيفي لا يعني مجرد الحصول على عمل، بل يشمل الاستمرارية، وضمان الدخل، وفرص التطور المهني. 

ومع تزايد معدلات البطالة، والعمل المؤقت، والعقود الهشة، يجد الشباب أنفسهم في مواجهة مستقبل غامض.

تهدف هذه المقالة إلى تحليل أثر انعدام الأمن الوظيفي على مستقبل الشباب من الناحية النفسية والاجتماعية والاقتصادية، واستكشاف السياسات الممكنة لمعالجة هذا التحدي البنيوي.

الأمن الوظيفي يعني قدرة الفرد على الاحتفاظ بوظيفته، أو الحصول على بديل ملائم عند فقدانها، مع ضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية. أما انعدام الأمن الوظيفي فهو حالة من اللايقين، والتذبذب، والضعف في شروط العمل، وتشمل العقود المؤقتة أو غير المستقرة، غياب الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، التهديد المستمر بفقدان الوظيفة، تدني الأجور وعدم وجود مسار مهني واضح.

وفي هذا السياق نذكر التأثيرات النفسية لانعدام الأمن الوظيفي على الشباب، ومن أهمها القلق والتوتر المزمن والخوف من المستقبل الوظيفي يؤدي إلى اضطرابات نفسية وشعور بعدم الأمان الشخصي، وضعف الثقة بالنفس والذات فغياب الاستقرار يخلق شعوراً بالإحباط والعجز عن الإنجاز، خاصة عند فشل محاولات الحصول على عمل لائق، بالإضافة إلى الاكتئاب والانطواء حيث يعاني كثير من الشباب من أعراض نفسية تؤثر على حياتهم الاجتماعية بسبب شعورهم بعدم القيمة.

أما التأثيرات الاجتماعية فالحديث فيها يطول لأنها انعكاسات الفرد على الاسرة والمجتمع والهوية والانتماء، مثلا:

1. تأخر تكوين الأسرة: إذ يربط كثير من الشباب بين الزواج والاستقرار المالي، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات الزواج وظهور فجوة اجتماعية.

2. تآكل الهوية المهنية: غياب الشعور بالانتماء إلى مهنة أو جهة عمل يُضعف البنية الاجتماعية القائمة على الدور الوظيفي.

3. نمو التيارات المتطرفة أو الاحتجاجية: إذ يُعد انعدام الأمن الوظيفي من أبرز دوافع الانضمام إلى حركات احتجاج أو رفض مجتمعي، خاصة في المجتمعات غير المستقرة.

ولا ينحسر الامر في تلك التأثيرات أنما له تأثيرات اقتصادية أِشد وطئه، تتجسد في الامور التالية:

1. ضعف الادخار والاستهلاك: الشباب الذين يفتقرون إلى الأمن الوظيفي يترددون في الإنفاق أو الاستثمار، مما يؤثر سلباً على الدورة الاقتصادية.

2. هجرة العقول والكفاءات: يدفع غياب الأمن الوظيفي الشباب نحو الهجرة القسرية بحثاً عن فرص أكثر استقراراً.

3. نمو القطاع غير الرسمي: يتجه الشباب للعمل في اقتصاد الظل الذي لا يوفر أي حماية قانونية، ما يؤدي إلى مزيد من الهشاشة.

وهنا وفي معرض الحديث عن التأثيرات فلابد لنا من عرض مقترحات عملية قانونية تساهم في تغيير الوضع الراهن وتعزز مستقبل الجيل الجديد منها ضرورة سن تشريعات تحمي العمالة الشبابية العراقية عبر الحد من العقود المؤقتة، وضمان التأمينات الاجتماعية والحق في التدريب والتطوير، كذلك نقترح تعزيز ريادة الأعمال الشبابية من خلال تسهيلات التمويل وتوفير حاضنات أعمال وبرامج دعم فني، وبالتأكيد ندعو لدمج التعليم بسوق العمل عن طريق ربط المناهج بالتدريب المهني والتقني واحتياجات السوق الحقيقية، ونرى ضرورة دعم برامج نفسية واجتماعية للشباب الباحثين عن عمل لتمكينهم من تجاوز الضغوط المصاحبة لحالة عدم الاستقرار.

ختاما- يشكّل انعدام الأمن الوظيفي أزمة بنيوية تمس جوهر الاستقرار الفردي والمجتمعي، وتؤثر على مستقبل الشباب بوصفهم المحرك الأساسي للتنمية، ومع أن هذه الظاهرة ذات طابع عالمي، فإن آثارها أكثر حدة في الدول ذات الاقتصادات الهشة أو الانتقالية، ومن هنا، فإن أي رؤية تنموية حقيقية يجب أن تبدأ من إعادة بناء الثقة بسوق العمل، وتمكين الشباب من الشعور بالاستقرار والقدرة على التخطيط لحياتهم دون خوف دائم من البطالة أو التهميش.

* الدكتورة جمانة جاسم الأسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية في جامعة كربلاء

اضف تعليق