ان هؤلاء الفاسدين والطغاة والجبابرة المتكبرين والمختالين الفخورين بفسادهم، كان عليهم ان يستحوا من وجه الذي يؤتى وهم أئمة الهدى المعصومين الاطهار، عندما يقفون على ابوابهم، وان يتحلوا ولو بما تبقى من ذرة الحياء ان كانت عندهم، لان الائمة الكرام اخلاقهم اخلاق النبوة لا يمنعون أي قاصدٍ لهم...

ان الفاسدين والطغاة لا يتورعون عن ارتكاب المعاصي، لان بها تسافلوا نحو الفساد، الذي ميزهم عن غيرهم، وهم يتفاخرون به جهراً وعلانيةً، وبعضهم يظن انه على الصلاح والاستقامة، والبعض الاخر يدرك انه فاسد، لكنه يرائي ويظن انه يخدع العامة ويخدع الله، لكن الله (عز وجل) وصفهم في محكم كتابه الكريم بقوله في الآية 9 من سورة البقرة ( يخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)، ثم يخص اللهُ الفاسدين بقولٍ اخر في الآيات 11 و12 من سورة البقرة) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ).

 وهؤلاء تجدهم في مقدمة المصلين ولا يرضى الا ان يكون في الصف الامامي ليس لأنه راغب في العبادة، وانما لأنه يعتقد ان فيها مزية من مزايا الدنيا في الخيلاء والتكبر، مع ان الوقوف في الصلاة هو الوقوف بين يدي الله، كما تجدهم من الذين يزورون مقامات ومراقد اهل البيت من الائمة الاطهار، بل بعض الفاسدين والطغاة يسعى للقول بانه يتقرب من خلالهم لنيل رضا الله. 

لكن الوقوف بين يدي الله في الصلاة وزيارة مراقد اهل البيت والتعلق بالأئمة الاطهار هو سبيل من سبل الاتصال بالله عز وجل، وفي قول الائمة المعصومين (ع) عن الآيتين الكريمتين (26 و27) من سروة الرحمن (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان،ٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، بان وجه الله هو الباقي وكل شيء في الوجود ذاهب الى الزوال، وهذا ما يفسره اهل التفسير بالإجماع. 

الا ان للائمة الاطهار قولً في معنى وجه الله، حيث انهم هم وجه الله الذي يؤتى، وينقل عن الامام الصادق (ع) عن معنى الآية الكريمة أعلاه بقوله (يَهْلِكُ كُلُّ شَيْ‏ءٍ إِلَّا وَجْهَهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ وَنَحْنُ وَجْهُ اللَّهِ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ) ذكره المجلسي في بحار الانوار ج4 ص6، كما ذكره العلامة الطبطبائي في تفسير الميزان في ج19 ص56، وينقله عن تفسير القمي، وهو بإسناد صحيح عند الامامية.

ومن هذا القول الكريم للإمام المعصوم، فان من يتجه الى مراقد، مقامات الائمة الاطهار، كأنما يتوجه الى وجه الله، فكيف له ان يقابل وجه الله وهو فاسدٌ ومتجبر، والله كان قد وصفهم بالمخادعين والفاسدين وجعلهم من اهل النار، ولا سبيل لهم لنيل رضا الله الا بالتوبة، ولا ينالوها بوصل لهم مع الله، لأنهم محجوبون بأعمالهم السيئة، ومن معاني القصص في القران الكريم نجد ان الله عز وجل يترفع ان يواصل او يتصل بعبدٍ من عباده الذين طغوا في الأرض، فان الطاغية والفاسد لا يسمع نداء الله، وان كان له اقرب من حبل الوريد.

لان الطغيان والفساد حاجز بينه وبين الله، وفرعون من الأمثلة التي ذكرها الله عز وجل لنعتبر منها، حيث امر موسى (ع) واخوه هارون بالذهاب الى فرعون لأنه طغى وعلى وفق قوله تعالى في الآية الكريمة 43 من سورة طه (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ)، وامرهم بنصحه ودعوته الى نبذ الطغيان بالتزكي وترك المعاصي، لذلك ان الله أراد ان يقول لنا ان من يريد ان يحجب نفسه عن الله، فما عليه الا ان يأتي بفعل البغي والفساد ويطغى، ولا يتشرف بان يهديه الله وينال هدايته، بل انه يستحق العقاب.

لكن الله عز وجل لعدالته ورحمته التي وسعت كل شيء، لا يعذب احداً حتى ينذره ويرشده الى سبيل الهداية وعلى وفق الآية الكريمة (15) من سورة الاسراء (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) ، لذلك امر الله عز وجل موسى (ع) واخوه هارون بالذهاب الى فرعون لينذره من مغبة طغيانه ويدعوه الى العودة الى الله تعالى، ولأنه الله فانه لا يحب الفاسد والمخادع ولا يحب الظالمين والمختال الفخور، فلا يشرفهم بنيل الهداية منه، وانما ترك الامر لعبدٍ مثلهم في الخلق واسمى منهم في المقام لان موسى (ع) في مقام النبوة السامي.

لذلك أقول ان هؤلاء الفاسدين والطغاة والجبابرة المتكبرين والمختالين الفخورين بفسادهم، كان عليهم ان يستحوا من وجه الذي يؤتى وهم أئمة الهدى المعصومين الاطهار، عندما يقفون على ابوابهم، وان يتحلوا ولو بما تبقى من ذرة الحياء ان كانت عندهم، لان الائمة الكرام اخلاقهم اخلاق النبوة لا يمنعون أي قاصدٍ لهم، وانما على من يقصدهم ان يعرف مكانتهم السامية عند ربهم، وان يستحي من ملاقاة وجه الله وهو غارق في الفساد ومتسربلٍ في ثياب الطغيان.

* قاضٍ متقاعد

اضف تعليق