q

فرنسا تعاني اليوم ما عاناه العراق منذ 12 عاما من الإرهاب، بعد ان أصبحت احدى الدول المستهدفة من قبل التنظيمات المتطرفة، وقد نقل وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، معلومات اكدتها أجهزة المخابرات العراقية عن معلومات تشير إلى أن "فرنسا والولايات المتحدة وإيران من بين الدول المستهدفة لشن هجوم عليها" من قبل تنظيم "داعش" بمدة كافية سبقت اعتداءات الجمعة الماضية وراح ضحيتها عشرات المدنيين في العاصمة باريس، وسط اتهامات بعدم تعامل الأجهزة الاستخبارية والأمنية الفرنسية بجدية كافية مع هكذا معلومات.

فرنسا التي تحاول احتواء الصدمة بإعلان حالة الطوارئ الوطنية، في سابقة لم تتكرر منذ الحرب العالمية الثانية، عندما استبيحت اغلب أراضيها امام المد النازي، ما زالت بحاجة الى المزيد من العمل على إعادة صياغة تحركاتها، ليست الأمنية او الاستخبارية فحسب، وانما السياسية التي قد تأتي في سلم الأولويات في إطار جهود مكافحة الإرهاب العالمي وما نتج عنه من دمار أصاب دولا عديدة في منطقة الشرق الأوسط، وسط مؤشرات انتقال عدوى التطرف والعمليات الانتحارية الى اوربا، وفي مقدمتها فرنسا.

قبل ان تعدل فرنسا او اوربا خططها الأمنية والاستخبارية لمواجهة خطر داعش او القاعدة والتصدي لتجنيد المزيد من المسلمين المهمشين او الغاضبين من النظام الاجتماعي او الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه هؤلاء الشباب... ينبغي عليها التفكير مرتين في طبيعة علاقاتها السياسية مع الدول التي صنعت "التطرف الديني" وساهمت في انتشاره حول العالم، حتى تمكن من الوصول الى قلب فرنسا.

الحركات الوهابية والجهادية السلفية لم تأتي من فراغ، وانما جاءت بعد دعم مالي ضخم وتسهيلات اجتماعية وداعية مركزة لاستقطاب الشباب المسلم لاعتناق هكذا أفكار، تعتبر المذهب الرسمي لبعض الدول الخليجية، خصوصا في السعودية، وقد شيدت الجوامع وطبعت الملايين من الكتب وأرسل الالاف من المبلغين وفتحت المراكز الإسلامية الخيرية ووزعت المنح والمساعدات التي كان الهدف الحقيقي من ورائها تغيير القناعات لدى المسلمين الشباب في اوربا وغيرها من البلدان لاعتناق هذه المعتقدات الخاصة.

بالمقابل كانت فرنسا وحكومة هولاند تقيم اقوى العلاقات مع السعودية، رغم درايتها التامة بما يجري خلف الكواليس، حتى تحولت فرنسا واغلب دول اوربا الى حاضنة للمتطرفين، وما عليها سوى انتظار هجمات (الذئاب المنفردة) التي انطلقت احدى افعالها يوم الجمعة الماضية.

التفجيرات الأخيرة التي ضربت فرنسا، لن تكون الأخيرة بالنسبة للفكر الوهابي المتطرف، وان كانت السعودية او غيرها لم تدعم من نفذ هذه العمليات بصورة مباشرة فإنها بالتأكيد مسؤولة عن نشأة الالاف منهم بما غذتهم عبر مدراسها ومناهجها وفتاوى كبار علمائها على مر العقود الماضية، حتى تحول التطرف الى وحش لا يمكن ان تسيطر عليه حتى السعودية نفسها، بل أصبحت اليوم عاجزة عن دفع الخطر عن نفسها فضلا عن حلفائها الاوربيين.

بعض المحللين يطلق على ازدواجيه التعامل الأوربي مع الدول التي ترعى الأفكار الوهابية والتطرف بـ(النفاق الأوربي)، سيما وانها على دراية تامة بمستوى خطورة هذه الأفكار وانتشارها بين المسلمين او من يعتنق الإسلام داخل اوربا، وبدلا من ممارسة الضغط السياسية على حلفائها في الخليج، نرى غض الطرف عن انتشار الحركات السلفية والجهادية المتطرفة من دون التحرك لاحتوائها او منع الخطر مثلما حدث مؤخرا.

في نهاية المطاف ستثار قضية العلاقة الاوربية بالدول التي ترعى الأفكار المتطرفة وتساعد على انتشاره حول العالم من قبل الرأي العام والمجتمعات الاوربية، وستثار قضايا الدعم الأوربي لهذه الدول على مستوى التسليح والسكوت عن الانتهاكات اليومية لحقوق الانسان لديها والدعم السياسي الكبير لأنظمتها، بما يخالف التقاليد السياسية الاوربية، خصوصا في فرنسا، وسيتم طرح العشرات من الأسئلة عن السبب وراء ذلك، ولماذا الإصرار على اعتبارها دولا حليفة مقابل تصديرها الأفكار المتطرفة الى اوروبا؟.

اضف تعليق