البلدان العربية اليوم بحاجة إلى فترة نقاهة بقدر حاجتها إلى انظمة تدرك ذلك وتعمل على جعل هذا الدرس التاريخي القاسي والكبير، بمثابة فرصة جديدة لبناء علاقات قائمة على مبدأ احترام الخيارات وتبنّي مبدأ التكامل ولو نسبيا، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، بما يحقق فائدة للشعوب، بعيدا عن أهواء الأنظمة واختلاف توجهاتها، وان هذا ليس بالمستحيل...
لم يختلف اثنان على أن الذي حصل للبلدان العربية خلال العقدين الماضيين، كان أكبر نكسة في تاريخهم المعاصر، وأنها تجاوزت نكسة حزيران 1967 بحجمها وتداعياتها المختلفة الكبيرة، وأن تجاوزها يحتاج إلى زمن غير قليل، ولكن يبقى الأهم هو قراءة الاسباب التي وقفت وراءها، ثقافيا وسياسيا وغير ذلك، لان اغفال قراءة الأسباب يجعل تكرارها أمرا ممكنا، وهو ما ينبغي على النخب العربية من مثقفين وساسة وغيرهم أن يعملوا عليه، أي العمل على خلق الفرصة من وسط هذه النكسة، كون العنصر الأهم متحققا هنا وهو رغبة الناس في تجاوز الألم، لا سيما بعد أن عرف الجميع تقريبا أسبابه، والمتمثلة بغياب مشروع عربي واقعي، طيلة العقود الماضية، يعزز العلاقات بين الشعوب ويعمل على خلق نوع من التكامل بين الدول العربية، بعيدا عن المزايدات المتبادلة التي تسببت في صراعات بينية، فرضت قطيعة قسرية على الشعوب وانتهت بها إلى ما انتهت اليه، ولعلها اليوم تقف امام السؤال الأكبر وهو؛ كيف السبيل إلى الخلاص؟
لا شك أن الطريق الخطأ الذي سلكته أغلب الأنظمة العربية في مرحلة عالمية اتسمت بالحماسة والراديكالية، هو ما ينبغي على الجميع اليوم عدم العودة اليه، لأن الطريق السليم بات واضحا وهو بالتأكيد أقل كلفة على الأنظمة والشعوب معا، أي ترك كل بلد عربي أمام خياراته الخاصة في نوع الحكم والثقافة السياسية، التي يتبناها من دون منح أي نظام عربي آخر حق الوصاية عليه أو التدخل في شؤونه الداخلية، لأن هذه الثغرة هي التي كانت وراء الصراعات، التي تسببت بكوارث متلاحقة أوصلتنا جميعا لهذه الحال.
لو تعاملت الأنظمة العربية منذ الستينيات (الفترة التي شهدت صعود الانظمة الراديكالية) حتى اليوم وفق هذا المبدأ، لتجنبنا صراعات مكلفة، سال بسببها الكثير من الحبر في محاولة من المثقفين والاعلاميين العرب لتقصي الاسباب التي راحت الانظمة تجتهد في طرحها لتبرر مواقفها، وضاع زمن طويل وهدرت أموال كثيرة، والأهم من ذلك، فقدنا الكثير من الارواح وصنعت الكثير من الحواجز التي جاءت احداث العقدين الاخيرين لا لتهدمها في ما بيننا، بل لترينا حجم الكارثة التي صنعناها لأنفسنا وأين أوصلتنا تداعياتها.
البلدان العربية اليوم بحاجة إلى فترة نقاهة بقدر حاجتها إلى انظمة تدرك ذلك وتعمل على جعل هذا الدرس التاريخي القاسي والكبير، بمثابة فرصة جديدة لبناء علاقات قائمة على مبدأ احترام الخيارات وتبنّي مبدأ التكامل ولو نسبيا، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، بما يحقق فائدة للشعوب، بعيدا عن أهواء الأنظمة واختلاف توجهاتها، وان هذا ليس بالمستحيل أو الصعب، وأن تكون هذه المسألة في صميم محاور القمم العربية القادمة، والابتعاد عن المناكفات والتخوين المتبادل، الذي جعل القمم السابقة أو اغلبها مجرد لقاءات دورية بلا لون أو طعم أو فائدة. أو هكذا ظلت الناس تقول عنها!
اضف تعليق