تنبَّه الغرب إلى تكوين الشخصية الإسلامية وماهيَّة الثبات فيها، فصار يعمل على تجريف أراضيه الصلدة بطرائق متعددة، فانتقل من تغيير الثقافات والعمل عليها بالمباشر إلى طريقة الواسطة، فصار يعمل على الاعتماد عبر وسائط يبتكرها أو يبتكر فعالياتها لتأخذ دوره وهو يسلك سبيل المتفرِّج ليجني ثمار عمله معلَّباً جاهزاً...
تعرضت الهوية الإسلامية إلى مناكفات وتهديدات كثيرة على مر العصور بدءاً من بزوغ فجر الإسلام مروراً بالعصر الأموي إلى العصر العباسي والعصور المتأخرة إلى عصرنا الحاضر؛ إذ لم يسلم بلد يحمل الهوية الإسلامية إلا وتعرض إلى تهديد الإرهاب على جميع الأصعدة من إرهاب سياسي وفكري واجتماعي وثقافي... إلخ.
فكان الوجود الحقيقي للهوية الإسلامية يتماشى مع التهديدات تارة ويتمرد عليها تارة أخرى، وقد ناجز الفترات المظلمة بشقِّ فجاجها ليطأ زبد الانجراف ويقف على ساحله بعنفوان الثبات، وهذا الثبات كان لابدّ من تشرُّبهِ بالجسد الإسلامي ليصنع الخلود لهذه الهويَّة، وقد كلَّفه ذلك أرواحاً كثيرة ولم يعبءْ لقلَّة العدد وعزِّ الناصر.
العوامل التي ساعدت على الإنحراف
هناك مجموعة من العوامل ساعدت على الإنحراف الفكري والاجتماعي أدَّت إلى سقي بذور التفرقة وتضعيف الآصرة الإسلامية، منها ممارسة الأنظمة الإسلامية الرعب والتجويع وتكميم الأفواه الحكم بالحديد والنار، وهي تهنئ برغيد من العيش والترف العقلي، والإسراف والتبذير جزء لا يتجزء من لياليها الحمراء، وقد ذكر المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي هذه الحالة في كتاب (عالم الغد)؛ إذ يقول: (إنَّ يحيى بن خالد البرمكي لمَّا قدمَ إلى بغداد لتدبير عملية قتل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، والذي كان في سجنهم منذ مدَّة طويلة، فوجئ الناس به، فاستبدَّ بهم الذعر والخوف، وانتشرت الإشاعات، وترقب الناس الشر...) فإذا كان وزير من وزراء السلطة ينشر الذعر والخوف؛ ولا يحلَّ في مكان إلا وتحل الداهية في إثره؛ فما بالك بالحاكم الطاغية؟؟!!
هذه الأفعال جعلت الناس تتنصَّل عن ههويتها الأصيلة لما تراه من تقريب السلطة لفئات تفتك في عضد المجتمع، فلا تبقى ــ بعد ذلك ــــ روح وطنية أو اعتزاز بالهويَّة الإسلامية.
ومن زاوية أخرى؛ يرى الناسُ بعض المتديينين يأمرونهم بالزهد والتقشًّف وهم ينعمون بالرفاء والتلذذ بملذات الدنيا، فنقموا على الدين وعلى من يرفع شعار الإسلام، وهذا أحد الأسباب التي تؤدي الى زعزعة الثقة بالهوية الإسلامية.
فالعنف: من الأسباب التي أدت إلى ضعف الاعتزاز بالهوية الإسلامية والدفاع عنها من قبل المسلمين.
والاستبداد: قام بتفكيك اللحمة الوطنية بين أفراد المجتمع، إذ السلطويَّة استأثرت ما بيدها على تقويض حاجة شعبها.
كذلك ترف القادة: جعل من الناس ينفرون من استلهام الخطابات والاستسقاء من معينهم الناظب.
بالإضافة إلى ما ذكرناه؛ هنالك عامل أساسي عملت عليه السلطوية الاستكبارية؛ ألا وهو إنشاء المذاهب والأديان والبدع، يقول السيد مرتضى الشيرازي في كتابه (مناشئ الضلال ومباعث الانحراف): (إنَّ إحدى المناشئ هي المؤامرات الدولية في صناعة الأديان أو المذاهب أو الدس فيها وتحريفها أو استثمارها بالنحو السيء...).
يبدو أن هذه المؤامرة لم تكن وليدة الحاضر؛ وإنَّما تلجُ في تخوم التاريخ تحت شعار (فرِّقْ تَسُد)، وقد أدَّت إلى انسلاخ المسلم من هويته الإسلامية في حقبٍ متفاوتة، فكان يعمل الإستكبار العالمي على ذلك بنفسه والإجهاز على ضالته بخيله ورجله، إلَّا أنَّه رأى ثقل الخُطى بالوصول إلى ما يُريده، بسبب قوَّة العقيدة التي غرسها الإسلام في ذات الفرد، وبسبب إمطار الهيمنة العالمية عليه بوابل من الاهتزازات والزلازل التقويضية لهذا الدين؛ صار يفتر مرَّة ويقوى أخرى.
الثقافة الغربية والشخصية الإسلامية
تنبَّه الغرب إلى تكوين الشخصية الإسلامية وماهيَّة الثبات فيها، فصار يعمل على تجريف أراضيه الصلدة بطرائق متعددة، فانتقل من تغيير الثقافات والعمل عليها بالمباشر إلى طريقة الواسطة، فصار يعمل على الاعتماد عبر وسائط يبتكرها أو يبتكر فعالياتها لتأخذ دوره وهو يسلك سبيل المتفرِّج ليجني ثمار عمله معلَّباً جاهزاً.
والانتقال الحضاري المتسارع في العالم؛ لفت الأنظار إلى مواكبة التطور، وإشاعة فكرة تهدد الثوابت من أنَّ: (الدين هو سبب التخلف، والتنصل منه يؤدي إلى مواكبة التطور والتنمية المستدامة)، وهذه الفكرة تريد بالإنسان التحرر من كل شيء لأنّ الدين يفرض قيوداً على معتنِقِه ويجبره بعدم الخروج عليها، وهذا ما لا ينسجم مع تطلعات الثقافة العالمية، فدفع بالشباب المسلم إلى عدم الاهتمام بالمعتقدات وما ورثه من ثوابت قد ترسخت منذ أمد طويل في فكره واستوطنت مشاعره.
وهناك أمر جديد دفع بهذا الاتجاه وهو: (فصل الدين عن الوطنية)، شعارٌ رفعه المستغربون -وهو الخامات العربية التي تصرفت بها الأفكار الغربية- بدافع (الدين للفرد والوطن للجميع) متناسين قول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (حب الوطن من الإيمان).
كل ذلك دفع بالهوية الإسلامية إلى التشظي وانسحاب أهلها منها؛ لذا يجب العمل على:
1- شحذ الهمم الوطنية بمشاعر إسلامية.
2- تثقيف المجتمع باتجاه بيان الأسس البنَّاءة التي ركَّز عليها الإسلام في بناء المجتمع.
3- بيان اللحمة الدينية والوطنية عبر نشر الوعي الإسلامي على جميع الأصعدة.
4- نشر المبادئ الدولية المستقاة من الدستور الإسلامي الرئيس وهو القرآن الكريم وسيرة المعصومين.
5- نبذ العنف والتطرف بالسبل الواعية.
6- مواكبة التطور بمنهج إسلامي حديث.
7- فصل المنهج الإسلامي عن المتأسلمين، وتوضيح النهج النبوي عن المنهج الإسلاموي.
8- الدفع باتجاه إحياء التراث بطرق حديثة.
9- بيان حقيقة الهوية الإسلامية القابلة لمواكبة التطور والتفوق عليه.
10- نحتاج إلى عقد مؤتمرات وورش بحثية ووسائل إعلامية هادفة للحفاظ على الهوية الإسلامية.
اضف تعليق