بعد التغيير الذي جرى في التاسع من نيسان 2003 والذي يعد تحولا جذريا في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما منتظر له ومنه، لأنه يعدّ انتقالا من ثقافة إلى أخرى. فهذا التغيير له استحقاقاته على جميع المستويات، اذ لا يمكن اغفال متطلبات الحياة الجديدة...

بعد التغيير الذي جرى في التاسع من نيسان 2003 والذي يعد تحولا جذريا في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما منتظر له ومنه، لأنه يعدّ انتقالا من ثقافة إلى أخرى. فهذا التغيير له استحقاقاته على جميع المستويات، اذ لا يمكن اغفال متطلبات الحياة الجديدة.

وبقدر تعلق الامر بتسيير الحياة وتوفير الامن للوطن والمواطن لابد من ايجاد بيئة قانونية جديدة تواكب الحياة ومغادرة كل ما من شأنه أن يسيء إلى كرامة الانسان وحقوقه وعيشه. ومن هنا فإن التغيير يشير إلى أن الساعة حانت لتغيير وتعديل أو إلغاء كل القوانين أو المواد القانونية التي كانت صالحة للنظام الاستبدادي، وايجاد بدائل قانونية تواكب الحياة الديمقراطية وتؤطرها وتنظمها وتحافظ عليها.

فيصبح من اللازم الالتفات إلى حاجة المرحلة لعملية إصلاح قانونية واسعة، أول ما تستهدف القوانين التي تصادر الحريات العامة وحقوق الإنسان، واجراء مسح شامل لكل التشريعات والقوانين التي صدرت في عهود الاستبداد، من أجل إجراء عملية إصلاح أو تغيير شاملة، وصولا إلى تشريعات وقوانين ونظم تليق بالحياة الجديدة لعراق ما بعد التغيير.

القانون أحد مؤسسات الضبط الاجتماعي والتأطير القانوني للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهو عملية وضع آليات حضارية تنظم حياة المجتمع والدولة والعلاقة بينهما، من أجل حياة مدنية متطورة تفضي إلى التخلص من الاستبداد والدكتاتورية، والانتقال إلى العقلانية بدل الخضوع لردود الأفعال والمواقف العاطفية، التي تتسم بها حياة الشعوب المتخلفة أو البدائية. والقانون يحافظ على وحدة المجتمع واستقراره، من خلال توفير الحرية والأمن والعدالة، عبر الالتزام بالنظام والقواعد التي تأمر بها السلطات العليا. والقانون مجموعة من القواعد العامة الجبرية، التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الأشخاص الخاضعين لهذه الدولة. ولا بد من أن يحمل معنى الإجبار والقسر والإلزام بالقوة، ويكون واضح الغايات والأهداف.

وسيادة القانون هو أصل من الأصول الدستورية ويترتب عليه، أنه لا يمكن للسلطات العامة القائمة في بلد ما أن تمارس سلطتها إلا وفق قوانين مكتوبة صادرة وفق الإجراءات الدستورية المتفقة مع الدستور في ذلك البلد، والهدف هو تحقيق مبدأ الحماية ضد الأحكام التعسفية في الحالات الفردية.

فدولة القانون هي الدولة التي تؤطر عملها ومؤسساتها بأطر قانونية تنظم عملها وعلاقتها بمواطنيها، فيصبح القانون هو وسيلة وأداة تنظيم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، والدستور هو أحد القوانين، بل مصدر القوانين ومرجعيتها وإطارها الذي يمنحها الشرعية أو يسلبها منها، فيصبح أي قانون يتعارض مع الدستور لا قيمة له، بل يضرب به بعرض الحائط كما يقولون.

والقوانين هي القواعد المنظمة للعلاقات الإنسانية في المجتمع، لكي تحقق الغاية من وجودها وتثبت احترامها وطاعتها وفاعليتها، ومن ثم تصبح مؤثرة في تنظيم سلوك الإنسان، ولابد ان تكون آمرة تبسط سلطانها على الفئات الاجتماعية التي تستهدفها، بكل عدل ومساواة، قابلة للتطبيق، ولا بد ان تقترن بجزاءات مادية تكفل لها الاحترام وعدم التجاوز. 

والقانون الأساسي الأول في أي دولة هو الدستور، الذي يعبر عنه بمجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة وتحدد اختصاصات السلطات العامة فيها وفقا لفكرة قانونية معينة، والدستور يعلو على كل الهيئات والتشريعات، وتستمد منه سائر القوانين أصولها ومحتواها وشرعيتها وله السمو والتفوق والسيادة.

وهناك قاعدة قانونية استقر عليها رجال القانون، وهي (موافقة القوانين الاعتيادية للقواعد الدستورية)، ويترتب على ذلك ان السلطة التشريعية لا يمكنها وضع قواعد قانونية اعتيادية مخالفة للقواعد الدستورية، كذلك ليس بامكانها تشريع قواعد قانونية لتنظيم علاقات لم يخولها الدستور التدخل في تنظيمها، أي أن القوانين الاعتيادية يجب أن تتلاءم مع الدستور موضوعا وتنظيما، وهو ما يعرف بدستورية القوانين. وفي الأنظمة الدكتاتورية التي تقوم على سلطة الفرد أو القلة من الأفراد الذين يستأثرون بالسلطة، وقد يحتفظ رئيس تلك القلة من الجماعة مهما كانت طبيعتها مدنية أو عسكرية بسلطات كبيرة وصلاحيات واسعة ويستمد سلطاته من تأييد أتباعه وقوتهم ونفوذه الشخصي وقابلياته، وفي ظل هذا النظام لا توجد ضمانات لاحترام حقوق الشعب وحرياته لانعدام سيادة القانون حتى في حالة وجوده شكليا لأن إرادة الحاكم وحزبه وجماعته هي القانون، فهناك اهتمام بالواجبات دون إعارة أية أهمية للحقوق، فتصادر حرية التعبير وحرية الفكر، ولا يوجد فصل بين السلطات فلا حدود لسلطات الحاكم وإرادته.

 فالدكتاتور وحاشيته أوصياء على الشعب، وقد تكون هناك مظاهر شكلية للمشاركة السياسية للشعب كالاستفتاء أو الانتخابات ولكنها فاقدة لمصداقيتها لأن الهدف منها إضفاء بعض الشرعية على الحكم الدكتاتوري. فيصبح القانون معبرا عن إرادة الحاكم وليس عن إرادة الأمة.

والقانون في ظل الاستبداد أداة لتحقيق مصالح وغايات تخدم القوى المتنفذة التي تصوغ القانون.

بينما في الأنظمة الديمقراطية ( القانون إنما هو التعبير عن إرادة الأمة)، ويقصد بالإرادة هنا إرادة الشعب لا السلطة التي تتولى مسؤوليته، وبمعنى آخر أن التشريع ووضع القواعد القانونية يوكل إلى الشعب الذي هو مصدر السلطات.

والدستور العراقي تضمن على مرونة كبيرة تركها المشرع لتعالج بالقوانين، لأن القوانين أكثر مرونة وخاضعة للتغيير إن اقتضى الحال، على العكس من الدستور الذي لا يمكن إجراء أي تغيير في مواده ونصوصه، إلا من خلال استفتاء الشعب الذي هو مصدر السلطات والقوانين.

وفي الدستور اكثر من ستين مادة حولت إلى قانون، والقانون يضعه مجلس النواب، ويستطيع مجلس النواب أن يغيره على العكس مما لو كانت مواد دستورية، فلو كانت مواد دستورية أو اخذت الشكل التفصيلي، فإن تغييرها يصبح صعبا لأنه يحتاج الرجوع إلى الشعب العراقي للتصويت عليه. 

ومن هنا تصبح الحاجة ماسة، بل لا بد منها للكثير من القوانين، التي تشكل بديلا عن القوانين التي سنت في عهد النظام السابق، لان الكثير منها أصبح لا يلائم الحياة العراقية الجديدة ومتغيراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

وقد يصبح من المفيد للمشرِّع أن يكون ملما بفلسفة التغيير وثقافته. ومتطلبات التغيير من الجانب القانوني لا بد أن تمتد لجميع مفاصل الحياة، من الاحوال الشخصية إلى التربية والتعليم، والحياة السياسية وقوانين الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ووضع الاطر القانونية للاقتصاد العراقي وعمليات الاستثمارات الاجنبية والاعمار، فضلا عن القوانين التي تحمي الفرد والمجتمع في الجوانب الامنية والدفاعية، وبناء الاجهزة الامنية والجيش وتحديد مهام كل منهما.

وبقراءة سريعة للتشريعات والقوانين التي كانت نافذة آنذاك، نتبين كم كانت هذه القوانين تنظر باستهانة لمعاناة الإنسان وهو يرزح تحت مظالمها، فباستطاعة أصغر موظف في الدولة أن يوجه إهانة للفرد، أو يصادر حقوقه المادية والمعنوية بدون أي رادع ومن دون أن يخضع للمحاسبة، أو قد يعتقل الإنسان ويخضع للتعذيب والإهانة دون أن يوجه له أي اتهام، أو يقال له إن ما حدث لك كان نتيجة سوء فهم. وفي بعض الأحيان يعدم بطريق الخطأ، أمثلة كثيرة لسنا في مجال الوقوف عندها. كما أن هناك حاجة إلى اجراء تعديلات في قانون العمل وبعض مواده وقانون العقوبات، اضافة إلى قوانين أخرى كثيرة أو مواد داخل هذه القوانين.

اضف تعليق