مع الرفض العالمي لخطة ترامب وتحفظات عليها حتى داخل الولايات المتخذة رمى ترامب الكرة في ملعب العرب عندما قال إنه مستعد للنظر في أية خطة بديلة لإعادة الإعمار، واستجابت مصر للمبادرة وأبدت استعدادها بتعاون عربي ودولي إعادة إعمار غزة خلال سنوات قلائل وبدون تهجير سكانها وهناك قمة عربية...

قد يرى البعض إن الرئيس ترامب رجل أهوج يطلق تصريحات مستفزة غير واقعية أو عقلانية وغير قابلة للتنفيذ كتصريحاته حول كندا والمكسيك وبنما والصين والتهجير الجماعي لفلسطينيي غزة وقد تكون بعض تصريحاته كذلك، ولكنه يرى في الحالة الفلسطينية والعربية ضعفا أو (الحيطة الواطية) التي يمكنه من خلالها الظهور بمظهر الرئيس القوي القادر على تنفيذ أهدافه الاستراتيجية فيما يتعلق بمخططه بالتهجير الجماعي لسكان غزة وما ترتب عليه من حالة رعب وارتباك في كل الأوساط العربية والفلسطينية.

هذا الموقف الأمريكي الأخير لم يأتي عبثا ولس شطحة فكرية ارتجالية بل ذو صلة ومبني على مواقف أمريكية سابقة وثابتة حتى قبل مجيء ترامب ومنها:

1- رفض قيام دولة فلسطينية في غزة والضفة أو الاعتراف بها

2- وقف التمويل عن الأونروا

3- عدم الاعتراف بأن الضفة وقطاع غزة أراضي محتلة بل أراضي متنازع عليها أو بدون مالك.

4- نقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

5- موافقة ترامب على ضم الضفة لإسرائيل.

6- الدعم العسكري غير المحدود لإسرائيل في حربها على غزة.

وعليه وحسب منطقهم ورؤيتهم هذه، إن كانت اسرائيل تريد ضم الضفة أو أجزاء كبيرة منها ولا تريد ضم القطاع أو إعادة استيطانه بحالته المكتظة بالسكان، وما دام القطاع يخضع لسلطة حركة حماس غير المعترف بها دوليا بل ومتهمة بالإرهاب من طرف واشنطن وعديد الدول، وتم إخراجه عن ولاية السلطة ودولة فلسطين المعترف بها من غالبية دول العالم، وبعد قيام حماس بطوفان الأقصى، كل ذلك عزز هذه النظرة الامريكية للقطاع، وهذا يفسر حديث ترامب عن امتلاكها وبناء مشاريع فيها الخ.

 لا شك أن الحياة في غزة ازدادت صعوبة مما قد يدفع بضعة آلاف للتجاوب مع الهجرة القسرية حتى وإن أسموها طوعية، ولكن ترامب لن يستطيع تهجير حوالي ٢ مليون ونصف، طواعية أو قسرا وذلك لاعتبارات لوجستية وعدم استعداد دول العالم وخصوصا المُعترِفة بدولة فلسطين للمشاركة بهذا الإجراء، بالإضافة الى تمسك غالبية أهالي غزة بالعيش فيها.

ولكن بعيدا عن التهديد بالتهجير العملي والفعلي، فقد حققت تصريحات ترامب المستفزة أهدافاَ حتى الآن لا تقل خطورة عن التهجير الفعلي وهي:

1- إشغال العالم وإبعاد الأنظار عن جوهر الصراع وهو الاحتلال وعن جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

2- تراجع الحديث عن الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة وعن التحالف الدولي برعاية السعودية لدعم قيام دولة فلسطينية.

3- أبعدت الأنظار عما يجري في مخيمات الضفة من تدمير وتهجير جماعي. واحتمال ضم الضفة بموافقة أمريكية.

4- كشفت ضعف وهشاشة النظام الدولي وعجزه عن مواجهة تصريحات تتعارض كليا مع القانون الدولي والشرعية الدولية.

5- وضعت الدول العربية في موقف حرج، حيث ردود فعلها حتى الآن مرتبكة وضعيفة في مواجهة تهديدات ترامب، ونأمل أن تتخذ القمة العربية خطوات عملية لمواجهة خطة ترامب.

6- لم تحرك تصريحات ترامب الاستفزازية، حول التهجير أو ضم الضفة، الطبقة السياسية والسلطتين في الضفة وغزة بل استمرت مواقفهم المتعارضة والمعادية لبعضهم البعض على حالها، وكأن النظام السياسي برمته يعيش حالة موات، وهو ما شجع الدول العربية على الاجتماع الأسبوع القادم دون حضور أي تمثيل فلسطيني رسمي.

7- أكدت هذه التصريحات الهيمنة الأمريكي المطلقة على منطقة الشرق الأوسط وأنها الفاعل الدولي الوحيد في التأثير في سياسة دوله.

8- صمت وغياب عن المشهد لإيران ومحور المقاومة وحتى تركيا فيما يتعلق بتهديدات ترامب.

9- مخطط التهجير يؤكد ما قلناه في بداية الحرب بأن هدف إسرائيل من الحرب ليس القضاء على حماس وإطلاق سراح المخطوفين بل يتجاوز ذلك إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها ليصبح من الممكن قيام الدولة اليهودية الخالصة.

10- يتجاهل ترامب في كل تصريحاته أن إسرائيل هي المسؤولة عن كل معاناة أهل قطاع غزة وجعله منطقة غير قابلة للحياة كما يزعم. 

11- إذا كانت مزاعم ترامب ونتنياهو بأن حركة حماس مسؤولة عن الحرب ومعاناة أهالي غزة فلماذا لا يدعون ويعملون على تهجير ما تبقى من قيادات حماس ومسلحيها وعددهم بضعة آلاف بدلا من تهجير كل سكان القطاع.

12- تزامن محاولات تهجير سكان غزة مع ما يجري في الضفة من تدمير وتهجير لسكان المخيمات يثير تخوفات جادة من محاولات تصفية القضية الوطنية. 

هذه الأهداف التي تحققت أو تتحقق بدرجة كبيرة لا تقل خطورة عن التهجير الجماعي الفعلي الذي قد لا يتحقق أو يحتاج لسنوات لتحقيقه، وقد تكون الأهداف الحقيقية عند ترامب ونتنياهو وليس التهجير فعليا.

مع الرفض العالمي لخطة ترامب وتحفظات عليها حتى داخل الولايات المتخذة رمى ترامب الكرة في ملعب العرب عندما قال إنه مستعد للنظر في أية خطة بديلة لإعادة الإعمار، واستجابت مصر للمبادرة وأبدت استعدادها بتعاون عربي ودولي إعادة إعمار غزة خلال سنوات قلائل وبدون تهجير سكانها وهناك قمة عربية للتباحث بهذا الشأن. ولكن ومع ثقتنا بحسن نوايا مصر إلا أن أي اعادة إعمار حتى لو توفرت الاموال فلن يتم تنفيذها الا بموافقة إسرائيلية وامريكية بطبيعة الحال، وهذا يُعيدنا مجددا للمربع الأول، الا إذا صدر قرار أممي مُلزم عن مجلس الأمن يقضي بانسحاب جيش الاحتلال وتواجد قوات عربية ودولية وتفكيك القدرات العسكرية لحماس وجعل القطاع منطقة منزوعة السلاح.

Ibrahemibrach1@gmail.com

اضف تعليق