يمكن الاستفادة من منظومات المراقبة الالكترونية عبر نشرها في الطرقات العامة والاكتفاء بها، بديلا ناجحا ومظهرا من مظاهر الحداثة والمواكبة الرقمية، الى جانب ذلك وضع القوات الأمنية في ساحات خارج اسوار المدينة على ان تكون على أهبة الاستعداد تحسبا لأي طارئ او إرباك يحصل لتلافي الإشكالية الحاصلة...

في السنوات التي تلت مرحلة سقوط نظام بغداد كانت المسألة الأمنية من اهم التحديات التي تواجه القائد العام للقوات المسلحة؛ ذلك بسبب التفجيرات والخروقات الأمنية التي تحدث هنا وهناك، فضلا عن الحرب الاهلية الحاصلة خلف الكواليس وما يرافق ذلك من توتر أمنى وتصعيد خطير.

وفي ظل تنامي اعداد الأجهزة الأمنية وتعدد صنوفها اخذت الأوضاع تسير باتجاه الاستقرار الأمني، ولن يتحقق ذلك الا بعد نشر هذه القوات في جميع انحاء البلاد، لا سيما المناطق التي يسكنها خليط من الطائفتين الشيعية والسنية، وقد يكون هذا الاجراء منعا لحصول خرق أمنى ويتطور الى ما ابعد من ذلك.

ونظرا لعدم الاستقرار والسيطرة التامة على الملف الأمني، وتحديدا قبل العام 2010، نجد التشكيلات الأمنية تتواجد بكثافة غريبة، وربما يُعلل ذلك بالوضع العام غير المستقر وتحسبا لوقوع بعض الحوادث، اذ أصبح من المسلمات مع اقتراب الزيارات والمناسبات المليونية هو الانتشار الكثيف على المداخل المؤدية الى المدن المقدسة.

وقلنا ان الامر طبيعي بحكم التهديدات المستمرة التي تتعرض لها المدن العراقية ومنها المقدسة، لكن وبفضل الله والأجهزة الأمنية، تعيش جميع محافظاتنا العزيزة اليوم أوضاعا امنية مستقرة ولا يوجد أي تهديد او محاولة لخرق أمنى من أي جهة كانت إلا في بعض الحالات النادرة، ومع ذلك نجد القوات قد انتشرت بشكل مخيف على أطراف مدينة كربلاء المقدسة مع حلول زيارة النصف من شعبان.

من يتجول في الشوارع المؤدية الى مركز المدينة يلاحظ اعداد العناصر المنتشرة تفوق اعداد الزائرين المتوجهين الى ضريح الإمام الحسين عليه السلام لإحياء المناسبة، وفي ذلك مؤشر خطير على هشاشة الوضع الأمني القائم في المدينة، بينما القيادات الأمنية تصرح وتعقد المؤتمرات الصحفية بصورة مستمرة تؤكد خلالها على استتباب الامن.

لكن للواقع حديث آخر، حديث يرفضه المنطق جملة وتفصيلا، زيارة النصف من شعبان من الزيارات المليونية ولا غبار على ذلك، لكن يبقى حجم القوات الضيفية في كربلاء شيء غير مبرر، لا يوجد احتياج لمثل هذه الاعداد ان تزج داخل مركز المدينة وتعطي انطباع سيء بالنسبة للقادمين من دول الجوار.

من اتخذ قرار زيادة اعداد القوات او تكديسها في كربلاء لا يعرف انعكاس ذلك على المنظومة الأمنية برمتها، اذ يعطي ذلك صورا بأنها لا تزال غير واثقة بقدرتها على إعمام السلام، وتخشى أي تجمع سواء كان ديني او جماهيري، وبذلك تكون هذه العملية او الإجراءات مضرة في السمعة العامة للأجهزة الأمنية أكثر من أيجابياتها المتمثلة في حفظ الامن والنظام.

الامن والنظام محفوظان ولا توجد أي مظاهر او حالات تستدعي نشر قوات وعناصر يحملون بنادقتهم وتجهيزاتهم وكأنهم على موعد مع إطلاق ساعة الصفر والعدو على أطراف المدينة، والحديث هنا عن كربلاء التي شهدت قبل أيام قليلة زيارة مليونية.

المدن المقدسة يؤمها ملايين الزائرين سنويا سواء من الداخل او الخارج، واي خطوة او عملية يجب ان تكون محسوبة ومدروسة دراسة عميقة، اما العشوائية في اتخاذ مثل هذه القرارات لا تصب في مصلحة الجهات الأمنية الحكومية وبهذا السياق حدثت الكثير من الأخطاء من بينها.

عدم التنسيق بين الصنوف والتشكيلات المتواجدة في القطاعات الأمنية، ما يؤدي الى التعارض في الواجبات، وإحداث إرباك أمنى ويخلق جوا غير مريحا بالنسبة للزائرين، ومن الأمثلة على ذلك المواجهة بالرصاص الحي التي حصلت بين قوات الداخلية وتشكيل من التشكيلات العسكرية، وانتهى الامر الى هلع مئات الزائرين وهروبهم في الازقة القريبة من المكان.

لا اود الإطالة في الحديث عن المشهد الأمني الذي تعيشه اغلب مدننا ما عدا محافظات الإقليم، وعليه سأركز على بعض الحلول التي من الممكن اعتمادها لتقليل او منع انتشار القوات الأمنية في الطرقات المؤدية الى مراكز المدن وتحديدا المقدسة منها.

يمكن الاستفادة من منظومات المراقبة الالكترونية عبر نشرها في الطرقات العامة والاكتفاء بها، بديلا ناجحا ومظهرا من مظاهر الحداثة والمواكبة الرقمية، الى جانب ذلك وضع القوات الأمنية في ساحات خارج اسوار المدينة على ان تكون على أهبة الاستعداد تحسبا لأي طارئ او إرباك يحصل لتلافي الإشكالية الحاصلة.

تقليص العدد او زيادته ليس هو الحل او الاجراء الصحيح لفرض الامن والاستقرار خلال المناسبات الدينية او الحياة اليومية، بل يمكن ان يكون التعامل مع الجانب الأمني بطرق أكثر نجاعة واهمية في الوقت الحالي، وهو تفعيل العنصر الاستخباري للتبليغ عن الحالات المشبوهة وتعبيرها الى المستويات العليا، مع الحفاظ على انسيابية حركة الزائرين بعيدا عن عملية نشر المدرعات في ازقة المدينة وطرقها الرئيسية.

اضف تعليق