ان الامر الولائي هو اجراء موقت استعجالي تلجأ اليه المحكمة للحفاظ على الحق ومنع حدوث اضرار يتعذر تداركها مستقبلاً وهو اجراء منفصل لا يمس اصل الحق ولا يتضمن الدخول في موضوع الدعوى، وهو نظام منصوص عليه في قانون المرافعات المدنية تم توظيفه ضمن سياق عمل المحكمة الاتحادية العليا استناداً للمادة (39) من نظامها الداخلي...
على هامش صدور الامر الولائي للمحكمة الاتحادية العليا الصادر بالعدد ( 3 وموحدتها 4،18،19 ، 21 / اتحادية / امر ولائي /2025) في 4/2/2025 والمتضمن ايقاف تنفيذ القوانين التي تم اقرارها في جلسة مجلس النواب رقم (3) المنعقدة في يوم الثلاثاء المصادف 21/كانون الثاني / 2025، وتزامن مع صدور القرار المذكور ردود افعال في الاوساط الاعلامية والشعبية والسياسية مردها من وجهة نظرنا عدم الدراية بـآلية عمل المحكمة الاتحادية العليا والطبيعة القانونية للأوامر الولائية.
حيث جاء في حيثيات الامر المذكور وحيث ان تدقيق طلب اصدار الامر الولائي من هذه المحكمة قد اثبت توافر صفه الاستعجال فيه وحالة الضرورة التي تقتضي اصداره، كما ان الاستجابة لمضمونه لا يعني الدخول بأصل الحق ولا اعطاء راي مسبق بالدعاوى المقامة امام هذه المحكمة المذكورة انفاً، اذ ان وقف تنفيذ القانون سلطه جوازية وهو اجراء وقائي مؤقت الى حين الفصل بدعوى دستورية القوانين موضوع الدعوى ومطابقتها للدستور من عدمه.
اذ ان الاثار التي تترتب على تنفيذ القوانين لا يمكن تلافيها عند صدور حكم يقضي بعدم دستوريتها لاسيما ان صفه الاستعجال تقوم على اساس فكرة الحماية العاجلة المؤقتة التي لا تهدر حقاً ولا تكسبه، لما تقدم قررت المحكمة الاتحادية العليا ايقاف تنفيذ القوانين التي تم اقرارها في جلسة مجلس النواب المرقمة (3) المنعقدة يوم الثلاثاء المصادف 21/ كانون الثاني /2025، المتضمنة القوانين الثلاث: قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 وقانون التعديل الثاني لقانون العفو المرقم (27) لسنة 2016 وقانون اعادة العقارات الى اصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل لحين حسم الدعاوى …..)، ولنا على القرار المذكور الملاحظات الآتية :
ان الامر الولائي هو اجراء موقت استعجالي تلجأ اليه المحكمة للحفاظ على الحق ومنع حدوث اضرار يتعذر تداركها مستقبلاً وهو اجراء منفصل لا يمس اصل الحق ولا يتضمن الدخول في موضوع الدعوى، وهو نظام منصوص عليه في قانون المرافعات المدنية تم توظيفه ضمن سياق عمل المحكمة الاتحادية العليا استناداً للمادة (39) من نظامها الداخلي رقم (1) لسنة 2022، يتيح للمحكمة الوقف المؤقت للقوانين لحين حسم موضوع الطعن الدستوري.
وبالنتيجة فان الوقف المؤقت للقوانين قد ينتهي بإلغاء القانون المطعون بعدم دستوريته اذا ما ثبت ذلك للمحكمة وقد ينتهي الوقف المؤقت للقوانين باستئناف العمل بالقوانين في حال عدم ثبوت عدم دستورية القانون، الخلاصة ان وقف القوانين هو اجراء تحفظي مؤقت يتعلق مصيره بمصير الطعن الدستوري لاحقاً .
قوانين السلة الواحدة
من خلال تأمل الطعونات المقدمة للمحكمة الاتحادية والتي استند اليها الطاعنين بتقديم طلبات وقف تنفيذ ما يعرف (بقوانين السلة الواحدة) نجد ان بعظها يستند في طعنه الى عدم دستورية جلسة التصويت على القوانين الثلاث ولا تستند الى الطعن بدستورية القوانين ذاتها، وذلك لوجود شبهات تتعلق بمخالفة الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب وتحديدا المواد الخاصة بالنظام البرلماني الذي اعتنقه دستور 2005 الذي يقوم على اساس مبدأ المداولات والمناقشات البرلمانية التي تعد جوهر هذا النظام، وشبهات حول تحقق النصاب القانوني للتصويت، واخرى تتعلق بمخالفة المادة (37/ثالثاً) ان النظام الداخلي لمجلس النواب رقم (1) لسنة 2022 التي الزمت رئيس مجلس النواب بجدول اعمال المجلس والمناقشة والتصويت على كل فقره من فقراته بصورة مستقله عن الاخرى وعدم جواز جمع ومناقشة عدة فقرات في فقرة واحدة ولاسيما اذا كانت تتعلق بثلاث قوانين مختلفة، فضلا عن مخالفة احكام المواد (134-137) من النظام التي رسمت الية مناقشة التشريعات والتصويت عليها.
حيث وجدت المحكمة ان هذه الاسباب كافية لإصدار هذا الامر الولائي لتلافي ما يمكن ان يحدث من اضرار فيما لو طبقت القوانين الثلاث ثم يثبت للمحكمة لاحقاً عدم دستورية الجلسة وعدم دستورية الاثار المترتبة على الجلسة كالتصويت على هذه القوانين الثلاث .
ان الانتقادات الموجهة للمحكمة الاتحادية العليا بسبب اصدار هذا الامر ليس لها سند من الواقع او القانون، لان المحكمة الاتحادية العليا لا تتصدى لعدم دستورية الاجراءات او القوانين ذاتياً اي من تلقاء نفسها، فاختصاص المحكمة لا يتحرك الا بناء على طعن دستوري، وبالتالي كان الاحرى ان يوجه النقد للطاعنين وليس للمحكمة الاتحادية العليا كونها مارست اختصاصها وفق الدستور والقانون عند تحريك هذه الطعونات، كما انه ليس للمحكمة الاتحادية العليا ان تمتنع عن قبول هذه الطعون واتخاذ الاجراءات بصددها وفق القانون والا عدت ممتنعة عن احقاق الحق وهي جريمة يؤاخذ عليها القضاء.
وهذا ينطبق عليه اذا جاز التعبير والتشبيه القانون المعروف في لعبة كرة القدم (كرة تبحث عن قدم) وليس (قدم تبحث عن كرة) والفرق واضح بين الحالتين، ان المحكمة الاتحادية العليا باعتبارها جهة قضائية تمارس دوراً ايجابياً واسعاً في البحث عن الوقائع التي تثبت عدم دستورية الجلسة او دستوريتها وهي بإصدارها هذا الامر لم تباشر بعد تحقيقاتها للوصول الى حقيقة هذه الوقائع، والهدف تقريب الحقيقية القانونية الى الحقيقية القضائية واصدار القرار النهائي العادل، فالمحكمة في بداية الطعن الدستوري تتصرف وفق الحقيقية القانونية المقدمة لها في الاوراق والمستندات وعريضة الدعوى، ولم تباشر بعد البحث على الوقائع قضائياً للوصول للحقيقة القضائية، لأن ما يهمنا هو الحقيقية القضائية الاقرب للوقائع والتي قد تتطابق مع الحقيقة القانونية او قد لا تتطابق.
وبالتالي فأن المحكمة غير مسؤوله عن نوايا مقدمي الطعونات فيما لو كانت تستهدف المصلحة العامة واحترام الدستور ام كانت ببواعث سياسية او مصالح حزبية او فئوية بهدف تمرير قانون وتعطيل الاخر، كما تتحمل رئاسة مجلس النواب مسؤولية تعطيل احكام الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب وخلق هذا المأزق الدستوري .
سبق وان اكدنا على ضرورة ان تأخذ القوانين المجال والدراسة الكافية بما فيها دراسات اثر التشريع قبل المضي بإجراءات تشريعها لضمان جودة هذه التشريعات وخدمة الفئات المستهدفة منه، فالطريقة التي جرى فيها التصويت على قوانين السلة الواحدة اضرت بالمستهدفين بالقوانين الثلاث لان تشريعها كان محل شد وجذب وصراع سياسي وطائفي واجتماعي داخل المجلس لإثبات وجود جماعة سياسية في مواجهة اخرى، وليس ممارسة اختصاص تشريع القوانين الاتحادية الذي يتطلب الانسجام في العمل التشريعي .
نظر الطعون
ان قرار المحكمة الاتحادية العليا في نظر الطعون استند للمادة (93/ ثالثاً) من دستور 2005 وهو اختصاص يتعلق بالفصل بالقضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، وليس الفقرة (اولاً) من هذه المادة المتعلق بالفصل بدستورية القوانيـن والانظمة، ومن المعلوم ان البت بدستورية جلسة التصويت تتعلق بنزاع حول مدى تطبيق نصوص واحكام النظام الداخلي عند التصويت على هذه القوانين الثلاث، ودون ادنى شك ان ثبوت عدم صحة جلسة التصويت يترتب عليه بطلان اثارها ومنها التصويت على هذه القوانين.
وهنا سنقع في مآزق دستوري اخري اخر فيما لو قررت المحكمة الاتحادية العليا عدم صحة جلسة التصويت في مقابل استمرار المحاكم المختصة بتنفيذ تعديل قانون العفو استناداً لتوجيه مجلس القضاء الاعلى بتاريخ 5/2/2025 .والله الموفق …
اضف تعليق