عبر 8 عقود مضت، تحصد الولايات المتحدة الأمريكية نتائج استراتيجياتها الناعمة في تغيير سلوك الشعوب وتغيير اراداتها بشكل لافت.. لتجد هذه الشعوب والحكومات إن مفاهيم السلطة والحدود والدين واللغة والسيادة، أصبحت مفاهيم لا قيمة لها في ظل هذه المتغيرات...
ما أن إنتهت الحرب العالمية الثانية (1939_1945)م، حتى سارعت الدول المنتصرة إلى تشكيل نظام عالمي جديد عنوانه القطبية الثنائية القطب الأول الغربي المتمثل بحلف شمال الأطلسي والقطب الثاني المتمثل بحلف وارشو، وهنا بدأت دول العالم من باب الاحتماء بالاقوياء، التسارع في الانضمام إلى هذه الاقطاب، أو التودد والتقرب منه.
وهنا بدأت تذوب الهويات الوطنية وطبيعتها التقليدية، إلى هويات دخيله، تمثل خليط من الهويات الخارجية، والتي ساهمت بشكل فعال وسريع في تدهور الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية لها، والدخول في صراعات جديدة بين الهويات الفرعية والدخيلة ، مع الهوية الأم.. وانتج ذلك بروز حركات سياسية ودينية وثقافية وعشائرية تتصارع فيما بينها، بل برز نوع من الصراعات الطبقية بين أبناء المجتمع الواحد، وظهرت حدود جديدة بين أبناء الوطن الواحد.
وطفت على السطح نظريات جديدة تمهد لتوجه جديد للبشرية، منها ما ذكره (يوشيهيرو فرنسيس فوكاياما) في كتابه (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) عام 1992، وما نشره (صاموئيل فيليبس هنتنجتون) في مقالته (صِدام الحضارات: إعادة صُنع النظام العالمي الجديد) عام 1993 والذي تحول فيما بعد إلى كتاب عام (1996)م.. إذْ مثل ذلك مؤشرات خطيرة لمستقبل البشرية بشكل عام ودول بعينها بشكل خاص لدوافع جغرافية ودينية وحتى ثقافية؟!
وشكل النظام الجديد بحلته الجديدة، نظام دولي جديد ثاني، أحادي القطبية، سادت فيه هذه المرة السيطرة الأمريكية بدلا من القطبية (السوفيتية الأمريكية)، نال العالم من التفرد ما عانى من سطوة المفاهيم الغربية على المجتمعات الأخرى من مفاهيم العولمة إلى الامركة ثم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والتمكين وحماية الاقليات والمثلية وغيرها من المصطلحات التي ساهمت في تدهور واقع تلك الدول وضياع مواردها ودخولها في صراعات وحروب داخلية وأنظمة دكتاتورية، وحروب بين دول الجوار وتغيير أنظمة وهكذا من التفاعلات غير الإيجابية، التي كلفت تلك الشعوب خسائر فادحة لايمكن تجاوزها ببساطة؟!
بل الأخطر من ذلك لجوء تلك الدول والشعوب بالولايات المتحدة الأمريكية المسببة بتلك السياسات، لمواجهة الشعوب الأخرى او نفس الشعوب، بل أصبح الأمر أن تطلب تلك الشعوب من الولايات المتحدة الأمريكية التدخل لتغيير النظام وحماية الشعب من حكومته او من دولة جارة تجمعك معهم صلة الدين او القومية وغيرها.. وعبر 8 عقود مضت، تحصد الولايات المتحدة الأمريكية نتائج استراتيجياتها الناعمة في تغيير سلوك الشعوب وتغيير اراداتها بشكل لافت.. لتجد هذه الشعوب والحكومات إن مفاهيم السلطة والحدود والدين واللغة والسيادة، أصبحت مفاهيم لا قيمة لها في ظل هذه المتغيرات..
اضف تعليق