الدول تقيس مستوى تطورها ونموها بمقدار ما تنفقه من طاقة، بوصفها محركة الانتاج، فتخيلوا حالنا في أي هاوية، ومع ذلك لا تقلقوا، ما هي الا عشرين سنة قادمة فقط وسيكون بمقدورنا تزويد الناس بكهرباء مستقرة، لا تنطفىء بمجرد ريح بسيطة او زخة مطر عابرة...

لا أدري كم نحتاج بعد من السنوات لكي نتمكن من اصلاح الكهرباء؟، ونريح الناس من همها وغمها، فأكثر من عشرين عاما مضت وهذا الهم راقد على القلوب، نتخبط في الظلمة ليلا، ونتلوع بالحرارة صيفا، ونتحسر على الماء الحار شتاء، وتُقطع أرزاق أصحاب المهن في كل الأوقات، ولكم أن تتصوروا حجم المعاناة كم هي كبيرة لو لم تكن المولدات الأهلية موجودة بما في بعض أصحابها من استغلال برفع الأسعار، واحتيال في التشغيل، وعنجهية في التعامل. 

الناس تريد كهرباء، والحكومة مسؤولة عن توفيرها طالما ارتضت لنفسها التصدي للمسؤولية، والناس غير معنية من أين يأتي وقودها، ولا تعنيها تلك المؤامرات التي يتحدث عنها بعض المسؤولين والسياسيين من ان امريكا او غيرها تضغط باتجاه عدم اصلاح الكهرباء، فالذي لا يستطيع ادارة هذه الأزمة المزمنة عليه أن يتنحى جانبا، وان لا يحبطنا بالوعود التي ما مر صيف او شتاء حتى يتبين انها مجرد كلام فارغ، وتتذكرون أبرز تلك الوعود التي أطلقها الشهرستاني الذي قال بعظمة لسانه: ان العراق سيصدر الكهرباء الى دول الجوار في العام 2013، حتى صرنا لا نصدق أي وعد يُطلق، في الكهرباء او في غيرها، وصارت صورة الحكومات منذ أولها حتى حكومة الكاظمي سوداء في أذهان الرأي العام، وحاول السيد السوداني والحق يُقال انه الأكثر نشاطا والأقرب للناس والأصدق في عمله والأكثر متابعة للشأن العام، الا انه مع ذلك لم يستطع أن يحل هذه الأزمة بالرغم من انجازات كبيرة حققها في مجالات عديدة. 

منذ عقود ونحن نسمع عن فكرة تنويع مصادر التسليح في العراق وأمثاله من البلدان، فلماذا لا تُطبق هذه الفكرة في استيراد الكهرباء او وقود محطات توليدها، ولماذا نربط معاناة الناس بمصدر واحد والمتمثل هنا بالجارة ايران، وبمجرد أن تتغير ظروفها السياسية او الجوية يتوقف تزويدنا بالوقود فتتعطل لدينا الكهرباء ؟، وتبدأ التبريرات تترى بأن ايران اوقفت امداد الغاز او أوقفت خط الكهرباء الفلاني، وهو عذر غير مقبول ولا مقنع، وهذا ما يحدث في كل شتاء وصيف وفي ذروة الفصلين، ولعل ما حدث أول أمس بانقطاع الخط الذي يزود محافظة ديالى بالكهرباء خير مثال. فتنويع مصادر التسليح يأتي لمواجهة اعتداءات محتملة، بينما يأتي تنويع مصادر الكهرباء لمعالجة مأساة مستديمة ولوعات يومية وانفعالات شديدة.

نحن حريصون على علاقتنا بايران، وتهمنا مصالحها، فقد وقفت معنا في ظروف حالكة، تخلى فيها الجميع عنا بضمنهم الأشقاء، لكن هناك قنوات عديدة لمساعدتها في ظرف الحصار الذي يكابده شعبها، ولكن ليس على حساب راحتنا المرهونة بالكهرباء.

اذا كنا لم نستطع طوال هذه المدة من اصلاح الكهرباء، ولم نتمكن من توزيع الرواتب في مواعيد ثابتة دون أن نقلق من ان الشهر القادم قد لا نحصل فيه على رواتبنا، وان لا نذهب مسرعين الى المنافذ لاستلام معاشاتنا وقت نزولها، تحسبا من حدوث متغيرات تحرمنا من مصدر رزقنا الوحيد، وان لا نصدق الشائعات التي تقول ان الحكومة غير قادرة على تمويل رواتب الأشهر القادمة، واذا لم يكن بمستطاعنا تعزيز الثقة بمؤسساتنا بأنها كفوءة في أداء مهامها، واذا، واذا، واذا، فكيف تكون لدينا الثقة بأن هذه الحكومات قادرة على بناء دولة قوية، ومستعدة لمواجهة تحديات تلوح في الافق، بخاصة وانها لم تعد خفية، او يجري ترتيبها في الغرف السرية، بل صار الأعداء يطلقونها صراحة وبملء الفم ودون حياء او تحسب ومن على شاشات الفضائيات، والكل يسمع ما يقوله ترامب ويكرره نتن ياهو؟

يا سادة: الدول تقيس مستوى تطورها ونموها بمقدار ما تنفقه من طاقة، بوصفها محركة الانتاج، فتخيلوا حالنا في أي هاوية، ومع ذلك لا تقلقوا، ماهي الا عشرين سنة قادمة فقط وسيكون بمقدورنا تزويد الناس بكهرباء مستقرة، لا تنطفىء بمجرد ريح بسيطة او زخة مطر عابرة.  

اضف تعليق