إن تحقيق الديمقراطية في العراق يتطلب فهماً أعمق لمفهوم الأغلبية، وكذلك آليات واضحة لتعويض المقاعد الشاغرة، هذه القضايا تتطلب تعاوناً حقيقياً بين النخبة السياسية وجميع أطياف المجتمع المدني لتحسين الثقافة السياسية وزيادة الوعي بمفهوم الديمقراطية الحقيقي، لابد من تطوير إطار قانوني ومؤسساتي يعالج هذه التباسات...
تاريخيا، منذ عام 1958 الى عام 2003 لم يعرف عن الاحزاب السياسية العراقية الماسكة بأزمة السلطة بعد سقوط النظام الدكتاتوري بانها تؤمن بالديمقراطية. وينطبق هذا القول بشكل اساسي على الاحزاب الشيعية الاسلامية التي كانت ترفض الديمقراطية، مصطلحا ومضمونا، قبل سقوط النظام الدكتاتوري. ويمكن اثبات هذا الادعاء بالعودة الى ادبيات هذه الاحزاب في الفترة المذكورة.
اما بيان لندن الصادر عن مؤتمر لندن للمعارضة العراقية فلا يمثل تأصيلا لمفهوم الديمقراطية في ادبيات الاحزاب العراقية، انما هو بيان سياسي اقتضته الضرورة العملية الممهدة لحرب عام 2003. لكن بعد اسقاط النظام الدكتاتوري بواسطة الاحتلال الاميركي، كان على هذه الاحزاب ان تتقبل الديمقراطية كعنوان للنظام الجديد حيث نص دستور عام 2005 بان النظام السياسي في العراق «جمهوري، ديمقراطي، اتحادي، برلماني».
لكن النص وحده لا يكفي، ولابد ان تعززه الممارسة العملية، وهنا انكشفت حقيقة قبول الاحزاب الحاكمة بالديمقراطية. لابد ان اذكر ان مفهوم الديمقراطية يعتبر من أكثر المفاهيم تعقيدًا في سياق السياسة العراقية الحالية، حيث يشهد تطبيقه العديد من التحديات والتباسات، خاصة في ظل النظام السياسي المتعدد الطوائف والقوميات.
إليك تحليلًا لبعض هذه التباسات من خلال نقطتين رئيسيتين: أولا: «حكم الأغلبية»: تعرّف الديمقراطية بانها «حكم الاغلبية»، لكن غالبًا ما يُساء تفسير مفهوم حكم الأغلبية في السياق السياسي العراقي باعتباره يمثل الأغلبية القومية أو المذهبية، بدلاً من الأغلبية السياسية.
هذا المفهوم يجب أن يركز على تحقيق التوافق السياسي الذي يضمن تمثيل مختلف المكونات والأحزاب في الحكومة. في النظام الديمقراطي المثالي، تُعتبر الأغلبية هي تلك التي تنتج عن التحالفات السياسية والانتخابية برغم تنوع الخلفيات المذهبية والقومية. في العراق، التداخل بين الدين والسياسة غالباً ما يُعقد المشهد الديمقراطي، حيث يُنظر إلى السلطة على أنها وسيلة لتعزيز النفوذ الطائفي أو القومي بدلاً من تمثيل الإرادة الشعبية بمفهومها الأوسع.
لتحقيق ديمقراطية حقيقية، ينبغي على النخب السياسية التركيز على بناء تحالفات تقوم على البرامج السياسية وليس الهوية المذهبية أو القومية. ثانيا: تعويض المقاعد الشاغرة: تعويض المقاعد الشاغرة يمثل جانبًا آخر من التباس مفهوم الديمقراطية.
السياق العراقي شهد جدلاً حول آلية تعويض هذه المقاعد، حيث يُفضل البعض الاعتماد على الانتخابات الفرعية بدلاً من تصعيد المرشح الذي حصل على الرقم التالي من الأصوات. الانتخابات الفرعية تتيح للناخبين فرصة جديدة لاختيار ممثلهم مما يعزز من شرعية العملية الديمقراطية ويضمن احترام الإرادة الشعبية.
النظام الديمقراطي يتطلب ممارسات واضحة وشفافة في كل الأوقات، وتتيح الانتخابات الفرعية للنظام معالجة القضايا والتحولات السياسية بشكل مرن وفعال، خصوصًا في بيئة تعددية كتلك الموجودة في العراق.
إن تحقيق الديمقراطية في العراق يتطلب فهماً أعمق لمفهوم الأغلبية، وكذلك آليات واضحة لتعويض المقاعد الشاغرة. هذه القضايا تتطلب تعاوناً حقيقياً بين النخبة السياسية وجميع أطياف المجتمع المدني لتحسين الثقافة السياسية وزيادة الوعي بمفهوم الديمقراطية الحقيقي.
لابد من تطوير إطار قانوني ومؤسساتي يعالج هذه التباسات بشكل ينطلق من مصلحة الوطن والمواطن، وليس من اعتبارات ضيقة تتركز حول العرق أو الدين. هذا النهج يمكن أن يقود العراق نحو مستقبل سياسي أكثر استقرارًا وعدالة، حيث يتم تمكين جميع شرائح المجتمع من المشاركة في صنع القرار السياسي بشفافية ودون تمييز أو تهميش.
اضف تعليق