ما الذي جناه العراق من التبرع للآخرين؟، ثم نحن دولة ولا يفترض أن تحكمها قيم القبيلة، او النظر الى دول العالم بمنظور عاداتنا وتقاليدنا، فنعطي لهم ما لا يعرفون دلالته، لابد لكل عطاء ما يقابله من مصالح كمواقف مساندة وداعمة لقضايانا المحلية او القومية، او النظر باحترام للعراقي الذي يزور تلك البلدان...

جاء في أمثالنا العراقية ان (الجود من الموجود)، لكن الفهم الشعبي يذهب في بعض معانيه الى ان (الجود من غير الموجود) او (الجود من الجلود)، ذلك ان لا معنى حقيقي للعطاء عندما تعطي من الكثير الذي عندك، وانما العطاء هو الذي تنتزعه من جلدك لتعطيه لأخيك المحتاج، أي ان العطاء هو ان تعطي ما انت بحاجة اليه واذا كان أوج السعادة ذلك الذي ينتابك عند العطاء، فتأمل طبيعة السعادة التي تغمرك عندما تكون انت نفسك بحاجة له وتعطيه، وهذه شجاعة لا تتوافر لدى الجميع.

ولكن لابد للعطاء من جدوى، اما اجر من الله تعالى، او انتظار موقف وفاء، او اعتراف بالجميل عندما تستدعي الضرورة ، فكل شيء دين حتى دموع العين كما يُقال.

تذكرت هذه الأمور عندما روى زميلي سلوك عميد كلية في دولة عربية زار العراق للمشاركة في مؤتمر علمي، فأسكنته ادارة المؤتمر في فندق الرشيد الذي يعد من أرقى فنادق بغداد، ثم عزمه الى بيته، وتناوب عليه زملاء آخرون من مدينتي الفلوجة والأنبار المعروفتين بكرم أهلها المتطرف فأروه ما لم يصادفه في حياته، وأكمل زميلي بأنه شارك في فعالية علمية في كلية هذا العميد، فالتقاه صدفة في كافتيريا الكلية، لكنه لم يبادر الى تضييفه حتى بفنجان قهوة، او دعوته الى بيته، او مرافقته في جولة بالمدينة كما فعل معه في بغداد، قد يقول البعض ان هذه حالة فردية، او ان الوضع المادي للرجل لا يسمح، وبالمقارنة : لو طرق ضيف باب أي فقير عراقي لضيفه أحسن ضيافة وان استدان مبلغها.

وأريد بهذه المقدمة الحديث عن التبرعات التي قدمها العراق للدول العربية والأجنبية سواء في هذا النظام او النظام السابق، أتذكر عندما سافرت الى القاهرة في زمن الرئيس حسني مبارك في العام 2011، أوقف ضباط أمن المطار جميع العراقيين الموجودين لمدة ساعة كاملة بالرغم من سلامة موقفهم الأمني، بينما يمر الأخوة الخليجيون شامخين من دون أن يعترضهم أحد، مع ان العراق كان من أكثر الدول العربية مساعدة لمصر وبخاصة ابان النظام السابق حيث استضاف ما يقرب من خمسة ملايين عامل مصري للعمل في العراق، وتبرع بمبلغ قدره (21) مليون دولار لبناء مكتبة الاسكندرية في ثمانينيات القرن الماضي، هذا الذي نعرفه اما الذي لا نعرفه فربما كان أعظم، ومع ذلك سمحت مصر وبمباركة من رئيسها بمرور حاملات الطائرات للتحالف الذي تقوده امريكا من قناة السويس لقتل العراقيين واحتلال بلادهم لاحقا.

وشملت التبرعات العديد من الدول العربية والأجنبية وآخرها تبرعات العراق الى الأخوة اللبنانيين أثناء الاعتداء الصهيوني عليهم، ومبادرة الحكومة باستقطاع نسبة (1بالمئة) من رواتب الموظفين لمساعدتهم، لكن الذي حدث ان التصريحات الاعلامية للمسؤولين اللبنانيين لا تذكر العراق من بين المتبرعين، وان ذكرها البعض على قلتهم يقدمون الدول الخليجية عليه، ويأتي هو في ذيل القائمة. 

بينما هو أول دولة عربية انبرت للمساعدة بدءا من التبرع بالنفط في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، وان ما قدمه الخليجيون لا يساوي ما قدمه العراق اطلاقا، والسؤال: ما الذي جناه العراق من التبرع للآخرين؟، ثم نحن دولة ولا يفترض أن تحكمها قيم القبيلة، او النظر الى دول العالم بمنظور عاداتنا وتقاليدنا، فنعطي لهم ما لا يعرفون دلالته، لابد لكل عطاء ما يقابله من مصالح كمواقف مساندة وداعمة لقضايانا المحلية او القومية، او النظر باحترام للعراقي الذي يزور تلك البلدان، او الحصول على تسهيلات معينة وغيرها، وأجزم لكم: اذا ما تعرض العراق لعدوان لا سامح الله سيكون وحيدا حتى لا نسمع استنكارا من أحد.

أتمنى أن يضع مسؤولونا العراق والعراقيين أولا وقبل كل شيء، فالعراق في نظر بعض أشقائه وأصدقائه كالسمك (مأكول مذموم)، فكفى هدرا لثرواتنا، وان لا يكون عطاؤنا (….. بهورة) كما يقول المثل.

اضف تعليق