فقدان لغة الحوار بين الأحزاب المشتركة في العلمية السياسية دفعت ثمنه الجماهير على مدى أكثر من عقد من الزمن، وقد أدى دخول البلاد في شبه الحرب الاهلية المستترة، وكذلك أدى الى دخول العصابات الإرهابية والمجاميع التكفيرية، نتيجة عدم الايمان بمفهوم الحوار الذي يؤدي الى الاستقرار...
من الامراض المزمنة في العراق هو الاختلاف في وجهات النظر فيما بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، فالأخيرة ترى ان من حقها تقرير مصيرها بعيدا عن سلطة المركز، بينما المركز يرى انه بمثابة الاب الذي لا يريد ان يخرج أحد ابناءه عن عباءته ويتصرف كما يحلو له.
وفق هذا المبدأ ونتيجة لتمسك الطرفين بطرحه واستمرار الدفاع عنه، حدثت العديد من الازمات بين الحكومتين، حيث كانت نقطة الاندلاع الكبرى عندما قررت الحكومة المركزية بوقف حصة الإقليم من الموازنة العامة الاتحادية عام 2013، وبهذا القرار دخلت العلاقات مع الإقليم منطقة خطيرة واخذت الأمور بالتصعيد والتوتر.
وليس الامر جيدا بالنسبة لطبيعة العلاقة بين الأحزاب السياسية، فجميعها لا تعمد الحوار منهجا للخروج من الانفاق المظلمة، فالحوار الشيعي الشيعي اشبه بالمتحجر، والسني السني كذلك، والانفتاح على الآخرين معطل وهكذا الحال باختصار.
لا نريد الخوص بتفاصيل الخلاف وما يهمنا اليوم هو الوقوف على أسباب حدوث الصراعات الداخلية، دون اللجوء الى لغة الحوار، لاسيما وان للحوار أثر كبير ودور بارز في تحقيق الاستقرار السياسي، حيث اثبتت لنا التجارب ان لا سبيل لتحقيق التفاهم ما لم تركن جميع الأطراف الى الحوار.
نخبنا السياسية في العراق تفتقر الى ثقافة الحوار مع الآخر، وعلى مدى العقدين الماضيين اكدت لنا الأوضاع السياسية انها لا تمتلك السبيل الناجح للخروج من المأزق الذي تدخل فيه العلمية السياسية، ولهذا نود التركيز على أهمية الحوار في تحقيق الاستقرار على جميع المستويات.
لكل حالة مرضية وصفة معينة تساعد على الشفاء، ولكل ازمة مخرج يتم تصريف المشاكل من خلاله، فغياب الحوار أثر واخل كثيرا في العملية السياسية والاجتماعية، وقد يكون العراق من الأمثلة الحية على هذه الحقيقة، وكبدت الشعب المزيد من الخسائر.
فقدان لغة الحوار بين الأحزاب المشتركة في العلمية السياسية دفعت ثمنه الجماهير على مدى أكثر من عقد من الزمن، وقد أدى دخول البلاد في شبه الحرب الاهلية المستترة، وكذلك أدى الى دخول العصابات الإرهابية والمجاميع التكفيرية، نتيجة عدم الايمان بمفهوم الحوار الذي يؤدي الى الاستقرار.
النزاعات على تقسيم المناصب والثروات قادت البلد الى مصير مجهول، وظهرت الكثير من الانعكاسات السلبية على الحياة السياسية، وأضحت عجلة العملية السياسية تتوقف عند كل مفصل سواء كانت القضية بسيطة او معقدة.
ليس المهم هو نوع القضية، بل الأهم ان جميع الأحوال خالية من الحوار المفيد، ويذهب الاغلب الى اتباع لغة النيل من الآخر وكأنهم في مضمار سباق لبلوغ الهدف الممثل هنا تسقيط الآخر وعدم فسح المجال امامه ليأخذ نصيبه في المجال السياسي، ولهذا نجد الصدام المباشر او غير المباشر هو المشهد الذي يعكس الواقع.
مواسم الصراع في العراق تبدأ مع بدأ اقتراب موعد الانتخابات او الحصول على بعض الامتيازات، المشروعة وغير المشروعة، فالمشروع هو القبول بما نصت عليه المواد الدستورية، وكل كتلة او مكوّن يعرف حجم استحقاقه وعليه ان يقبل بهذه النتيجة الواقعية.
لكن ما يُحدث النزاع هو محاولات القفز على حقوق الآخرين والعمل وفق مبدأ "الك يا طويل الذراع" أي العبور على الاستحقاقات المشروعة ومحاولة إزاحة الآخر من الساحة، وعدم القبول برؤية وطرح المقابل، وفي النتيجة تحصل الصدامات المستمرة، واتساع الفجوات بدلا من تضيقها.
عدم استخدام الحوار كمفك لتفصيخ المشاكل السياسية، يجعل المناخ السياسي يُصاب بالاضطراب وعدم الاستقرار، مما يصعّب الامر على الحكومة لتنفيذ برامجها السياسية واستكمال خطواتها الخدمية، بما في ذلك تمرير القرارات المهمة التي تخدم البلد والمواطن، ولهذا فشلت الحكومة في تحقيق التقدم بالكثير من المجالات وفشلت السلطة التشريعية على غرار ذلك الفشل ولذات الاسباب.
اضف تعليق