في مقالين سابقَين تم تفصيل استراتيجيات وتكتيكات المشروع الأول (الإيراني) الذي يتسابق مع المشروعَين الآخرَين في المنطقة وما هو متوقع منه في 2025. سيتم اليوم التعرض لإستراتيجيات وتكتيكات المشروع الثاني (الإسرائيلي-الاستيطاني) وحصاده المتوقع في 2025. ففي الوقت الذي شهد فيه هذا العام انحداراً كبيراً وتهديداً وجودياً للمشروع الإيراني...
في مقالين سابقَين تم تفصيل استراتيجيات وتكتيكات المشروع الأول (الإيراني) الذي يتسابق مع المشروعَين الآخرَين في المنطقة وما هو متوقع منه في 2025. سيتم اليوم التعرض لإستراتيجيات وتكتيكات المشروع الثاني (الإسرائيلي-الاستيطاني) وحصاده المتوقع في 2025. ففي الوقت الذي شهد فيه هذا العام إنحداراً كبيراً وتهديداً وجودياً للمشروع الإيراني، فأن المشروعَين الآخرَين (الاستيطاني والعثماني) شهِدا نجاحات كبرى بحيث باتت المنافسة على المركز الأهم محتدمة جداً مما سينعكس على ديناميكيات التواصل والتفاضل بينهما، وكذلك سياسات المَحاوِر والتناوِر التي ستشهدها المنطقة نتيجة هذا التنافس.
توسع المشروع الاستيطاني. منذ إنشائه في عام 1948 ظل المشروع الإسرائيلي الاستيطاني وفياً لمخططه التوسعي الهادف لإنشاء إسرائيل الكبرى. وظلت سياسة ضُمْ ثم ناوِر، وأضرب ثم حاوِر هي السياسة السائدة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى لهذا المشروع. ففي كل حروبها مع العرب سواء 1948 أو 1967،أو 1973،أو 1982 وتوابعها في لبنان، أو أكتوبر 2023 والمستمرة للآن، أظهرت إسرائيل قدرة كبيرة على العدوان ثم المناورة السياسية أو ضم أراضي جديدة ثم الجلوس للحوار!
مقابل ذلك أظهر العرب قدرة كبيرة على الفشل سواء على أرض المعركة أو على طاولة التفاوض والمناورة. وفي الوقت الذي لم تكن فيه إسرائيل سوى كيان استيطاني هش في 1948، بات دولةً قوية، ولاعباً إقليميا رئيساً يتنافس مشروعه السياسي مع المشاريع الكبرى وغالباً ما يبزّها.
وسواء كان ذلك لقوة الجيش الصهيوني أو لدعمه اللامحدود من الغرب أو لضعف الجيوش العربية، فقد كانت الخسائر العسكرية تتوالى بشكل كارثي تردفها الهزائم السياسية بشكلٍ عبثي. وبعد أن تم تخوين الرئيس التونسي بورقيبة قبل ستين عام لدعوته لحل القضية الفلسطينية على أساس قرار الأمم المتحدة 181 في 29/11/1947 الذي وهب لإسرائيل نصف فلسطين (مدن تل أبيب، يافا، وحيفا، بينما كانت الحدود الجنوبية تمتد حتى النقب) مع تدويل القدس، باتت غاية أماني العرب انسحاب اسرائيل الى حدود حرب 1967 التي أتت على معظم فلسطين وأجزاء من سوريا والأردن ومصر ولبنان!
وفي الوقت الذي أجاد فيه الصهاينة سياسة القضم التدريجي في مشروعهم، أجاد العرب سياسة (كل شيء أو لا شيء) التي حذر منها بورقيبة فحصدوا (اللا شيء) وأضاعوا كل شيء! وحتى حين آمنت حماس بقدراتها وأرادت ممارسة حقها الثابت في مقاومة الاحتلال في 7 أكتوبر 2023 وقعت في فخ سوء التقدير الاستراتيجي سواء تجاه العدو الصهيوني ورد فعله، أو تجاه الحليف الاقليمي (إيران) ورد فعله، أو تجاه الداعم الأكبر للمشروع الصهيوني (أمريكا) ورد فعله.
وبدلاً من أن تكحّلها أصابتها بالعمى كما يقول المثل. فلا هي قدّرّت، ولا هي حررت، ولا هي طوّرّت بل للأسوأ غيّرّت!! أجل، نتفهم رغبة حماس في تحرير الأرض أو تحسين الوضع وهو حق مشروع لها، لكن في السياسة والصراع، لا تكفي النوايا الحسنة أن لم تستند لمستلزمات ووسائل رصينة وموثوقة.
مشروع توسعي
لقد بنى المشروع الاستيطاني الصهيوني استراتيجياته التوسعية على ثلاث ركائز أساسية أجاد استثمارها الى الآن:1) إسرائيل أقوى عسكرياً وسياسياً وأقتصادياً،2) أعداء مشتتون وممزقون، 3) وإسرائيل التي تمثل حارس المصالح الغربية من جهة وأنموذج للقيم الغربية من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن العدوان الصهيوني رداً على هجوم 7 أكتوبر 2023 والمستمر للآن أدى الى إضعاف هذا المشروع عسكرياً وسياسياً واقتصادياً فضلاً عن تدمير مصداقية انموذجها (الحضاري) الا أن تشتت العرب وتباين رؤاهم من جهة، والخشية التي ولدها أتساع المشروع الإيراني وأخطاءه الاستراتيجية الكبرى من جهة ثانية عززا من قدرات هذا المشروع وجعلاه الفائز الأكبر في سباق دوري المشاريع الاقليمية.
وفي الوقت الذي بشر فيه داعمو المشروع الإيراني جمهورهم بأن هذه ستكون المعركة التي تقصم ظهر العدو الصهيوني وتستنزفه، فأنها واقعاً منحته أراضي جديدة، وأوراق استراتيجية كبرى لم يكن يحلم بسرعة حصولها. من هنا فأن عام 2025 سيشهد(غالباً) ما يسمى بالعلم العسكري بمرحلة استثمار الفوز لهذا المشروع.
هنا لا أتفق مع من يعتقدون أن هذا المشروع سيستمر في توسعه باتجاه سوريا وجولانها، ولا لبنان وليطانيها بل سيستثمر فوزه بما يتوافق مع قدراته الاستراتيجية من جهة، ومتطلبات النظام الدولي الجديد الذي يتشكل من جهة أخرى. سيحصل ذلك من خلال أربع اتجاهات إسرائيلية متوازية:
أ.التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وقضم مزيد من الأراضي الفلسطينية.
ب.فرض مناطق عازلة في سوريا ولبنان خارج أطار قرارات الشرعية الدولية.
ت.التلويح بملفات التمدد العسكري الممكن في سوريا ولبنان من جهة وأسقاط السلطة الفلسطينية في رام الله من جهة ثانية، والتصدي للمشروع الإيراني من جهة ثالثة لإجبار مزيد من الدول العربية للتوقيع على الاتفاق الإبراهيمي وربما تحقيق ما يسمى بصفقة القرن التي سيرعاها ترامب وأدارته القادمة.
ث.هناك احتمال قوي لحصول تفاهم تركي-إسرائيلي على ترتيبات ما بعد سقوط الأسد تضمن لتركيا ومشروعها لعب دور إستراتيجي أكبر وتضمن لإسرائيل اصطفاف المحور الإخواني ودعمه ليس فقط للجهود السياسية “الإبراهيمية” بل المساهمة في تخفيف التوتر عن طريق إعادة بناء غزة ولبنان وسوريا.
لذا فأن من المتوقع مشاهدة مزيد الاتصالات والتفاهمات وربما المعاهدات بين إسرائيل ودول مهمة في المنطقة. وليس من المستبعد الإعلان عن مؤتمر شرق أوسطي كبير يقوم بوضع ترتيبات الوضع السياسي الجديد بعد انحسار المشروع الإيراني في المنطقة.
لكن مدى نجاح مثل هذه الخطوات غير مضمون وستتم مناقشته في المقالات القادمة.
اضف تعليق