رواتب الرعاية الاجتماعية لا يمكن اعتبارها من الحلول الناجعة على المدى البعيد، وهي بالأساس منحة قليلة لا تكفي لتوفير أبرز الاحتياجات العائلية، في الوقت الذي يشهد ارتفاع الأسعار واصلا ملوسا مقارنة بشهر مع الآخر، وهو ما ضغط على الكثير من الاحتياجات بالنسبة للموظفين...
أوضح تقرير صدر عن المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق ان أكثر من عشرة ملايين عراقي في عام 2024 يعيشون تحت خط الفقر، في الوقت الذي تخلو فيه الموازنات من أي دعم لهذه الشريحة التي اخذت بالاتساع في البلاد نتيجة جملة من العوامل المتداخلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
لا توجد دولة في العالم خالية من شريحة الفقراء، لكن الاختلاف يكمن في اختلاف آلية التعامل مع هذه الشريحة، ففي كل دولة من دول العالم توضع استراتيجية معينة لمعالجة هذه المشاكل التي تلاحق عدد ليس قليل من الجمهور، اذ تتمكن بعض هذه الإجراءات من تقليص النسبة على اقل تقدير ان لم تتمكن من معالجتها بصورة جذرية.
الا في العراق فلا تزال جميع الخطوات المتبعة من الجهات الحكومية غير موفقة لتقليص هذه النسبة بل تزايدت في السنوات الأخيرة نتيجة لحزمة من الأسباب، أهمها قلة فرص العمل وانتشار البطالة بين صفوف الشباب من الخريجين وغيرهم، فالآلاف من الخريجين ينظمون سنويا الى طابور العاطلين.
وفي نفس الوقت المؤسسات الحكومية غير قادرة على استيعاب اعداد المتخرجين سنويا، حتى وصل الامر في السنين الأخيرة الى إيقاف التعيين المركزي بالنسبة لكليات المجموعة الطبية، وفي النهاية تحول هؤلاء الى جيش من العاطلين، وكذلك من الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها الحكومات المتعاقبة هي سهولة افتتاح الكليات الطبية.
تسعى الحكومة الى تخفيف نسب الفقر عن طريق دائرة الرعاية الاجتماعية، اذ تواصل تسليمها رواتب شهرية لمليونين اسرة فقط من مجموع الاسر المسجلة والبالغ عددها ثلاث ملايين، اذ تشير هذه الأرقام الى عجز حكومي فعلي عن معالجة واحدة من أكبر المشكلات الاقتصادية في البلاد.
رواتب الرعاية الاجتماعية لا يمكن اعتبارها من الحلول الناجعة على المدى البعيد، وهي بالأساس منحة قليلة لا تكفي لتوفير أبرز الاحتياجات العائلية، في الوقت الذي يشهد ارتفاع الأسعار واصلا ملوسا مقارنة بشهر مع الآخر، وهو ما ضغط على الكثير من الاحتياجات بالنسبة للموظفين.
إذا كان الموظف يشعر بالضيق من ارتفاع الأسعار فما بالك بالأسرة المعتمدة اعتمادا كليا على راتب الرعاية الاجتماعية الذي لا يسد مصروف أسبوعين وليس شهر بالكامل، ومع ذلك نجد الحكومة لم تضع ألية جديدة لاحتساب الدخل الشهري لهذه الاسر وما يجب ان تتقاضاه مع الاخذ بعين الاعتبار تقلبات الأسعار.
تقليل نسبة الفقر عن طريق بوابة الرعاية الاجتماعية ليس الخيار الأفضل، وليس الحل الأمثل، تبقى الحاجة لتعظيم دخول هذه الاسر من الأولويات الضرورية، التي يجب ان يرتكز عليها العمل في الفترات القادمة الى جانب حملة المشروعات التي أطلقتها في بغداد والمدن الأخرى.
تعظيم الدخل الاسري يأتي عن طريق الاهتمام الكبير بالمشروعات الفردية التي تسهم وبشكل كبير في تحسين الأوضاع المعيشية لأصحابها، ويتمثل الدعم هنا بتقديم القروض المالية مقابل تسهيل عملية التسديد، بما يمكن المقترض من الوقوف على قدميه.
وكذلك بالنسبة لاصحاب المزارع في المناطق الريفية، يأتي الدعم الحكومي لهم بمثابة الدفعة المعنوية للاستمرار في استغلال أراضيهم بزراعة المحاصيل ذات المردود المالي الكبير، ومن ثم تعميم الفائدة على افراد الاسرة الذين ينخرطون جميعا في عملية الزراعة.
وما يزيد نسبة الفقر في العراق هو فتح الباب على مصراعيه امام العمالة الوافدة، الي غزت الأسواق وقللت فرص العمل للعراقيين والتي قاربت ارقامهم من مليون عامل، بينما المسجلين رسمياً بحدود 40 ألف فقط حسب بيانات وزارة العمل.
لا يمكن القضاء على الفقر مالم يكون تغيير للكثير من المفاهيم والانماط الاقتصادية القائمة في البلد، ومع ذلك التغيير يمكن استثمار الموارد الاقتصادية الموجودة عموم العراق، فوسائل تحقيق الثروة متوافرة، وكل ما نحتاج له هو التغيير ولو الجزئي للنظم الاقتصادية لكي نتمكن الخروج من دائرة الفقر والانضمام الى دائرة الانتعاش الاقتصادي.
اضف تعليق