بعض الحكومات حاولت تصحيح اخطاءها لكنها وقعت في الفخ ثانية، فبدلا من معالجة الموضوع باختيار موقع جديد، أكثر ملائمة لحاجة المواطنين، نراها اختارت موقع مشابه للموقع القديم من حيث التصميم وعدم مراعاة أماكن وقوف المراجعين، ومدى توفر التسهيلات التي يحتاجها أصحاب المعاملات...
عندما يتم اختيار شخصية ما في منصب من المناصب، عادة تكون ردود الأفعال والتعليقات "الرجل المناسب في المكان المناسب"، هذا إذا كان الشخص الذي وقع عليه الاختيار يمتع بمؤهلات وخبرات عديدة مكنه من إدارة المنصب بشكل صحيح، بينما لو أردنا إسقاط الامر على اختيار أماكن المؤسسات الحكومية، فيمكن ان نقول البناء المناسب في المكان غير المناسب.
ما نتحدث عنه هو بناء بعض المشروعات في المواقع الخاطئة، ولننطلق من مدينة كربلاء حيث موقع الجامعة الواقع على مدخل بابل كربلاء، اذ يتسبب هذا الموقع بحدوث ازدحامات مرورية بصورة يومية، ما يؤدي الى تأخير الموظفين عن موعد الدوام الرسمي، فضلا عن عرقلة دخول وخروج الطلبة الى الجامعة.
هل سبق وان تساءلت من قبل لماذا يقع هذا المشروع هنا؟
بالتأكيد اغلب المارين بقرب البوابة الرئيسية يتبادر الى ذهنهم تساؤلات كثيرة من بينها لماذا لم يتم إبعاد المدخل الرئيسي للجامعة عن الشارع العام، ولماذا أيضا تم اختيار هذا النوع من التربة غير الصالحة للزراعة والبناء، وغيرها من الأمور التي يصعب طرحها للبحث عن إجابة بخصوصها.
المسؤول المعني بالاختيار لم يكلف نفسه او يبذل أدنى جهد للبحث عن بديل أفضل عن الموقع الحالي، الى جانب ذلك ربما يدخل في موضوع الاختيار مسألة الشبهات والرشاوى، لتحقيق الفائدة لصاحب الأرض او المستحوذ عليها بصرف النظر عن الآثار السلبية لهذا الاختيار.
ومن الآثار السلبية الناجمة عن الاختيار الخاطئ هو عدم مقدرة القائمين على المؤسسة التعليمية (الجامعة)، منذ تأسيسها ولغاية الآن من تحويل اروقتها الى مساحات خضراء، وان نجحوا في نسبة معينة فهو نتيجة لجهد مضني امتد على مدى سنوات ومع ذلك لم يحقق النتيجة المطلوبة لتوفير بيئة جامعية مثالية.
موقع الجامعة مثال بسيط على التخبط الحكومي في اختيار المواقع الصحيحة لبعض المرافق المهمة بالنسبة للمواطنين، فمثلا لو دققنا مليا باختيار موقع بعض المراكز الصحية او المباني الخدمية نجدها اُختيرت دون عناية ولم يتم اخضاعها للمعايير السليمة بما يجعلها أكثر فائدة وخدمة للمواطنين.
تخضع البنيات الحكومية لذات المعايير التي يتم وفقها اختيار المنزل من قبل الافراد، فهم عادة يفكرون بطرق المواصلات ومن ثم وجود المدارس او قربها، وكذلك المراكز الصحية او المستشفيات، وبعد هذا يستعينون بمختص لاختيار التصميم الداخلي والشكل المناسب لمنزله.
من هذا يتضح ان عملية التخطيط لاختيار الموقع الصحيح تعد من اهم الأركان الأساسية في مراحل بناء المؤسسات الحكومية، ومن الواضح ان هذا الركن غائب تماما او بنسبة كبيرة عن ذهنية المسؤول في الحكومات المحلية والمركزية ولذلك تحصل الكثير من المشاكل بعد التنفيذ على هذه الشاكلة.
ومن تبعات الاختيار الخاطئ هو اضطرار الحكومة الى تغيير موقع البناية والاستعاضة بموقع آخر، وقد يترتب على ذلك الكثير من الآثار السلبية منها الخسائر المادية التي تثقل الميزانية العامة للدولة، أضف الى ذلك كميات الأموال المهدورة بين الشركات المنفذة والسماسرة الذين يعتاشون على الابتزاز والعمولات.
بعض الحكومات حاولت تصحيح اخطاءها لكنها وقعت في الفخ ثانية، فبدلا من معالجة الموضوع باختيار موقع جديد، أكثر ملائمة لحاجة المواطنين، نراها اختارت موقع مشابه للموقع القديم من حيث التصميم وعدم مراعاة أماكن وقوف المراجعين، ومدى توفر التسهيلات التي يحتاجها أصحاب المعاملات.
وعلى سبيل الفرض لو تم اختيار المكان الصحيح والمناسب، بعيدا عن ضوضاء مراكز المدن، يبقى هنالك تحد آخر يواجه المواطنين وهو ارتفاع اجرة الوصول الى تلك الأماكن، فمن يريد ان يصل الى دائرة المرور في كربلاء يحتاج الى أكثر من عشرة آلاف دينار لمجرد الوصول، وبذلك تحولت هذه المبالغ الى اثقال إضافية على كاهل المواطن.
ومع ذلك من الممكن ان تخصص الحكومات المحلية خطوط نقل خاصة لهذه الأماكن للتخفيف على المواطن من الناحية المادية، ولا توجد صعوبة في الامر طالما توجد حركة مراجعين يومية.
بعد هذا الاستعراض الموجز لمشكلة المواقع الحكومية القديمة والجديدة، نخلص الى مسالة مهمة وهي ان الحكومة إذا ارادت حل جميع المشكلات المتعلقة بالمواطنين لا تواجه أي صعوبة، فكما تصدر جملة من القرارات الخاصة بتنظيم الشؤون العامة، تستحدث ضوابط وقوانين تتماشى والمتطلبات المرحلية ليكون البناء المناسب في المكان المناسب وليس العكس.
اضف تعليق