ما يشغلني في هذا الشأن هو العراق، وهو دولة اخوانية بامتياز لكن من طراز خاص، لا مثيل لها بين الأنظمة السياسية في العالم، وخصوصا بعد الانتخابات الأخيرة سواء البرلمانية او انتخابات مجالس المحافظات، فقد أفرزت نتائجهما عن فوز الكثير من الإخوان والأقرباء لأعضاء سابقين في المجلسين...
لست في معرض استذكار وتقييم تجربة دولة جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي سُمح لها بممارسة العمل السياسي بعد الثورة على الرئيس الأسبق حسني مبارك في العام 2011، لتشترك في الانتخابات بضمنها الانتخابات الرئاسية عبر الحزب السياسي المدني الذي أطلقته تحت اسم (الحرية والعدالة)، وفاز فيها محمد مرسي كأول رئيس منتخب ديمقراطيا.
لكن دولة ذات طابع اسلامي لم ترق للمصريين الذين تطلعوا الى حرية سياسية لا تنال من حريتهم الاجتماعية التي أرادوها مواكبة لما يشهده العالم، وشعورهم ان هذه الدولة ستعود بهم الى الخلف قرونا، فثاروا ثانية بدعم من الدول التي ترفض أن تتزعم جماعة الإخوان العالم الاسلامي، وهكذا فلتت الرئاسة من مرسي ليتلقفها السيسي.
كما لا أرغب بالحديث عن القلق الصاخب الذي ينتاب الجميع مما يجري في سوريا فيما اذا كان أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام ذات الجذور القاعدية صادقا في طروحاته المستنيرة لبناء دولة مدنية، ام ان النوايا تذهب باتجاه تأسيس دولة اخوانية برعاية تركية، فهل من المعقول أن يتحول الرجل من ايديولوجيا صارمة اتخذت من العنف سبيلا لتحقيق أهدافها، الى فكر سلمي وتوجه وسطي متفهم للواقع السوري والاقليمي المتعدد القوميات والديانات والمذاهب، وتعزيزه بإجراءات واقعية تستحق الاشادة، وتشكل منطلقا سليما لبناء الدولة المدنية؟
ما يشغلني في هذا الشأن هو العراق، وهو دولة اخوانية بامتياز لكن من طراز خاص، لا مثيل لها بين الأنظمة السياسية في العالم، وخصوصا بعد الانتخابات الأخيرة سواء البرلمانية او انتخابات مجالس المحافظات، فقد أفرزت نتائجهما عن فوز الكثير من الإخوان والأقرباء لأعضاء سابقين في المجلسين، ولكم ان تستعرضوا الفائزين وتبحثون عن صلات القرابة بينهم، لتجدوا ما يبعث على الغرابة والدهشة، فقد تمكن الأعضاء السابقون بخبراتهم العتيدة وامكانياتهم المالية غير المحدودة، وبالتحشيد العشائري والحزبي من تمهيد السبيل أمام ذو القربى للفوز في عضوية المجلسين.
قد لا نعترض على وجود حالة او حالتين حدثت بالصدفة، او ان أصحابهما يتمتعون بكفاءة مشهود لها، ومعروفين بالفكر السياسي العميق والمعزز بحضور واقعي فاعل، ولكن أن يكون الاخوان بهذا العدد، لاشك انه عمل مدبر ومرفوض منطقيا، بخاصة ان جلهم غير معروفين، وبلا انجازات واضحة، ولا تاريخ سياسي معين، فماذا يعني ذلك؟
يعني هيمنة عوائل بعينها على دوائر صنع القرار، وتحديد مساراتها نحو المصالح الشخصية وتعزيز النفوذ وترسيخ الفساد، والاتجاه بالدولة الى المزيد من الفشل.
في كل مرة أتحدث فيها عن تجربتنا السياسية، أتذكر النصائح التي تكررها المرجعية الرشيدة لإصلاح عمليتنا السياسية والتي أكدت في بعض نقاطها اعتماد العناصر الكفوءة في ادارة المؤسسات، وكثيرا ما تشييد القوى والتيارات السياسية (الاسلامية في غالبها) بهذه النصائح بوصفها (خارطة طريق) ستسير على وفقها، لكن ذلك لم يتجسد في الواقع بشكل ملموس، وبدل أن نستقطب الكفاءات صرنا نقدم الإخوان مع معرفتنا بالأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد والتحديات التي تواجهها.
لا معنى لتفضيل الإخوان على العناصر الكفوءة، الا معنى واحد: هو غياب الروح الوطنية وليس ضعفها، والعمل بكل الوسائل لامتلاك السلطة بصرف النظر عن المصير الذي ستؤول اليه البلاد، وهم يعرفون جيدا وربما أكثر من غيرهم: ان ما حصلوا عليه من مكاسب ستذروه الرياح في حال غرقت سفينتنا لا سامح الله. ان سلوكا لامباليا ينتهجه الواقفون على هرم العملية السياسية وسفوحها منذ أكثر من عقدين، حتى غدت صورتهم في الأذهان لا توصف لقتامتها، ما يجعل البلاد هشة أمام أية ريح مسمومة مهما كان مستوى قوتها، مع انهم يعرفون تماما ان لا هدف لهذه الريح الا تخريب الوطن وتمزيق نسيجه وتعميق تخلفه. منطقتنا يا اخوان تقف على (گرن ثور) كما يُقال، والحال بحاجة الى وقفة وطنية مخلصة، فالأوطان تُبنى بنكران الذات وليس بعقيدة: الأقربون أولى بالمعروف!
اضف تعليق