لتلافي حالات الفشل التي تعاني منها هذه المشاريع، يجب دراسة الأسباب جيدا والشروع بمعالجتها، فمثلا لابد من مضاعفة الدعم المادي، والتركيز على أهمية الدعم المعنوي، وكذلك على الشباب أن يتحملوا القسط المهم من المسؤولية وأن يتعلموا جيدا، ويحصلوا على الخبرات المهنية من مصادرها الصحيحة، وأن يتحلوا بالصبر والمثابرة...

بين آونة وأخرى تعلن وزارة التخطيط عن نسبة الفقر في العراق وكذلك نسبة البطالة، فيما يعاني عدد واضح من الخريجين قلة في فرص العمل، لاسيما مع وجود اعتماد شبه كامل على الوظائف التي تتوفر في الدوائر والمؤسسات الحكومية، والتي تتضمنها سنويا ميزانية الدولة التي غالبا ما تعاني من مشكلات حقيقية كونها تعتمد إيرادات النفط رافدا وحيدا لها.

يسعى بعض المنظمات لإيجاد حلول لهذه المعضلة، كما سعى عدد مراكز البحوث المختصة لإيجاد معالجات فعالة تقلل من ظاهرة البطالة بين الشباب، وتقليل أفواج الخرّيجين الجدد الذين تقذف بهم الجامعات والكليات الحكومية والأهلية، وكلنا على علم بالضغط الحاصل في التقديم على التخصصات الصحية مثل معاهد وكليات التمريض والمختبرات الطبية، كي يضمن الطلبة فرصة تعيين في الدولة ولا زلنا نتذكر ما حدث لطلبة التمريض الدورة 23 بعد أن تظاهروا مطالبين بالتعيين في مستشفيات الدولة. 

حسب مصادر رسمية عرفنا بأن نسبة البطالة في العراق 2024، بلغت وفق آخر مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء، التابع لوزارة التخطيط العراقية عام 2021، 16.5%، وسجلت نسبة البطالة بين النساء ارتفاعا بواقع 28%، بينما كانت لدى الرجال 14%".

وتوقعت وزارة التخطيط في 9 أكتوبر تشرين الأول الحالي انخفاض نسب البطالة في البلد مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية، لافتةً إلى أن المشروعات التنموية والنهضة الاقتصادية التي تنفذها الحكومة الحالية ساهمت بتراجع نسب البطالة. وأكد المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، بأن "التوقعات تدل على إمكانية انخفاض نسب البطالة في العراق، خاصة في ظل المشروعات الكبرى التي يتم تنفيذها حالياً"، مشيرا الى أن العراق شهد خلال السنتين الماضيتين بداية تنفيذ العديد من المشروعات الحيوية التي أسهمت بشكل كبير في توفير فرص عمل جديدة، وهو ما يساهم في خفض معدل البطالة.

ولكن تبقى مشكلة بطالة الشباب والخريجين منهم على وجه الخصوص من أصعب المشكلات التي تواجه المجتمع العراقي، لهذا حاولت بعض الجهات التي تنتمي للقطاع الخاص بفتح نوافذ عمل جديدة عبر ترويج بعض المشاريع المخصصة للشباب من ذوي الخبرات في مجالات العمل المختلفة، بينما تحرك العديد من الشباب معتمدين على جهودهم الذاتية في فتح مشاريعهم الخاصة ولم يحصلوا على أي دعم كان سواء كان حكوميا أو مدنيا.

المشاريع المدعومة من الحكومة حصل فيها بعض الشباب على قروض ميّسرة، لم تتجاوز عشرة إلى خمسة عشر مليون دينار، بعضهم تمكن من تنمية مشروعه لأسباب عديدة، ومنهم من انتكس وأخفق في مشروعه لأسباب عديدة أيضا، أما أسباب نجاح بعض المشاريع الشبابية تعود إلى ما يلي:

أولا: الخبرات الشبابية العلمية والعملية

هناك شباب لديهم خبرات عملية سواء في التجارة أو التصنيع، أو بعض المهن اليدوية الكهربائية والميكانيكية وسواها، وقد استثمر هؤلاء الشباب قدراتهم وخبراتهم وسعوا بجدية ومثابرة لتنمية مشروعهم ونجحوا في ذلك، مستفيدين من مبلغ القرض لتهيئة القاعدة العملية الأساسية لمشاريعهم.

ثانيا: حصولهم على الدعم الحكومي

بالطبع أول مساعدة ودعم يقف وراء نجاح بعض المشروعات يتمثل بالقرض وإن كان قليلا قياسا للمشاريع الإنتاجية والاقتصادية المختلفة، كذلك هنالك دعم الأهل والأصدقاء بالخبرات العملية، بالإضافة إلى المثابرة والصبر الذي يتحلون به هؤلاء الشباب وإصرارهم على نجاح مشاريعهم، وعدم الالتفات إلى المصاعب والعثرات التي يقعون فيها.

ثالثا: متابعة التطورات العالمية

من الصفات الجيدة جدا التي يتحلى بها شبابنا أنهم لم ينفصلوا عن التطورات الهائلة التي تحدث في مجالات الإنتاج والتطور الصناعي والإنتاجي المختلفة، فهؤلاء الشباب على صلة مستمرة بما يستجد من تطورات سريعة، وقد وفرت شبكة الإنترنيت ومراكز البحوث والمنصات الإلكترونية المختصة فرصا هائلة للشباب لكي يطلعوا ويواكبوا كل التجارب العالمية الجديدة في مجال تأسيس وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة ونجحوا في ذلك.

فيما يتعلق بأسباب الإخفاق فيمكن أن نعزوها إلى ما يلي:

أولا: الافتقاد للخبرات العملية

عدم تحلي أصحاب المشروع من الشباب بالخبرات العملية، كما أنهم لم يحصلوا على فرص الدعم من الحكومة باستثناء مبلغ القرض البسيط الذي لم يستطع الشباب استثماره بالشكل الصحيح لقلة الخبرة والدراية والاطلاع.

ثانيا: ضعف الشخصية الشبابية

المشاريع التي تفشل مع حصولها على القروض والدعم، تؤكد أن هؤلاء الشباب لا خبرات لديهم، ولم يحاولوا الحصول عليها مثل أقرانهم الذين نجحوا في تنمية مشاريعهم، لذلك سرعان ما هدروا مبلغ القرض وصرفوه في احتياجات معينة أو اللهو وسوى ذلك مما قد يؤدي بالشباب إلى الفشل في تأسيس وإقامة مشروع ناجح.

ثالثا: عدم الحصول على الدعم المعنوي

من الأمور التي تم ملاحظتها أن الشباب الناجحين حصلوا على دعم حكومي (قروض ميسرة)، لكنهم حصلوا أيضا على دعم معنوي من الأهل والأصدقاء والزملاء ومن الحكومة أيضا، فكانت هذه المساندات مهمة لنجاح مشاريعهم ولكنهم لم يحصلوا عليها للأسف.

الخلاصة لتلافي حالات الفشل التي تعاني منها هذه المشاريع، يجب دراسة الأسباب جيدا والشروع بمعالجتها، فمثلا لابد من مضاعفة الدعم المادي، والتركيز على أهمية الدعم المعنوي، وكذلك على الشباب أن يتحملوا القسط المهم من المسؤولية وأن يتعلموا جيدا، ويحصلوا على الخبرات المهنية من مصادرها الصحيحة، وأن يتحلوا بالصبر والمثابرة والإصرار على النجاح.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2024

www.fcdrs.com

اضف تعليق