مع اني لست بصدد الحديث عن الذين يديرون أمرنا السياسي، لكن عنوان المقال يحفز الذاكرة على استحضار الذين أطلقوا على أنفسهم أصحاب (الفخامة والسمو) من المحيط الى الخليج، بينما تراهم الجماهير أصغر من ذلك بكثير، طبعا لا نستطيع وصفهم بوضوح بما اتيح لنا من حرية محسوبة...
مع اني لست بصدد الحديث عن الذين يديرون أمرنا السياسي، لكن عنوان المقال يحفز الذاكرة على استحضار الذين أطلقوا على أنفسهم أصحاب (الفخامة والسمو) من المحيط الى الخليج، بينما تراهم الجماهير أصغر من ذلك بكثير، طبعا لا نستطيع وصفهم بوضوح بما اتيح لنا من حرية محسوبة، فما سُمح به من حريات كذر الرماد في العيون.
ولذا كن حذرا جدا، ولا يأخذك الوهم والثقة العالية بالنفس، فاذا تجاوزت الخطوط الحمر، وهي كثيرة في بلداننا، وجلها تعود لأصحاب الفخامة والسمو، وآخرين لا يقلون عنهم قوة وتأثيرا، ولكن يصعب الحديث عنهم، والسبب تعرفونه، لذا اعذروني عن ذكر الأسماء، حينها عليك توقع ما لا يخطر لك على بال، راوغ بما تستطيع بمهارتك الكلامية اذا وجدت ضرورة وطنية للكلام، والسؤال: كيف نطلق على من ترك الأمة نهبا للعاديات بالفخامة، وعلى من يدير الوجه عن نواح الثكالى وأنين الأرامل ودموع اليتامى بالسمو، ألا يرون كيف تُقضم أرضنا يوما بعد آخر من دون أن يحركوا ساكنا؟
صورتهم في أذهان شعوبهم قاتمة السواد الى درجة ان الجماهير تصفق لتغييرهم حتى وان كان بيد أعداءنا للأسف الشديد، ولا يمكنني أن أستثني حالة واحدة من تغييرات ما سُمى بالربيع العربي والخريف الذي لحقه، يستمد الذين أعنيهم فخامتهم وسموهم من السلطة وكراسيها، ولذلك يتشبثون بها حتى آخر رمق من حياتهم، وفي النهاية يتدحرجون كما تتدحرج تماثيلهم، وتُمحى أسمائهم من الساحات، وتمزق صورهم التي تحاصرنا من الجهات الأربع، غير مدركين ان السمو والفخامة مما يقدمونه لشعوبهم من عيشة رغيدة وحياة يسودها العدل، ومن الحكمة في تمتين نسيج المجتمع، ومن جعلهم الوطن نبراسا تحتذي به الأمم فكرا وبنيانا.
الذين يستحقون الفخامة اولئك الذين رفعوا اسم الوطن عاليا في المحافل والوقائع والخطوب، وجلهم أبعد ما يكونون عن السلطة، الذين لم يستطع التاريخ تجاوزهم، وبالبنان يشير لهم الناس، الذين يشيعون البهجة في النفوس، ويضعون أثرا للوطن في جميع بقاع العالم، والذين روا الأرض بدمائهم، لكن هؤلاء كثيرا ما يُهمشون، وبدل أن تشاد لهم التماثيل في ساحاتنا بوصفهم رموزا قدموا للبلاد ما لم يقدمه أصحاب الفخامة والسمو، تراهم منسيين كالعافية، ويندر تذكرهم، ولا يعرف الأبناء عنهم الا النزر اليسير .
فخامة هذه الرموز بعطائها، وسموها بما بذلت من غال، ولذا لهم وحدهم يجب ان تخصص الساحات والشوارع، وان نجسد فخامتهم بتماثيل تتعلم منها الأجيال كلما رأتها، فالفنون سبيل لنقل الفكر المستنير والقيم السامية، وليس للترفيه فقط كما يتصور بلغاء السلطة وحواشيهم.
نريد الأمكنة البارزة للرموز الحقيقية التي قدمت فعلا كبيرا للوطن، وليس لمالك السلطة والنفوذ، يشيد لنفسه تمثالا سرعان ما تقلعه الجماهير بعد لحظات من ازاحته عن كرسيه الوثير، ونشترط أن تكون تماثيلهم شامخة وسامية كأفعالهم، وليس (اسقاط فرض) حتى لا يمكنك تمييزها مما يحيط بها من أشياء .
أسعدني كثيرا تشييد تمثال لشاعرتنا الكبيرة نازك الملائكة وان جاء متأخرا، وان تمنينا أن يكون ذلك في حياتها، لكنه ليس شامخا بما يتناسب مع شموخ ثورتها العظيمة في الشعر، اسألوا عنها العارفين في كل بلادنا العربية، واسمعوا ما يقولون: انها الفخامة بعينها.
اتيح لي زيارة العديد من الدول، ورأيت تماثيل رموزها، وكيف هي من الفخامة ما يتعذر عليك التقاط صورة معها لحجمها الكبير، وكأنك تنظر الى السماء اذا ما أردت رؤية التمثال كاملا، ويريدون بذلك السمو والرفعة. فمن هم الذين يستحقون ابراز فخامتهم وسموهم من المبدعين، وما هي الرموز المعنوية التي تحتاجها حياتنا الراهنة لنقوم بتجسيدها؟، هذا جزء من الوفاء لعطاء المبدعين، وترسيخ لقيم نبيلة نريد لها الشيوع، واعتراف بتضحيات الباذلين، ودورهم في تنوير حياتنا بما هو جميل.
اضف تعليق