سوريا أمام مفترق طرق في المرحلة المقبلة، اذ يتطلب الحفاظ على الاستقرار الوطني إرساء قاعدة صلبة من الوحدة الوطنية والسيادة، وضمان حقوق جميع المكونات السورية، وتضافر جهود جميع الأطراف، سواء من خلال الحفاظ على مؤسسات الدولة أو من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة...

بدأت الفصائل المسلحة التي تسلمت السلطة في سوريا بعد اسقاط حكومة بشار الأسد في أول نشاط لها بتشكيل الحكومة برئاسة، محمد البشير بأمر صادر عن أحمد الشرع (ابو محمد الجولاني)، الذي فرض نفسه الآمر الناهي على الواقع السياسي السوري، وهذه أحد مظاهر الشعور بفائض القوة، التي جعلته يتوهم بأنه قد وضع بصمته على الواقع السياسي السوري. وجرى الحديث طويلا عن هذه الحكومة (حكومة الأمر الواقع)، التي فرضت نفسها دون الاعتراف أو الأخذ بعين الاعتبار الشرعية الدولية وقراراتها. هذا السلوك السياسي يبعث على القلق في الأوساط الشعبية السورية ونخبها.

اذ كان المؤمل أن تكون الحكومة الانتقالية معتمدة على مبدأ التشاركية والتوافق الوطني تراعي التنوع الديني والطائفي والقومي والسياسي، من خلال إشراك شخصيات تحظى بقبول داخليا وخارجيا..

ولكن فرض (الجولاني) نفسه قائدا لسوريا من خلال اتباع مبدأ المغالبة، بعيدا عن مبدأ المشاركة هي عملية فرض أمر واقع بعيدا عن الإرادة الشعبية ودون تشاور مع النخب السورية وأطراف المعارضة المعروفة محليا وإقليميا ودوليا.

فقد تم فرض حكومة الانقاذ التي كانت تحكم ادلب كحكومة انتقالية لعموم الجغرافية السورية، فهل حكومة الإنقاذ التي كانت تحكم إدلب تشكل أنموذجا يمكن تكراره في سوريا... هل هذه الحكومة تشكل خيارا لواقع يعاني الكثير من الانقسام. 

المختصون يرون أن الشعب هو من يفرز قياداته من كل أطيافه وتنوعه...فالمرحلة الانتقالية هي المعبر عمّا يأتي بعدها.. لكن يبدو أن هناك رضا أميركيا وتركيا عن الجولاني بوصفه قائدا للمرحلة. رسائل الجولاني لم تكن موفقة أو مرضية عنها داخليا وخارجيا أو إقليميا.. فما زال رأسه مطلوبا بـ 10 ملايين دولار نتيجة لسجله الارهابي. المرحلة الانتقالية وحكومة الأمر الواقع لا يمكن تقريرها بهذه الآلية، من قرر هذا المسار السوري؟.. هل هذا هو ثمن الثورة التي دفع ثمنها مئات الآلاف من الضحايا من أبناء الشعب السوري؟

الحوار الوطني يجب أن يشارك به الجميع دون إقصاء أو تهميش، هناك مسافة كبيرة بين الخضوع للأمر الواقع وبين الحوار الذي يمنح الفرصة المتساوية للجميع.

هناك عقوبات على سوريا يجب رفعها، كذلك هناك تحديات الاحتلال الصهيوني لأجزاء من هضبة الجولان بل قام هذا الكيان بتدمير البنية التحتية للجيش السوري وأسلحته وقواعده الجوية، دون أي ردة فعل ولو بيان إدانة من قبل حكومة الأمر الواقع. 

لماذا يتم تجاهل القرارات الاممية والقفز عليها، ومنها قرار مجلس الأمن (2254)، المتخذ بالإجماع في 18 ديسمبر 2015، والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، والذي نص على أن الشعب السوري هو المخول الوحيد في تقرير مصير بلاده، من خلال تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية. كما طالب القرار بصياغة دستور جديد لسوريا باعتباره جزءا من عملية الانتقال السياسي. وقد صرح المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون إنه "يجب وضع ترتيبات انتقالية يمكن الوثوق بها تشمل الجميع في دمشق".

لا يمكن تجاهل التحديات التي تواجه سوريا في المرحلة المقبلة، وهي التعددية الدينية والثقافية في المجتمع السوري، والتي لا يمكن ان تتحقق دون المشاركة السياسية وتطبيق مبدأ المواطنة وحقوق متساوية لجميع المواطنين، لضمان تجنب الأزمات والصراعات الطائفية والعرقية. سوريا أمام مفترق طرق في المرحلة المقبلة، اذ يتطلب الحفاظ على الاستقرار الوطني إرساء قاعدة صلبة من الوحدة الوطنية والسيادة، وضمان حقوق جميع المكونات السورية، وتضافر جهود جميع الأطراف، سواء من خلال الحفاظ على مؤسسات الدولة أو من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة، فالمرحلة تتطلب قيادات حكيمة قادرة على تجنب الفوضى وبناء سوريا جديدة قائمة على أسس المواطنة والمساواة.

اضف تعليق