باستثناء بعض التّفاصيل الممِلَّة، لم تزدني تصريحات السيد قائد عمليات نينوى ل (البغدادية) شيئاً جديداً، فكلّ ما ورد فيها ثبّتَ عندي قناعات سابقة ومتراكمة بشأن الملف الأمني بشكل عام كنتُ قد كتبتُ عنها عشرات المقالات خلال السنوات الأربع الاخيرة تحديداً من حكومة الخلف، والتي كنتُ قد بنيتها على أساس معلومات استقيتها من مصادر مختلفة ثَبُتَ لي الان انها كانت دقيقة فعلاً بلا أدنى شك.
فكل تصريحات القائد العسكري تنتهي الى نقطة واحدة لتؤكّد حقيقتين لا ثالث لهما:
الحقيقة الاولى؛ هي ان العراق في ظل قيادة (القائد العام للقوات المسلحة) السابق كانت دولة بلا (أمن قومي) فالمعلومة كانت تصل للارهابيين قبل ان تصل الى المراجع الأمنية والعسكرية المعنية، ولذلك فشلت كل الخطط الأمنية، وظل العراق في مهب الريح يتدهور امنياً يوماً بعد آخر، حتى احتلال الارهابيين لمدينة الموصل وتوابعها.
كما انّ الاختراقات الأمنية التي حقّقها الارهابيون في عمق المنظومة الأمنية، منحتهم المرونة الكافية للتحرك ضد العراق في الزمان والمكان الذي يختارونه.
الحقيقة الثانية؛ هي ان العراق دولة بلا هيبة، لدرجة ان (القائد العام للقوات المسلحة) السابق كان في مكتبه كالزّوج المخدوع، لا يعرف شيئاً عمّا يدور على الارض من خطط وعمليات وقادة وقوات وسلاح وعناد وكل شيء، لدرجة انّه كان يشبه الحاسوب بدرجة كبيرة تغذّيه القيادات الميدانية بالمعلومات التي تريدها، وليست تلك الموجودة على الارض، فيتخذ قراراتٍ تنسجم وحاجتهم، وليس حاجة الواقع الميداني.
كان يأمر فلا يُطاع، ويُقرر فلا احدَ ينفّذ، ويعيّن ويغيّر بلا أثر فعلي لكلّ ذلك، فكان أسير قيادات فاسدة احاطتهُ من كلّ جانب، وسجنتهُ في مكتبه لا يتصل باحدٍ ولا يتّصلَ احدٌ به.
هذا يعني انّ هذه القيادات خدعتهُ، كما خدعته الولايات المتحدة الأميركية بشأن ملف التسليح، على حد قوله في آخر حوار له مع قناة (بي بي سي) الفضائية! وذلك بعد (٨) سنوات من الحكم!.
انّه دولة (الزّوج المخدوع) اذن!.
ان فشل المنظومة الأمنية في تلك الفترة الزمنية مردّه، كما اعتقد وقد كتبته مرات وكرّات، الى ما يلي؛
أولاً؛ إمساكهُ بكل المنظومة الأمنية، ورفضه توزيع المهام من خلال رفضه تسمية الوزراء الامنيّين، ما تسبب بانهاك جهده وتركيزه، وهي حالة لا توجد مثيلاً لها في كل دول العالم، لان القائد، ايّ قائد، يظل محدود القدرات الذهنية والمهارات القيادية مهما اوتي من قوة ذكاء خارق، ولذلك قيل ان القائد الناجح ليس الذي يمركز مراكز القوى بيده وإنما هو الذي يعرف كيف يفوّض القيادات الدنيا بعض صلاحياته من دون ان تفلت من بين يديه، شيء.
انه رفضَ توزيع المهام بحجّة حسّاسية الظرف وخطورة الموقف، اذا به يُصابُ بمقتلٍ من ما خشي منه!.
ثانياً: اعتماده على قيادات فاسدة ومشبوهة ووصوليّة وفاشلة، تحمل في ذهنها اجندات خاصة لا تصبُّ بشكل عام في صالح العراق، ولذلك ظلّت تتآمر وتخطّط وتتّصل الى ان حانت ساعة الصفر فقررت الانسحاب وتسليم الارض والعرض للارهابيين.
لقد تعمّدت هذه القيادات اخلاء الميدان من القوّة العسكرية الفعّالة والمؤثّرة ليسهُل على الارهابيين الامساك بالأرض بسرعة خارقة.
ولقد ظلّ يعلّل ذلك بقوله؛ انه يحتفظ ضدّهم بملفّات تدينهم، يواجههم بها اذا أرادوا ان يخرجوا عن (شوره) او أرادوا ان يلعبوا بذيولهم، ولذلك لا داعي للقلق أبداً، فكان يرفض استبدالهم او محاسبتهم او تحميلهم اية مسؤولية، ولذلك لم نرَ او نسمع انه حاسب احدٌ منهم ابداً، وهذا، ربما، دليلٌ على انه كان مقتنعاً بأدائهم وغير شاكّ بولاءاتهم وارتباطاتهم، وراضٍ عن خططهم وقراراتهم وإنجازاتهم!.
لكلّ ذلك، فانا اعتقد بانّ عليه ان يتحلّى بالشّجاعة الكافية فيتحمل كلّ المسؤولية، كما كان يحتفظ لنفسه بحق الاحتفاء والاحتفال بالانتصارات اذا ما تحقّقت، فلم يكن يقبل ان يشاركهُ فيها احدٌ، فلماذا، اذن، يبحث الان عن شركاء يتقاسمون معه مسؤولية الفشل والهزيمة؟.
ليس من الانصاف ابداً ان يصادر (القائد) الانتصارات ليسجلها باسمه الشخصي، واذا فشل او انهزم بحث عن كبش فداء، او على الأقل عن شركاء يتقاسمون معه المسؤولية!.
فكما سجّل الانتصارات باسمه، انصحَه ان يسجل الهزائم باسمه كذلك، وبذلك نكون قد حقّقنا العدل والانصاف في (دولة القانون)!.
اضف تعليق