هذه المعطيات تؤشر وجود سيناريوهات معدة سلفا لإشعال الجبهة السورية تزامنت مع اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان، تهدف الى اعادة رسم خارطة المنطقة من خلال اسقاط نظام الاسد او تقسيم سوريا، في الحقيقة عند تحليل تداعيات التطورات الاخيرة في لبنان وغزة والان سوريا نجد ترابط وعلاقة وثيقة...
بمجرد دخول هدنة وقف اطلاق النار بين الكيان الاسرائيلي ولبنان حيز التنفيذ تصاعدت التوترات في شمال سوريا، وتمكنت هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها من اقتحام مدينة حلب والسيطرة عليها ثم تقدمت باتجاه ادلب وحماه، في ظل تراجع للقوات السورية، وتفاقمت الاحداث الانسانية بسقوط قتلى ومحتجزين ونزوح وتهجير، فيما تحاول قوات الجيش السوري الصمود في مواجهة تصاعد قدرة المجاميع المسلحة وتمددها في مناطق شمال سوريا وغرب وشرق الفرات، مع تدخل روسي محدود في استهداف هذه الجماعات وغياب للدور الايراني لغاية الان في دعم القوات السورية.
هذه المعطيات تؤشر وجود سيناريوهات معدة سلفا لإشعال الجبهة السورية تزامنت مع اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان، تهدف الى اعادة رسم خارطة المنطقة من خلال اسقاط نظام الاسد او تقسيم سوريا، في الحقيقة عند تحليل تداعيات التطورات الاخيرة في لبنان وغزة والان سوريا نجد ترابط وعلاقة وثيقة بين هذه الاحداث، فتحريك المجاميع المسلحة في شمال سوريا يخدم اجندات اطراف الحرب والصراع على النحو التالي:
اولا: الكيان الاسرائيلي الذي يستفيد من اشتعال الجبهة السورية من خلال اضعاف نظام الاسد وقطع طرق الامدادات امام حزب الله الذي يعد شمال سوريا العمق الاستراتيجي له.
كما ان سيطرة هذه المجاميع على مناطق شمال سوريا وغرب الفرات يدفع باستدعاء الفصائل العراقية وحتى عناصر من حزب الله للقتال الى جانب قوات الجيش السوري في مشهد يعمل على استنزاف قدرات هذه الفصائل ويضعها في فخ مكشوف امام سلاح الجو الاسرائيلي، ما يتيح لإسرائيل تحقيق عدة اهداف في آن واحد، استباحة جنوب لبنان بعد اضعاف عناصر تسليح وتمويل حزب الله من العمق السوري وضمان عدم دخول الفصائل العراقية على خط الحرب بإشغالها في الجبهة السورية، اضافة الى اعطاء مبررات لقطع الحدود العراقية السورية من قبل الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة لضمان عدم وصول اي امدادات عراقية او ايرانية الى سوريا ثم حزب الله، وهذا اهم هدف تعمل عليه اسرائيل في الوقت الحاضر وهو القضاء على حزب الله الذي يعد الخطر الوجود الاول لإسرائيل في المنطقة.
ثانيا: تركيا وهي تريد من هذا التصعيد من خلال تحكمها بتحريك المجاميع المسلحة الاتي:
اشعال الجبهة السورية يعطي لتركيا ورقة تفاوضية اضافية تستخدمها متى شاءت في خدمة توجهاتها الاقليمية التوسعية، واول هدف حيوي ميداني ستستفيد منه هو اضعاف الاكراد في سوريا عسكريا من خلال تفكيك او احتواء قوات سوريا الديموقراطية المعروفة بـ(قسد)، المدعومة امريكياً، وما حصل في تل رفعت يؤشر تحقق الاهداف التركية في هذا الجانب بعد ان تفاهمت قسد مع تحرير الشام على الانسحاب من هذه المنطقة وهذا قد يحصل في منبج وعفرين وصولا الى دير الزور، واذا ما تموضعت هذه المجاميع وسيطرت على مناطق غرب الفرات، فستعطي لتركيا افضلية كبيرة في تحقيق اهدافها في معالجة المعضلة الكردية من جهة وطموحاتها التوسعية في العراق وسوريا وسيكون لها كما اسلفنا ورقة تفاوضية مهمة في اي ازمة اقليمية من خلال هذا التواجد، خاصة اذا ما حركت قوات الجيش السوري الحر للالتحاق بتحرير الشام وارسال قوات تركية لهذه المناطق كما هو الحال في العراق، ان هذا السيناريو سيكون رد قوي ضد بشار الاسد الذي تردد في المصالحة مع اردوغان ولم يوافق على لقاءه اكثر من مرة، ولم يكترث للمصالح التركية في سوريا.
ثالثا: قطر وهي الممول الرئيسي لهيئة تحرير الشام، وتتمخض مصالحها في تحريك واشعال الجبهة السورية الاعتبارات الاتية:
النفور السياسي والشخصي بين الامير تميم بن حمد والرئيس بشار الاسد، اذ رغم مسارات التطبيع العربي مع الاسد وحضوره في قمة الجامعة العربية، الا ان امير قطر لم يتصافح مع الاسد، كما انه غادر القاعة عند بدء كلمته في اجتماع القمة العربية، ولا زالت العلاقات القطرية السورية متوترة او جامدة.
وتخشى قطر من العقوبات الاسرائيلية نتيجة دعمها حماس وتمويلها ورعايتها السياسية وفتح مكتب لها في الدوحة رغم التحفظات والرفض الاسرائيلي، وفعلا جزء بقاء صمود حماس عسكريا وسياسيا هو المظلة القطرية، وبعد وصول مساعي التهدئة الى انسداد واضح، فمن المتوقع ان تتوتر العلاقات القطرية الاسرائيلية وتتوجه الاخيرة لمعاقبة قطر واستهداف مصالحها واصولها المالية، فأقدمت على تقديم هدية مجانية لإسرائيل عبر الاسهام في اشعال الجبهة السورية من خلال دعم وتمويل هيئة تحرير الشام والفصائل المرتبطة بها.
تريد قطر مع تركيا اجهاض اي مبادرة اماراتية او عربية او امريكية لإعادة تأهيل نظام الاسد ودمجه في المنظومة العربية وابقاءه سياسياً لفك ارتباطه بإيران وحزب الله، وهذا يخالف التوجه القطري التي تريد ان تقوم بتفعيل النسخة السنية من حزب الله في سوريا (هيئة تحرير الشام) وتحويل شخصية أبو محمد الجولاني زعيم الهيئة الى قائد يُشبه حسن نصرالله، والدوحة تعرف ان طهران ليست بوارد الصدام معها وستتغاضى حيال التصرف القطري لتوتر علاقة الايرانيين بالأسد مؤخراً ولأهمية الفاعل القطري بالنسبة لإيران عربياً وخليجياً، لقد ربحت الدوحة الكثير من هذا السيناريو خاصة شراء الرضا الإسرائيلي، ولو مؤقتا لحين اتضاح الموقف مع الإدارة الأميركية الجديدة ويكون لكل حادث حديث.
رابعا: الولايات المتحدة الامريكية، رغم ان ادارة بايدن كانت تعمل على اعادة تأهيل الاسد باعتباره خصم عقلاني ويعد أفضل الخيارات السيئة المتاحة، لكن سيناريو اشعال الجبهة السورية يخدم الاجندات الامريكية بالاتي:
ما يتعلق بروسيا وانهاكها في المستنقع السوري وبالتالي اضعاف موقفها في الحرب على اوكرانيا، ويبدو ان هذا الهدف قد تحقق آنياً، ما أثر بشكل واضح على موقف روسيا في اوكرانيا وسوريا.
كما ان من شأن اضعاف نظام الاسد وانتصار المجاميع المسلحة تقويض ما يعرف بـالهلال الشيعي الذي يمتد من إيران غربا باتجاه العراق وسوريا ثم لبنان وذلك حتماً سيصب في مصلحة امريكا وإسرائيل إلى حد كبير وسيسدد ضربة موجعة لإيران.
بالمحصلة هنالك ترابط بين حرب اسرائيل على غزة ولبنان واشتعال الجبهة السورية، وتخادم مصالح واجندات، فهي حرب رسائل امريكية اسرائيلية موجهة لإيران وحزب الله من خلال دفع تركيا وقطر واوكرانيا لتحريك المجاميع المسلحة في سوريا، لذات المكاسب مع منعهما قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقوات حماية الشعب الكردي من أن تكون المستفيد الأول في المشهد السوري والإقليمي فيما لو تقلص النفوذ الايراني في سوريا معولة على هيئة تحرير الشام بأن تملأ الفراغ بديلا عنها.
اضف تعليق