بعيدا عن الصخب الحاصل بمواقع التواصل الاجتماعي جراء الاحداث المستجدة في سوريا، ظهرت لنا قضية داخلية وهي تسعيرة الامبير للخط الذهبي بــ 14 ألف دينار، حيث اخذت نوع من التفاعل الشعبي، لكن الجزء الاكبر من يعيش معركة داخلية من الصمت، فهل يعني الصمت الحالي قبول ام حياد؟...
بعيدا عن الصخب الحاصل بمواقع التواصل الاجتماعي جراء الاحداث المستجدة في سوريا، ظهرت لنا قضية داخلية وهي تسعيرة الامبير للخط الذهبي بــ 14 ألف دينار، حيث اخذت نوع من التفاعل الشعبي، لكن الجزء الاكبر من يعيش معركة داخلية من الصمت، فهل يعني الصمت الحالي قبول ام حياد؟
تعودنا على الشعب العراقي يتفاعل مع الحدث وفق مبدأ ردة الفعل المؤقت، يتفاعل ويتحدث عن الظلم الذي لحق فيه من القرارات الحكومية، ويبقى الموضوع محل تداول نخبة بسيطة من الافراد حتى تأخذ المسألة بالنسيان سريعا في الوقت الذي تشهد الساحة السياسية والاجتماعية احداث متسارعة.
يتوقع من الحكومة المركزية وللتخلص من اللغط الحاصل حول التسعيرة الأخيرة للكهرباء، افتعال قضية أخرى تحرف من خلالها الرأي العام، وسحب البساط من تحته، كأن يكون الحديث عن قرب دخول العراق الى حلبة الصراع الإقليمي، خصوصا في نقطة الحدود المشتركة مع الجانب السوري.
في الوقت الحالي اللافت للنظر حالة الهدوء التي تسيطر على سكان المدن العراقية التي تعاني من تدهور القطاع الكهربائي الذي شهد تهاويا وانهيارا كبيرا بعد عمليات الصيانة التي تجريها إيران وتسببت بانقطاع تصدير الغاز الى العراق المعتمد بنسبة كبيرة على الجارة.
بعد مرور أكثر من عقدين وما شهده البلاد من تغيرات دراماتيكية في مسار تقديم الخدمات للمواطنين، يبقى مشهد الانقطاع والمجيء لم يفارق الغالبية العظمى من العراقيين، الا من يسكن المناطق الرئاسية، فهم خارج نطاق القطع المبرمج، وان كانوا داخله هنالك ما يعوضهم (المولدات الكاتمة).
لقد خرجت مطالب الشعب وراحته من معادلة الاهتمام الحكومي، في طرف منها، ولم يعد توفير الطاقة الكهربائية من الأهداف المتوقعة او الحصول، وهو ما يبرر حالة الاستسلام وعدم البحث عن أي حلول بديلة مع وجود تجارب ناجحة في المحيط الإقليمي ولا توجد استحالة في تعميم التجارب الممكنة التطبيق.
تحريك ملف الكهرباء في أي اتجاه أفضل من ركوده الذي يمكن أن يجعله مجرد ملف منسي في أدراج الحكومة المركزية والحكومات المحلية، وفي كل الأحوال، الوضع الحالي، في أسوأ الأحوال، خطوة نحو تحقيق مقولة أنه "لا ثابت في الوضع الداخلي فيما يتعلق بموضوع الكهرباء الشائك.
لذا يمكن تفسير الهدوء الشعبي بأنه ينبع من إحساسٍ عميق بعدم جدوى الحديث عن ملف الكهرباء في ظل الموازين السياسية القائمة، فالبقاء على القليل من الطاقة الكهربائية خير من الحرمان الكلي، وعلى المواطنين القبول بواقع جديد لا يتماشى مع تطلعاتهم التي انتظروا طويلا، ولهذا لا يمكن النظر إلى الصمت على أنه القبول الكامل أو الرضا عن الأوضاع القائمة.
ولحل مشكلة الكهرباء في العراق يتطلب من الجهات المعنية وضع خطة شاملة تشمل الجوانب التقنية والإدارية والاقتصادية والسياسية، فيما يلي مقترحات لحل هذه الأزمة المزمنة:
أولى هذه الحلول هو إصلاح البنية التحتية الكهربائية، ومن بينها تطوير محطات الإنتاج، وتحديث محطات توليد الكهرباء القديمة وبناء محطات جديدة تعتمد على تقنيات متطورة مثل الطاقة الشمسية والرياح، فضلا عن تحسين شبكة النقل والتوزيع؛ لتقليل الفاقد الكهربائي الناتج عن قدم الشبكات وسوء الصيانة.
اما الحل الثاني هو تنويع مصادر الطاقة، وتركيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة (الشمسية، الرياح) لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وكذلك استغلال الغاز الطبيعي المحلي بدلًا من إحراقه بدون فائدة (كما يحدث حاليًا).
كما فعلت الإمارات عندما ركزت على الطاقة الشمسية وطورت مشروعات مثل "مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية"، فيما أطلقت السعودية مبادرات لتقليل الاعتماد على النفط، مثل مشروع “نيوم” الذي يعتمد على الطاقة النظيفة.
ثالث هذه الحلول تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في إنتاج الطاقة وتوزيعها، مع وضع آليات للرقابة الحكومية لضمان جودة الخدمة، الى جانب ذلك تطبيق أنظمة عدادات ذكية لتحصيل رسوم عادلة وتقليل الإسراف في الاستهلاك، عبر رفع الوعي المجتمعي حول أهمية ترشيد استخدام الطاقة.
حل مشكلة الكهرباء في العراق يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، وتنفيذ صارم للإصلاحات، واستثمار الموارد بشكل فعّال، وأخيرا خروج الشعب من حالة الصمت والاكتفاء بمنشور هنا او تعليق هناك لا يحرك ضمير المسؤول الذي لا يزعجه صوت المولد الذي يدور محركه لاكثر من 18 ساعة يوميا.
اضف تعليق