برزت مدرستان مختلفتان فكرياً وعقائدياً، الأولى تؤمن بضرورة الدفاع المتقدم -والاستباقي-عن العراق وأمنه بأرسال قوات عراقية (غير نظامية غالباً) الى سوريا للدفاع عن نظامها ومنع سقوطه كما حصل بعيد انتفاضة الشعب السوري على نظامه في 2011، أما الثانية فتصر على مراقبة حدودنا عسكرياً واستخبارياً والتهيؤ لكل طارئ لكن دون توريط العراق...

بعد أن عادت سوريا الى واجهة الأحداث في الأيام الماضية، شاعت بين العراقيين (الرسميين والعامة) موجة من الخوف من تداعيات سقوط النظام السوري على العراق. بعض تلك المخاوف تبدو معقولة وتستدعي التفكير بالبدائل العراقية المتاحة لحماية الأمن الوطني في العراق. 

هنا برزت مدرستان مختلفتان فكرياً وعقائدياً، الأولى تؤمن بضرورة الدفاع المتقدم -والاستباقي-عن العراق وأمنه بأرسال قوات عراقية (غير نظامية غالباً) الى سوريا للدفاع عن نظامها ومنع سقوطه كما حصل بعيد انتفاضة الشعب السوري على نظامه في 2011. 

أما الثانية فتصر على مراقبة حدودنا عسكرياً واستخبارياً والتهيؤ لكل طارئ لكن دون توريط العراق بأي نزاع اقليمي قد تكون له انعكاسات سلبية كبيرة في فترة حرجة جداً تمر بها المنطقة عموماً والعراق خاصة. الأثنان أذاً يريدان حماية العراق، بخاصة من عودة الارهاب الديني سواء بنسخته الداعشية أو سواها، لكن الأولى تؤمن بفعل ذلك من خلال التدخل العسكري والثانية من خلال تعزيز أمن حدود العراق وجبهته الداخلية.

أبتداءً لا بد من التأكيد أن الدستور العراقي حرّم في مادته الثامنة التدخل في شؤون الدول الأخرى، وأكد على حسن الجوار، وبالتالي فأن أرسال أي نوع من القوات سواء كانت رسمية أو غير رسمية يسبب مشكلة دستورية لأنه يعني فعلاً الانخراط في صراع داخلي لدولة جارة. لكن رغم ذلك وبعيداً عن النقاش القانوني والدستوري، فأن حجة الدفاع عن الأمن الوطني العراقي استباقياً من خلال أرسال قوات لسوريا هي حجة تواجه مشاكل استراتيجية كبرى.

قوات عراقية

سياسياً. في ظل الصراع الثنائي الدائر حالياً على الصعيد الدولي أو الإقليمي، فأن أرسال قوات عراقية مهما كانت صفتها أو تمثيلها، سيرسل رسالة تفسر بأن العراق بات جزءً من المحور المعادي لأمريكا والمصطف مع أيران. أن مثل هذا الانطباع سيواجه تبعات كبيرة على العــــــــراق نتيجة علاقاته الاستراتيجية المتشابكة (أمنياً واقتصادياً) مع أمريكا، بخاصة في ظل ساكن البيت الأبيض الجديد.

لقد تسربت بعض التقارير من واشنطن مؤخراً التي تفيد باستعداد أدارة ترامب لموجة جديدة من العقوبات ضد أيران والتي قد تطال العراق أيضاً نتيجة ما يقال عن مساعدة العراق لإيران في تجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة عليه منذ سنين. 

فهل من مصلحة العراق تعزيز آراء المعسكر المتطرف في واشنطن ومنحه مبررات لاستهداف الاقتصاد وربما الأمن العراقي؟! وهل من مصلحة العراق أن يصنف على محور معين مما يعيدنا الى مربع دبلوماسية المحاور التي أضرت كثيراً بعلاقات العراق مع العالم في فترة سابقة وجعلت كثير من دول العالم تقاطع العراق دبلوماسياً؟

أمنياً. أن أرسال قوات عراقية لسوريا سيزيد من طول خطوط الأمداد العراقية ومن انفتاح القوات العراقية النظامية التي أعادة ترتيباتها الأمنية أساساً بسبب ما يحصل في سوريا، مما يعقد من مهمتها ويستهلك مزيد من مواردها في مواجهة العدو المباشر والرئيس (داعش) والذي قد يستغل ذلك لتنشيط خلاياه النائمة والتعرض للعمق العراقي بعمليات مؤذية أمنياً. 

من جهة أخرى فقد بات معلوماً أن أدارة بايدن قد مارست ضغوط كبيرة على «النتن ياهو» لثتيه عن مهاجمة العراق باعتبار أن العراق لن يكون طرفاً مباشراً في النزاعات العسكرية المندلعة في المنطقة فلماذا نريد أثبات العكس؟ أن أرسال قوات عراقية سيؤدي بالتأكيد الى عودة التهديدات الأمنية (الإسرائيلية) للعراق. أخيراً فأنه ولغاية الآن، هناك خلافات ومشاكل كبرى بين تنظيم فتح الشام(النصرة أو القاعدة سابقاً) والذي ينشط في سوريا ويقود الهجوم ضد نظام الأسد، وبين تنظيم داعش الذي يشكل تهديداً رئيساً لأمن العراق. أن أشتراك العراق في الحرب الدائرة في سوريا سيجعل لهذين التنظيمين الإرهابيين مصلحة في توحيد قواتهما وجهودهما مما يفاقم من المشاكل الأمنية للقوات العراقية.

اقتصادياً. يعاني الاقتصاد العراقي من مشاكل جمة ليس أقلها الضغط على سعر الدينار العراقي من قبل السوق الموازي.

عقوبات محتملة

أن نشر قوات خارج العراق سيزيد من النفقات الحكومية من جهة ويفاقم الطلب على الدولار مما يزيد من قيمته في مقابل الدينار العراقي. هذا فضلاً عن العقوبات المحتملة التي يمكن لادارة ترامب فرضها تحت حجج مختلفة لمعاقبة العراق على انحيازه للمحور المعادي لأمريكا.

أن أنصار التدخل العراقي في سوريا ينطلقون من ذات نظرية (وحدة الساحات) التي تخلى عنها من أخترعها (أيران) حينما أدركت أن مصالحها الوطنية تقتضي التركيز على الأمن الوطني الإيراني وتجنيبه لمواجهة مباشرة مع إسرائيل. فأذا كانت الدول التي هي أكثر قدرةً من العراق قد وازنت بين مبادئها وبين واقعها، وأختارت البراغماتية ،فلماذا يريد البعض من العراق أن يكون كبش فداء الآيدلوجيا؟!

أما من يقول بأن دول العالم تفضل القتال خارج حدودها لتأمين أمنها، فأقول أن هذا صحيح لكن حينما تكون لتلك الدو القدرة على مواجهة تعقيدات مثل هذا القرار وتداعياته السياسية والاقتصادية والأمنية.

أن دول مثل أمريكا وروسيا وحتى تركيا وايران لديها مثل هذه الإمكانات التي تتيح لها اللجوء الى مثل هذا الخيار.

لكن العراق الذي يتعافى تدريجياً من سنوات الاحتلال والإرهاب، والذي يعاني كثيراً من مشاكل وانقسامات سياسية داخلية لا يمكنه بأي حال من الأحوال تحمل التبعات السلبية الكبيرة لمثل هذا القرار المقامِر وليس فقط المغامِر. أن المبدأ الأول من مبادىء الحرب التسعة المعروفة هو توخي الهدف. بمعنى حشد كل الموارد والقوات لتحقيق الغاية الرئيسة.

فإذا كانت غايتنا هي حفظ النظام في العراق فعلينا أن نتجنب أرسال أي قوات وتحت أي عنوان أو ذريعة.

اضف تعليق