ان العقود الادارية او كما تسمى في التشريع العراقي العقود الحكومية احد وسائل الادارة لمباشرة نشاطها، والعقد الاداري هو اتفاق بين الادارة وبين شخص طبيعي او معنوي خاص كالشركات على سبيل المثال لإنجاز او تجهيز بعض متطلبات الادارة، والعقد الاداري يستمد جذوره من اسس العقد في القانون الخاص...
من المعلوم ان العقود الادارية او كما تسمى في التشريع العراقي (العقود الحكومية) احد وسائل الادارة لمباشرة نشاطها، والعقد الاداري هو اتفاق بين الادارة وبين شخص طبيعي او معنوي خاص كالشركات على سبيل المثال لإنجاز او تجهيز بعض متطلبات الادارة، والعقد الاداري يستمد جذوره من اسس العقد في القانون الخاص فهو اتفاق بين ارادة طرفين يتوفر فيه اركان العقد من رضا ومحل وسبب، الا الان النظام القانوني للعقد الاداري يختلف من حيث صفة الاطراف كون الدولة تكون طرفاً فيه وتتمتع بامتيازات السلطة العامة.
ومع ذلك توجد عقود ادارية تنزل فيها الادارة الى منزلة الاشخاص العاديين في ابرام بعض العقود لتكون في مركز قانوني متماثل مع الطرف الاخر، ان اهم ما يميز العقود الادارية هو تمتع الادارة بامتيازات لا يتمتع بها الطرف المتعاقد معها في ادارة العملية التعاقدية بدأ من اعلان الادارة رغبتها بالتعاقد وانتهاءاً بسلطات الادارة في تعديل وانهاء العقد بإرادتها المنفردة ومروراً بفرض الغرامات التاخيرية وسحب العمل وغيرها من الاجزاءات الضاغطة على المتعاقد.
اضافة لسلطاتها في الاشراف على التنفيذ، حتى ان جانب من الفقه عد العقود الادارية عقود اذعان من جانب الطرف المتعاقد مع الادارة، في حين ذهب جانب اخر الى عد التعاقد مع الادارة اختيار للطرف الاخر لا اذعان، كون الادارة عندما تدعو الى التعاقد معها هو اعلان او ابداء رغبة بالتعاقد في حين ان استجابة الطرف الاخر بتقديم عطاءه هو ايجاب، وقبول الادارة لهذا العطاء بعد سلسلة من الاجراءات يعد قبولاً ينعقد به العقد. ولذلك نجد ان القضاء العراقي عد الاحالة عقداً لاتحاد قبول الادارة بإيجاب المتعاقد وان نكول الادارة عن اتمام اجراءات التعاقد يحملها مسؤولية قانونية وهذا الاتجاه الذي نؤيده .
مشروع عراقي
ورغم ما تقدم فأن المأزق الذي وقع به المشرع العراقي عندما اخرج منازعات العقود الادارية من اختصاص محكمة القضاء الاداري لا يغتفر اضر بفكرة العقود الادارية في العراق وجردها من كل النظريات التي تعطي للادارة امتيازاً خاصاً قبل المتعاقد معها، لان القضاء العادي عندما ينظر منازعات العقود الادارية يميل الى تطبيق نظرية العقد في القانون المدني، كما ان القاضي العادي لا يعد خبيراً بنظريات القانون الاداري بحكم الطبيعة والاختصاص.
لذا نستطيع القول اذا جاز التعبير ان العقود الادارية في العراق فقدت الكثير من مزايا الادارة كسلطة عامة عدا ماتم النص عليه في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية (2) لسنة 2014 المعدلة، ومن ضمن افكار القانون المدني التي كانت موضع اشكال لاغراض توظيفها في مجال العقود الادارية هي فكرة الاعتبار الشخصي لاحد المتعاقدين في العقد التي تقوم على اساس التركيز على صفة جوهرية من صفات احد المتعاقدين في العقد دون اعطاء اهمية مماثلة لشخص المتعاقد الاخر.
ففي عقد المقاولة مثلا يتم التركيز على صفة المقاول من قبل صاحب العمل كالمقدرة المالية والفنية والامانة وغير ذلك، وهذا الفكرة وفقاً لعمومها التي اشرنا اليها سابقاً من الممكن توظيفها في مجال العقود الادارية ولاسيما ان الادارة تملك سلطة تقديرية واسعه في اختيار المتعاقد معها ووفقاً للشروط والمتطلبات التي تطرحها ومؤكد تنفيذ العقد يجري من الشخص الطبيعي او المعنوي الذي رست عليه المناقصة ولا يملك التنازل عن كل او جزء من العقد لشخص اخر دون موافقة الادارة.
الا ان ما نريد اثارته الى الاعتبار الشخصي لبعض الفئات والاصناف من المتعاقدين مع الادارة لتقديم الانشطة الثقافية كالكتاب والروائيين والمترجمين والمسرحيين والفنانين كالرسامين والنحاتين والممثلين والمخرجين والمصممين والعازفين والملحنين وغيرهم من اصحاب المواهب الفنية المعروفين بذواتهم وشخصياتهم الثقافية والفنية التي لا يوجد بديلاً عن اسمائهم وشخصياتهم بالذات للتعاقد معهم، اذا ان تعليمات تنفيذ العقود الحكومية سابقة الذكر لا تسعف فكرة الاعتبار الشخصي للتعاقد مع الادارة لأنها موضوعة لتلائم عقود الاشغال والتجهيز وغير ذلك وفقاً لآليات تتم في اغلبها عن طريق المناقصات العامة وتخضع للجان فتح العطاءات ولجان تحليل وتقويم العطاءات وتخضع لمعايير الكفاءة المالية والفنية على العموم لا يمكن ان تنطبق على العقود الثقافية التي يكون شخصية المتعاقد مع الادارة محل اعتبار ولا يمكن ان يخضع للمنافسة بأسلوب المناقصة العامة مثلاً.
ولذلك نجد ان الفقه الفرنسي وعلى رائسه الفقه (جيز) ذهب الى ان الالتزام بقاعدة الاعتبار الشخصي في العقود الادارية لا يمكن ان تكون على نفس المستوى والدرجة لكافه انواع العقود الادارية، وفقاً لما تقدم يجب التمييز بين انواع العقود الادارية التي يمكن ان تخضع لهذه المبدأ – الاعتبار الشخصي في التعاقد – ونرى ان كلما كان الشخص المطلوب التعاقد معه ذو قدرات عقلية وفنية وثقافية وابداعية مرتبطة ارتباطاً لا يقبل الانفصال عن شخصيته.
محل اعتبار
عندها تكون هذه الشخصية محل اعتبار بالعقد ولا تخضع الادارة الى ذات الاجراءات المتبعة في ابرام العقود الادارية الاخرى التي يضعف فيها الاعتبار الشخصي وتكون الاولوية للاعتبارات المالية والكفاءة الفنية في التنفيذ والتي يمكن ان تكون محل منافسة للوصول الى اختيار المتعاقد الافضل لتنفيذ نشاط الادارة، وقد اثيرت هذه المشكلة عملياً عندما كنت على رأس ادارة التعاقد في وزارة الثقافة حيث تطلب تنفيذ نشاطات الوزارة الثقافية ابرام عقود مع كتاب ومسرحيين ومخرجين ومترجمين وشعراء وممثلين ورسامين ونحاتين معروفين بذواتهم في الوسط الفني العراقي وكانت تعليمات تنفيذ العقود الحكومية لا تسعف التعاقد المباشر دون المرور بسلسة الاجراءات المرسومة في التعليمات.
ولذلك اقترحنا في حينها اما تعديل تعليمات التعاقد مع المتخصصين في الانشطة الثقافية والاعلامية والفنية رقم (4) لسنة 1984 لتكون متناسبة مع التوجهات التشريعية الحديثة، او الغاءها وتعديل تعليمات تنفيذ العقود الحكومية النافذة وذلك بتضمينها مواد تتبنى فكرة الاعتبار الشخصي عند التعاقد لإنجاز الأنشطة الثقافية والفنية والاعلامية وغيرها وفقاً لآليات مبسطة تضمن سلامة الاجراءات وتحقق الهدف المتمثل بالتعاقد مع الشخصيات الفنية والثقافية بذواتهم والتقليص من حالات الاستثناءات من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية، الا ان هذا المقترح لم يفعل لحد، لما تقدم ندعو وزارتي الثقافة والسياحة والاثار والتخطيط / دائرة العقود الحكومية الى تبني احد المقترحات اعلاه … والله ولي التوفيق.
اضف تعليق