بحث الترقية هو وسيلة معرفية تنمي ثقافة القاضي والعامل في الشأن القضائي والقانوني، وتعد معياراً واضحاً للتمايز بين القضاة انفسهم وسبباً للتنافس في الحصول على افضل تقييم ووسيلة لتوطينهم في مناصب العمل القضائي، او في المحاكم المختصة بكافة درجاتها، فضلاً عن تحقيق الاثراء المعرفي للجميع بما فيهم القاضي...
ان بحث الترقية يعد من اهم شروط نيل الترقية للقاضي من صنف الى صنف اعلى في سلم الهرم القضائي، وكثيراً ما يطرح غير المختص بالشأن القضائي عن سبب وجود هذا الشرط مع ان اغلب المناصب الأخرى لا يشترط فيها مثل هذا الشرط، واصادف هذا السؤال في مناسبات متعددة ومنها بعض طلبة الدراسات الأولية في القانون، وبعضها من طلبة الدراسات العليا من الذين يكون الشأن القضائي محل بحث واطاريحهم ورسائلهم، وكان لابد من توضيحها.
فضلا عن توضيح فكرة تقديم بحث الترقية، حيث انها لا تتعلق بتحديث معلومات القاضي، عن كونه من معايير تقييم القاضي ومدى علميته وقدرته على التحري والتنقيب في المعلومة القانونية والقضائية التي تسهم في تطوير قابليته وكفايته القضائية ومن ثم وضعه في مكانه المناسب في العمل القضائي فحسب، وانما وسيلة لنشر ما توصل اليه من خلال عمله القضائي في بحث يتم الرجوع اليه بين الحين والأخر من الجميع سواء كانوا طلبة العلم والمهتمين بالتشريع وغيرهم، لأنه يمثل خلاصة تجربة قضائية امدها خمس سنوات في العمل القضائي، حيث ان الترقية من صنف الى اخر تكون بعد مضي خمس سنوات على نيله الترقية السابقة، وان صنوف القضاة أربعة تبدأ بالرابع ثم يتدرج القاضي الى الصنف الأعلى وهو الصنف الأول وعلى وفق احكام المادة (45/اولاً) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل.
وهذه البحوث يراعى فيها شروط البحث الأكاديمي المحكم على ان يكون بحثاً تطبيقيا، بمعنى ان يعتمد على الاحكام القضائية لمعالجة موضوع قانوني او قضائي ذو صلة بعمل القاضي، مما يجعله واقعياً بعيداً عن التنظير، وعلى وفق ما ورد في المادة (45/ثانياً/ب) من قانون التنظيم القضائي، ويذكر ان المادة (45) من قانون التنظيم القضائي قد نصت على شرط تقديم القاضي بحثاً للترقية من صنف الى آخر، الا انها لم ترسم آلية معينة لكيفية مناقشة هذا البحث او تقييمه، وانما ترك الامر الى وزارة العدل ومجلس العدل في حينه.
ثم صدر قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 313 لسنة 1988 المعدل حيث اشترط ان تتولى لجنة مختصة معينة في القرار أعلاه بمناقشة وتقييم تلك البحوث حيث جاء في المادة (ثانياً) الآتي (تشكل لجنة بأمر من ديوان الرئاسة يمثل فيها ديوان الرئاسة ووزارة العدل ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتقييم البحوث المطلوب اعدادها بمقتضى الفقرة اولا من هذا القرار وتقرير ما اذا كانت محققة للغرض المطلوب)، واستمر العمل على وفق المنوال أعلاه لغاية تعديل هذا النص بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 248 لسنة 2001، عندما الغى تلك اللجنة ومنح مجلس العدل في حينه هذه المهمة، وحالياً حل محله مجلس القضاء الأعلى ، وجاء في التعديل الآتي (تقوم البحوث المطلوب اعدادها بمقتضى الفقرة (اولا) من هذا القرار من مجلس العدل وفق الاحكام المنصوص عليها في المادتين (45) و (46) من قانون التنظيم القضائي المرقم بـ (160) لسنة 1979).
فانتقلت مهمة تقويم البحوث ومناقشتها منة تلك اللجنة التي كانت في اغلب الأحيان تشكل من كبار القضاة وخيرة أساتذة القانون وحتى من الأساتذة من العلوم الأخرى (الاجتماع، علم النفس، وغيرها) الى اللجنة التي نص عليها، وتم تشكيلها لجنة في عام 2001 بموجب بيان صادر عن وزير العدل ونشر في مجلة العدالة التي تصدر عن وزارة العدل في العدد الرابع لعام 2001 ص 192،
وتضم هذه اللجنة عدد من كبار القضاة وعلى وفق الاتي (رئيس محكمة التمييز رئيساً 2- رئيس مجلس الشورى عضوا ورئيساً 3- رئيس الادعاء العام عضواً 4-رئيس هيئة الاشراف القضائي عضواً 5- رئيس استئناف عضواً 6- رئيس استئناف الرصافة عضو احتياط)، وتتولى اللجنة إقرار بحوث الترقية وتعيين أسماء المشرفين ومناقشة البحوث ورفع التوصية بشأنها الى مجلس العدل في حينه الذي حل محله مجلس القضاء الأعلى حاليا، اما بعد عام 2003 كان العمل بمناقشة بحوث الترقية يكون اما عن طريق لجنة مركزية في مقر مجلس القضاء الأعلى، او عن طريق لجان في المناطق الاستئنافية، وهذا ما استقر العمل عليه حالياً.
وخلاصة القول ان بحث الترقية هو وسيلة معرفية تنمي ثقافة القاضي والعامل في الشأن القضائي والقانوني، وتعد معياراً واضحاً للتمايز بين القضاة انفسهم وسبباً للتنافس في الحصول على افضل تقييم ووسيلة لتوطينهم في مناصب العمل القضائي، او في المحاكم المختصة بكافة درجاتها، فضلاً عن تحقيق الاثراء المعرفي للجميع بما فيهم القاضي، لان الباحث دائماً تتفتح امامه افاق واسعة، تكون بمثابة تدريب لذهنيته وعقله في تدبر الأمور وتحليل المشكلة محل البحث ومن ثم تشخيصها وإعطاء المعالجة المناسبة، وهذا ما يقوم عليه العمل القضائي، والذي يطلق عليه التكييف، ويقصد بذلك وصف الوقائع وإبراز عناصر وشروط الواقعة القانونية الواجبة التطبيق او القيود التي ترد عليها والتكييف يحتاج إلى جهد بالمعرفة القانونية أي الإلمام بالنصوص القانونية الفاعلة وكذلك يحتاج إلى جهد منطقي لأنه يتطلب فهم للنصوص القانونية والتحري في الوقائع.
لان المنطق القضائي بحاجة إلى أن يفكر القاضي تفكيراً قانونياً من خلال إعمال عقل القاضي في مشاكل الدعوى للتوصل إلى إصدار الحكم، ومن أهم صفات التفكير القضائي السليم ان يكون واضحا ومنظماً وسليماً لان ذلك يجعل من القاضي ان يتجه مباشرة الى نقطة النزاع الواجبة الحل.
اضف تعليق