العنف الاسري يعرّض المجتمع العراقي المعروف عنه بالتآلف الى التآكل لأنه يساهم في التفكك والتشرذم الاجتماعي كونه يمس الاسرة التي هي اللبنة الاساس التي يتكون منها المجتمع، ويشيع ظواهر الطلاق والانفصال بين الزوجين لأبسط الامور مايؤدي الى تشتّت افراد الاسرة وضياع الاطفال وذهابهم الى المجهول كما يحدث...

تفاقمت في السنين الاخيرة اعمال العنف الاسري وضد جميع افراد الأسرة بعد ان كان يُعرف بانه تجاوز على الحلقات الاكثر هشاشة فيها وهم الاطفال والنساء وكبار السن الا انه تجاوز ذلك في بعض الاحيان الى الرجال ورب الاسرة ايضا فهو عنف يشمل الجميع مايعرض الامن المجتمعي للخطر.

 يُعَرَّف العنف الأسري قانونيا بأنه (الأفعال التي يقوم بها أحد أعضاء الأسرة ويُلحق ضررا ماديا أو معنويا أو كليهما بأحد أفرادها)، وله اسباب كثيرة منها الفقر وسوء الحالة المعيشية والبطالة والظروف النفسية المعقدة في حدوثه وتعاطي المخدرات، ومن المؤسف له ان يتعثر ويتعرقل سنّ قانون تجريم العنف الاسري في اروقة السلطة التشريعية العراقية ولسنين طوال ويرحّل لأكثر من دورة برلمانية دون سبب معقول من قبل الجهات المختصة.

 فالمعمول به حاليا بما يخص العنف الاسري هو المادة (41) من قانون العقوبات العراقي رقم (١١١) لسنة ١٩٦٩ فقط وهي اسباب لم تعد مقنعة للشارع العراقي الذي صار يطالب بتشريع قانون ملزم لمكافحة العنف الاسري مع تزايد حالاته التي وصلت الى حدود مخيفة والى درجة القتل، فلابد اذن من التشريع والتنفيذ من اجل صيانة النسيج المجتمعي العراقي من الاندثار والتآكل ولصيانة الاجيال العراقية من التشرد والتشرذم ولغرض العيش في اجواء اسرية آمنة وصحية.

 اذ سجلت وزارة الداخلية العراقية أكثر من 53 ألف حالة عنف أسري خلال ثلاث سنوات منصرمة وتربع العنف الجسدي على تلك الحالات ويليه العنف الجنسي وبعد ذلك العنف اللفظي. 

ومن الاثار السايكو ـ السيسولوجية السلبية المترتبة على التعنيف الاسري هو ان العنف الاسري يعرّض المجتمع العراقي المعروف عنه بالتآلف الى التآكل لأنه يساهم في التفكك والتشرذم الاجتماعي كونه يمس الاسرة التي هي اللبنة الاساس التي يتكون منها المجتمع، ويشيع ظواهر الطلاق والانفصال بين الزوجين لأبسط الامور (اذ وصلت ارقام الانفصال بين الازواج الى ارقام خيالية)، مايؤدي الى تشتّت افراد الاسرة وضياع الاطفال وذهابهم الى المجهول كما يحدث لأطفال الشوارع والمتسولين، فضلا عن تفشي الامراض النفسية كالانفصام والتوحد وتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية ناهيك عن التفسخ الخلقي ومصاحبة اصدقاء السوء والدعارة. 

وآثار العنف المباشرة أخذت تظهر من خلال حالات التفكك الأسري والطلاق وارتفاع معدلات الانتحار والقتل وزواج القاصرات والزواج القسري والحرمان من العمل، فضلا عن الحالات النفسية والكآبة والهروب من المنزل والتشرد والتسرب من المدارس يضاف الى ذلك ضعف التثقيف وطبيعة المجتمع الذي يفرق بين الفتيات والأولاد الذكور في الحقوق والواجبات، والنظرة الدونية للفتاة، وهذا له تأثير كبير في تسجيل حالات العنف بشكل واضح وملموس.

 وهناك اسباب اخرى كالعادات والتقاليد والأسباب والضغوط البيئية المختلفة منها الضوضاء، الازدحام، سوء حالة المسكن وهي تعدّ أسباباً مباشرة تدفع الى العنف والأسباب الثقافية حيث أن الجهل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الطرف الآخر وعدم احترامه يعد عاملا اساسيا للعنف، وهذا الجهل قد يكون في جميع أفراد الاسرة والأسباب التربوية، منها إن أسس التربية العنيفة والشاذة التي ينشأ عليها الطفل ربما تكون هي من ولّدت العنف لديه، وقد تجعله في المستقبل ضحية له، حيث تكون له شخصية ضعيفة ما يؤدي الى ازدياد هذا الضعف في المستقبل.

 ولاننسى الأسباب الاقتصادية أي ضعف المستوى المعاشي لرب الاسرة ناهيك عن عيش الاسرة بأكملها تحت هامش مستوى الفقر والحرمان المستمر من ابسط متطلبات الحياة الكريمة والعيش في التجاوز والعشوائيات.

 وتأتي الظروف المناخية والبيئية عاملا اخر يضاف الى ماتقدم في توسعة الفجوة مابين حياة كريمة لاتشوبها عوامل العنف الاسري بكل انواعه وهي اقرب الى الجحيم بسبب تفاقم حالات العنف ضد جميع ابناء الاسرة خاصة الضعفاء منهم كالنساء والاطفال وكبار السن والمرضى والعاجزين وبين حياة كريمة وطبيعية يشوبها المودة والاحترام.

اضف تعليق