القائد يموت يوماً ما، لكن عندما تكون الحياة الدائمة للقيم والسُنن الإلهية، فان القيادة تكون دائماً بخير، هذا اللون من القيادة يكون مثل الراية التي يحملها الابطال في الحروب، تبقى مرفوعة ولا تسقط أرضاً بفضل الأيادي القوية التي تحملها الابطال في الحروب، تبقى مرفوعة ولا تسقط...
بنفس القدر الذي نحلق عالياً بشخصية القائد المُلهم والمحبوب، ربما نتعرض على حين غرّة، الى سقوط مفاجئ ومريع بفقده في الميدان لأسباب عدّة فنكون في موقف حرج وخطير في ظروف كالتي نعيشها حالياً.
ولا غرو في حب الناس لقائدٍ لهم، يرعى شؤونهم الاجتماعية والثقافية، وفي حالة المواجهة مع أعداء في الداخل والخارج، يقود جبهة التصدي لمختلف التحديات، لاسيما اذا تطابق الوفاء والصدق والشعور العميق بالمسؤولية مع تطلعاتهم وهمومهم، فيتحول هذا القائد الى أكثر من انسان بلحم ودم حاله من حال أي شخص آخر في الشارع، ليكتسب حالة رمزية ذات بعد معنوي يسكن القلوب والمشاعر الى درجة استبعاده من الموت المقدّر لجميع بني البشر!
واذا راجعنا سيرة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وهو يُعد لنا خير نموذج للقائد الناجح، وطريقة تعامله مع هذه المسألة، نجد أنه حلّها بشكل ذكي باختيار خليفة له منذ الساعات الأولى من تطبيق أوامر السماء بأن {انذر عشيرتك الأقربين}، فقد قرن تبليغه الرسالة الإلهية، بتعيينه ابن عمّه، علي بن أبي طالب، خليفة من بعده، وكان حينها حديث السنّ، مع وجود كبار الأسرة الهاشمية، مثل والده ابو طالب، وعمه أبو لهب، وحمزة وآخرين في ذلك المجلس التاريخي، وبعد أن صمت القوم إزاء طلب النبي بمن يكون خليفة ووصياً من بعده يقوم بهذا الأمر (الرسالة الإلهية)، حتى أن أبولهب توجه الى ابوطالب ساخراً منه بأن "عليك أن تصغي لابنك وتطيعه".
وهذا لا يعني أن القضية تنحصر في النبوة والإمامة كمرتبة قيادية عليا، إنما يستفاد منها في المراتب الأخرى ما من شأنه ضمان تماسك الجبهة الداخلية ضد التحديات الخارجية، وفي الوقت نفسه؛ ضمان ديمومة المسيرة التنموية، ورعاية شؤون الناس في مسائل دينهم ودنياهم.
ما حصل في لبنان مؤخراً يعد درساً بليغاً لنا في الانتباه الى مسألة النيابة وتحديد الخليفة للقائد سلفاً، كما هو معمول به في المؤسسة السياسية، عندما يختار رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي، او رئيس الحكومة في النظام البرلماني نواباً لهم، وحتى لرئيس مجلس النواب، حتى نتفادى حالة الإرباك في خضم مواجهة ساخنة ودامية، وربما العدو –في هذه المواجهة وغيرها- قد حسب لهذا الأمر حسابه دون علمنا ليطمئن على تماسك جبهته امامنا، مما يدعونا للاستباق وتحقيق هذا الأمر الاستراتيجي الهام.
السؤال المفصلي؛ كيف نرضي انفسنا –او البعض منّا- باحتمال موت القائد مع كل ما يحمله مما يسمى حالياً "الكاريزما" والكم الهائل من التأييد المطلق والطاعة؟
ثمة سُبل عديدة لحل هذه العقدة النفسية لدى شعوبنا الاسلامية، إحداها؛ أن تكون الطاعة للقائد أفقية لا عمودية، حتى الحب والولاء والايمان، فهو لا يكون امتداداً لطاعة الله –تعالى- لاسيما ونحن في زمن غيبة الإمام المعصوم، بل يكون برجاء القربة الى الله –تعالى- لأن الطاعة والايمان والحب وكل اشكال العلاقة الايجابية، تتجه نحو قيم الأخلاق والدين المتمثلة في شخص هذا القائد، بدليل أنه بفضل هذه الصفات وبمسعاه نحو التكامل، بلغ مرتبة القيادة، واكتسب كل هذا الحب والولاء، وإلا فان في المجتمع مشاهير رياضة وفن، و زعماء أحزاب وعشائر وأثرياء يملكون ابتسامات الناس وليس قلوبهم وعقولهم كما القائد ذو العنوان الديني المشتمل على البعد المادي والمعنوي في حياة الانسان والمجتمع.
بهذا الشكل من العلاقة من السهل استيعاب حادث غياب القائد بموت مفاجئ، او اغتيال، كما من السهل ايضاً اختيار البديل سلفاً، فالقائد يموت يوماً ما، لكن عندما تكون الحياة الدائمة للقيم والسُنن الإلهية، فان القيادة تكون دائماً بخير، والأهم من هذا؛ توفير الحصانة المنيعة بوجه أي محاولة تسلل او نفوذ يمنّي العدو نفسه النفوذ من خلالها في كيان الأمة من خلال الحرب النفسية بعد الحرب العسكرية، فهذا اللون من القيادة يكون مثل الراية التي يحملها الابطال في الحروب، تبقى مرفوعة ولا تسقط أرضاً بفضل الأيادي القوية التي تحملها.
اضف تعليق