يعد وادي السيليكون موطنا للعديد من أكبر شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم، حيث جرى هناك تطوير الدائرة المتكاملة القائمة على السيليكون والمعالج الدقيق والحاسوب الصغير من بين تقنيات أخرى، وأصبح الاسم مرادفا عالميا للبحوث والشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا...
يعد وادي السيليكون موطنا للعديد من أكبر شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم، حيث جرى هناك تطوير الدائرة المتكاملة القائمة على السيليكون والمعالج الدقيق والحاسوب الصغير من بين تقنيات أخرى، وأصبح الاسم مرادفا عالميا للبحوث والشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا.
لكن لا يمكن الحديث عن منطقة خليج سان فرانسيسكو دون الحديث عن الجيش الأميركي وجامعة ستانفورد اللذان كان لهما دور مهم وكبير في التطور المبكر للوادي، حيث ولد وادي السيليكون من خلال إسهامات جامعة ستانفورد والإنفاق الثابت لوزارة الدفاع الأميركية.
ففي عام 1931 تأسست القاعدة الجوية البحرية "موفيت فيلد" (Moffett Field) التي لعبت دورا إستراتيجيا في تطور وادي السيليكون والبحث وتطوير التقنيات الرئيسية للجيش الأميركي. وفي المنطقة المحيطة بالقاعدة ظهرت مجموعة من شركات التكنولوجيا لخدمة البحرية الأميركية. لكن عندما تخلت البحرية عن طموحاتها هناك، استحوذت "اللجنة الاستشارية الوطنية للملاحة الجوية" -سلف "ناسا" على أجزاء من القاعدة لأبحاث الطيران.
ونتيجة لذلك، سرعان ما امتلأت المنطقة المجاورة بشركات التقنية والإلكترونيات والطيران، مثل شركة "لوكهيد للقذائف والفضاء" التي أصبحت لاحقا وحدة تابعة لشركة "لوكهيد مارتن"، وكانت أكبر رب عمل في المنطقة منذ الخمسينيات وحتى الثمانينيات.
لماذا سمي وادي السيليكون بهذا الاسم؟
قبل دخول شركات الكمبيوتر والاليكترونيات للمكان كانت المنطقة تعرف باسم “وادي القلب المبهج”، وذلك في أوائل القرن العشرين نظراً لبساتين الفاكهة التي كانت تملأ حقولها، وكان المشمش والبرقوق واللوز من الأطعمة المزروعة هناك.
لا أحد يعرف على وجه اليقين من الذي صاغ لقب وادي السيليكون بالضبط، ولكن تم تعميمه من قبل مراسل التكنولوجيا المسمى دون هوفلر في السبعينات، وسمي وادي السليكون نظراً لرقائق السليكون المستخدمة في الحواسيب والهواتف المحمولة .
أصبح الآن اسم الوادي السيليكون لا يعبر عن مكان أو شيء مادي فقط، إنما يمثل عالم تكنولوجيا المعلومات والثروة التكنولوجية.
ما هي أسباب نجاح وادي السيليكون؟
ثمة مجموعة من الأسباب لنجاح وادي السليكون وهي:
1ـ التعاون
إن السبب الرئيسي وراء نجاح وادي السيليكون هو روح التعاون، على سبيل المثال ذهب العديد من مؤسسي الشركات المحلية للدراسة معاً، وهو ما يجعلهم يقومون بالترويج لبعضهم البعض بغض النظر عن الشركة حيث تتغلب الولاءات الشخصية على الشركات.
لقد أدت الشبكات المهنية إلى سهولة تبادل المعلومات، ووجدت الشركات أن التعاون بينها جعلها أكثر نجاحاً.
2ـ القوانين
لقد ألغت ولاية كاليفورنيا البنود غير المتنافسة، ونتيجة لذلك يمكن للأشخاص مغادرة الشركة لبدء أعمالهم الخاصة لاختبار الأفكار الجديدة، ونتيجة لذلك يركز الموظفون على مساعدة بعضهم البعض لحل المشكلات.
في الحقيقة لا يمكن لأي شيء أن ينجح في العالم إلا من خلال وجود قوانين واضحة لتنظيم هذا الشيء، القانون هو الذي يضمن حقوق الجميع وهو الذي يوفر العدالة.
3ـ التنوع الثقافي
واحد من أسباب نجاح وادي السيليكون والتي لا يمكن تجاهلها هي التنوع الثقافي، فبين عامي 1995 و 2005 أسس المهاجرون أكثر من نصف المشاريع الناجحة بوادي السيليكون.
حيث يجذب سيليكون فالي كبار المهندسين من مختلف دول العالم لاسيما الهند و الصين، أدي هذا التنوع إلى الإبتكار وتركيز الجميع على أهدافهم المشتركة
4ـ الجامعات لعبت دوراً ايجابياً
تحيط الجامعات الراقية بـ Silicon Valley، حيث تخرج عدد كبير من مؤسسي الشركات من جامعة ستانفورد، وقد ساهمت جامعات محلية أخرى بطواقم دعم فني مدربة، بما في ذلك جامعة كاليفورنيا في بيركلي.
كان للجامعة دور كبير في نجاح وادي السيليكون من حيث استراتيجيتها المتبعة في تعليم وتأسيس الطلاب، فعلى سبيل المثال تعلم الجامعة أبنائها بأن الفشل ليس نهاية العالم وأنه مقبول، وأن لا يلتفت الطالب لآراء الآخرين فتكون بمثابة قيد له.
5ـ مساعدة الآخر
يمد الناجحون من المهندسين ورجال الأعمال بوادي السيليكون يد العون لأصحاب المشاريع الناجحة والطلاب من خلال إمدادهم بأسباب النجاح والفشل، وكذلك تقديم الدعم المالي والتبرعات.
الجميع في وادي السيلكون يؤمنون أن تقديم المساعدة يمثل عنصر من العناصر التي تساعد الكثيرون على إنجاز مشاريعهم، وهذا يعود بنتائج إيجابية على الجميع.
6ـ الدعم الحكومي
تقدم الحكومة الامريكية دعماً كبيراً للأبحاث بجامعة ستانفورد، وكان لهذا الدعم دور كبير في نجاح وادي السيليكون.
بالطبع الدور الحكومي له أثر كبير في نجاح وادي السيليكون، فلولا الحكومات الواعية التي تؤمن بدون العلم والتكنولوجيا لما كان لهذا النجاح أن يتحقق.
الحكومة تقدم أحياناً التمويلات، وأحياناً أخرى تسن القوانين المساعدة على الحرية الإبتكارية، هذا إلى جانب تسهيل إجراءات التراخيص وإنشاء الشركات، وحفظ حقوق براءات الإختراع.
التكنولوجيا في زمن الحرب
وإبان الحرب العالمية الثانية، كان الجيش الأميركي بحاجة إلى الآلاف من أجهزة الراديو وأنظمة الرادار والإلكترونيات، حيث لجأ إلى مركز تطوير وبحث الإلكترونيات التابع لجامعة ستانفورد والشركات الناشئة في محيط الجامعة.
ونتيجة لذلك، تدفق التمويل العسكري الأميركي على المنطقة، ومن هنا بدأت الشراكة الحقيقية بين وادي السيليكون والجيش الأميركي.
وبدورها، أنتجت الشركات التقنية الأجهزة والمعدات الإلكترونية الأخرى ذات الصلة بالإضافة إلى تطوير اختراعات وابتكارات جديدة لتلبية الاحتياجات المحددة التي جلبتها الحرب.
وخلال أربعينيات القرن الماضي، أنفقت الحكومة الأميركية أموال البحث من خلال عدد قليل من الجامعات البحثية الكبرى المختارة مثل ستانفورد، واستفادت الشركات المحلية بشكل مباشر من هذا التمويل.
وفي ذلك الوقت، كان وادي السيليكون موطنا للعديد من شركات الهندسة والفضاء التي قدمت خدمات مهمة في زمن الحرب، مثل أجهزة الراديو والرادارات والمعدات الكهربائية لحكومة الولايات المتحدة.
كما استثمرت الولايات المتحدة في الجنود العائدين من الحرب، حيث سمحت لهم بالدراسة في الكليات والجامعات بدعم من الحكومة.
واستفادت جامعة ستانفورد من هذا الأمر بقيادة فريدريك تيرمان، الذي عاد إلى ستانفورد عام 1945 عميدا لكلية الهندسة، بعد أن أمضى سنوات الحرب في جامعة هارفارد، حيث عمل في مختبر أبحاث الراديو مع الجيش الأميركي. وعززت خدمته في زمن الحرب علاقاته مع الحكومة والجيش الأميركي، مما مكن الجامعة من الحصول على الأموال من وزارة الدفاع.
جامعة ستانفورد وشبكة من الشركات
في الوقت نفسه، شجع تيرمان طلاب الدراسات العليا والأساتذة على تحويل الأبحاث إلى شركات ناشئة تبيع منتجاتها إلى متعاقدي وزارة الدفاع، كما بُني في عام 1951 مجمع ستانفورد الصناعي الذي جذب الشركات التقنية الرائدة في ذلك الوقت.
وعلاوة على ذلك، رعا تيرمان شركات مثل "هيوليت باكارد" و"جنرال إلكتريك" وغيرهما من شركات التكنولوجيا، حتى نشأ حول حرم جامعة ستانفورد ما أصبح يعرف لاحقا باسم وادي السيليكون.
وسرعان ما بدأ المزيد من الخريجين وأعضاء هيئة التدريس في الاستماع إلى تيرمان وأسسوا شركات الطيران والإلكترونيات في المنطقة.
وأنشأ هذا الأمر أول شبكة من الشركات التي من شأنها أن تكون مرتبطة ببعضها البعض من خلال ارتباطها المشترك بجامعة ستانفورد.
ومن هذه الشركات، "فيرتشايلد لأشباه الموصلات" التي تعتبر أول شركة ناشئة في وادي السيليكون، حيث ابتكرت هذه الشركة -بتمويل من وزارة الدفاع- الدائرة المتكاملة التي جرى استخدامها في تكنولوجيا المستهلك وفي التكنولوجيا العسكرية.
ومثّل اختراع الدائرة المتكاملة نعمة كبيرة لشركات التقنية والإلكترونيات والطيران، حيث ظهر وادي السيليكون بشكله القريب من الحالي. وحصلت الشركة على أول أعمالها من خلال العقود العسكرية، وبناء الرقائق التي ساعدت في إرسال رواد فضاء أميركيين إلى القمر، وساعدت في بناء صواريخ سلحت الولايات المتحدة في الحرب الباردة.
سباق الفضاء
وشهدت أواخر الخمسينيات انخراط الولايات المتحدة في سباق فضاء. وردا على إطلاق الاتحاد السوفياتي للأقمار الصناعية "سبوتنيك"، ضخت الولايات المتحدة المزيد من الأموال لبرنامج الفضاء الأميركي وتطوير الصواريخ.
وأدى الأمر إلى إنشاء الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء "ناسا"، جنبا إلى جنب مع وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة "داربا" التي مولت الأبحاث في التقنيات الجديدة.
وبحلول عام 1958، تأكدت الولايات المتحدة من أهمية التكنولوجيا، وهو ما دفعها إلى تخصيص ميزانيات ضخمة للجيش كي ينفقها على التمويل والبحث والاكتشاف في المجال التقني، بعض النظر عن النتيجة النهائية.
وفي العام نفسه، أقر الكونغرس قانون الاستثمار في الأعمال الصغيرة الذي قدم إعفاءات ضريبية للشركات الناشئة التي تنتشر في ظل ستانفورد.
نهضة التكنولوجيا الحديثة
أفاد التدفق الهائل للأموال الشركات في وادي السيليكون بشكل كبير، حيث تفوقت المنطقة في الحصول على منح العقود العسكرية الرئيسية، وحصلت على 27.5% من جميع عقود وزارة الدفاع.
وخلال الستينيات، جلبت كاليفورنيا خُمس العقود الرئيسية المتعلقة بوزارة الدفاع، وكان نحو نصف عقود "ناسا" من نصيب الشركات التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها.
وفي هذا الوقت، نما مجمع ستانفورد الصناعي ليشمل 40 شركة توظف 11500 شخص، حيث يعمل نصف هذه الشركات في مجال الإلكترونيات. وخلال بداية السبعينات، انتقلت الحواسيب من تقنية عسكرية بحتة إلى تقنية صناعية وتجارية.
ومع بدء معدل الإنفاق على ناسا والجيش في التباطؤ خلال السبعينيات، أصبحت الشركات التي يتكون منها وادي السيليكون الآن شركات ناضجة. وبمرور الوقت، تمكنت تلك الشركات من إيجاد تطبيقات صناعية وتجارية لهذه التكنولوجيا الجديدة لتحل محل العقود العسكرية التي مكّنت التكنولوجيا من الوصول إلى مرحلة النضج. بحسب موقع “الجزيرة نت".
اضف تعليق