لم تعدْ مفرحة تلك الانباء التي تتحدث عن وتائر تصدير النفط وعن اسعاره في السوق العالمية صعودا لتمويل موازنات الدول التي تعتمد الريع في اقتصادها كالعراق، ويبقى القلق مزمنا لمن يراقب الخط البياني لمناسيب تلك الاسعار في حالة هبوطها النسبي وعدم استقرارها، فقد تلازمَ الريع فلسفةً واجراءً...

عجّت مواقع السوشيل ميديا المنفلتة وبعض المواقع الخبرية غير الرصينة والكثير من الفضائيات ذات التوجه الاعلامي الاصفر بخبر الانحدار النسبي (المتوقع) في سعر برميل النفط ودقت ناقوس الخطر من تأخر رواتب الموظفين، وقد يواجه العراق أزمة اقتصادية خطيرة وان الاقتصاد العراقي في ورطة قد تدفع الحكومة إلى الاقتراض مجددا أو السحب من الفائض المالي المتحقق سابقاً بعد أن أعدّت الموازنة بأعلى من السعر الفعلي للنفط، وقد يؤثر ذلك على تمويل الرواتب ضمن الموازنة بحسب رايها، رغم التأكيد الحكومي بان الرواتب جميعها مؤمّنة ولاخوف عليها من نقصان السيولة المالية ولسنتين قادمتين -كما اوضحت وزارة المالية نقلا عن وزيرها-.

لذا لا توجد ازمة رواتب إطلاقاً عبر اولويات تنفيذ السياسة المالية العراقية، فهي مجرد شائعات مغرضة او تكهنات لا اساس لها من الصحة تطلق بين الحين والآخر، وتبنى على التقلبات الراهنة في أسعار النفط وأن الرواتب لن تتأثر لأن سقف الرواتب أقل بكثير من هذا السقف المعمول به في الموازنة.

 ان الغرض المبيّت من نشر هكذا اخبار هو لإعطاء انذار مبكر ومتكرر لما حصل سنة 2014 حين هبطت اسعار النفط الى مستوى غير مسبوق، وهذا شيء طبيعي لأي اقتصاد ريعي يعتمد على سلعة واحدة فقط بعد ارتهان الاقتصاد العراقي ببورصة النفط التي تحددها اسعار العرض والطلب في السوق العالمية والتي تتأثر بشكل مباشر بالأجواء والمناخات السياسية والمضاربات الاقتصادية والمالية.

 والهدف الحقيقي من تلك الاخبار التي تبثها تلك المواقع هو لزعزعة ثقة رجل الشارع بالسياسة المالية والنقدية للحكومة، او للتشكيك وزعزعة الثقة بالحكومة وبرامجها المعلنة فما ان يحصل بعض التذبذب في اسعار النفط صعودا او هبوطا وهو امر اعتيادي ووارد جدا في سياقات الاقتصاد الريعي، وهذا الامر يحتاج الى عدة تدابير منها متابعة وسائل الاعلام من قبل الجهات المختصة كهيأة الاتصالات ومحاسبتها وضرورة توخيها الحذر والدقة في نقل الاخبار خاصة مايتعلق بالقدرة الشرائية للمواطن. 

ويجب ان يعلم الجميع حقيقة الاقتصاد العراقي الريعي: فلم تعدْ مفرحة تلك الانباء التي تتحدث عن وتائر تصدير النفط وعن اسعاره في السوق العالمية صعودا لتمويل موازنات الدول التي تعتمد الريع في اقتصادها كالعراق، ويبقى القلق مزمنا لمن يراقب الخط البياني لمناسيب تلك الاسعار في حالة هبوطها النسبي وعدم استقرارها، فقد تلازمَ الريع فلسفةً واجراءً بالاقتصاد العراقي منذ اكتشاف النفط فيه وتصديره لأغراض تجارية في خمسينيات القرن الماضي لرفد موازناته المالية منذ ذلك التاريخ وحتى الان.

 ونتيجة لتلك المعطيات والتي تفيد بان حوالي 98% من الموازنات المالية يتم تسديد فواتيرها من تصدير النفط، والمطلوب من مهندسي الاقتصاد والمال ان يسرعوا الى تنشيط بقية القطاعات بعيدا عن النفط كالزراعة والصناعة والسياحة لاسيما الدينية مايساهم في رفد الموازنات المالية العامة للدولة وفي العراق الكثير من الامكانات المادية والبشرية واللوجستية التي تساعد على ذلك، لاسيما بعض المنتجات الصناعية والزراعية التي وصل بها الحال الى الاكتفاء الذاتي وهي كثيرة.

 صحيح ان تتأثر الموازنات المالية العامة بتذبذب اسعار النفط ولكن يجب ان يُترك البت في هذا الامر للمختصين الاقتصاديين والماليين فقط فهم اصحاب الشأن والقرار بذلك، لا ان يترك لمن هبّ ودبّ خاصة لذوي المحتوى الهابط المنتشرين على وسائل السوشيل ميديا المنفلتة والميديا غير الرصينة والفضائيات ذات التوجه الاعلامي الأصفر، كما حدث ومايزال يحدث في كل مسالة تتحول الى راي عام ومنها قضية الرواتب على سبيل المثال.

اضف تعليق