ان مناكفتنا للغرب وتبنينا لشعار (ضرب المصالح الغربية) الذي اصبح كالهوس الذي تملّك عقولنا لاسيما في مرحلة الحرب الباردة، هو المدخل الكبير للخراب الذي نعيشه اليوم، ولا اقصد العراق وحده بل اغلب الدول العربية التي كانت تحمل الثقافة السياسية نفسها...
بعد العام 2003 قرأت اغلب المفاصل المهمة في تاريخ العالم السياسي المعاصر وتاريخ منطقتنا، بدءا من الحرب العالمية الاولى واسبابها وما رافقها ونتائجها، وكذلك الثورة البلشفية والحرب العالمية الثانية وما بعدها والثورة الصينية ومعظم حركات التحرر في العالم.
وخلصت الى نتيجة صرت أؤمن بها اليوم تماما، وهي ان مناكفتنا للغرب وتبنينا لشعار (ضرب المصالح الغربية) الذي اصبح كالهوس الذي تملّك عقولنا لاسيما في مرحلة الحرب الباردة، هو المدخل الكبير للخراب الذي نعيشه اليوم، ولا اقصد العراق وحده بل اغلب الدول العربية التي كانت تحمل الثقافة السياسية نفسها .. اذ كان علينا بعد 14 تموز 1958 ان نعيد ترتيب علاقتنا ببريطانيا واميركا بشكل معقول، وكذلك نمد الجسور مع المعسكر الاشتراكي كما فعلت بعض الدول العربية وغيرها، بعد ان نضجت تقريبا الدولة على خلفية اربعة عقود من التعليم والبناء المؤسسي.
وباتت لديها كوادر ادارية ومهنية جيدة .. بحيث لانرتمي تماما باحضان الغرب ونصبح ادوات بأيديهم على غرار الشاه وامثاله ولا اعداء ومواجهين لهم، ونحن لا نمتلك القدرات المماثلة لقدراتهم .. لم نكن نعرف من قبل ان الاتحاد السوفييتي قد تفاهم مع الاميركان والبريطانيين على تقاسم النفوذ في العالم، وان الشرق الاوسط بات من حصة الغرب ولن يسمح للسوفييت بان يقيموا او يدعموا نظاما شيوعيا فيه، أي ان الاحزب الشيوعية في منطقتنا حكم عليها بالاعدام السياسي منذ العام 1945 في مؤتمر القرم الذي عقد في العام 1945 وبموافقة السوفييت انفسهم!
وان أي نظام بثقافة اشتراكية او مشابهة يحاول ان يتمرد على الغرب ويتحدى نفوذه سيجعلونه يواجه كوارث تحطم قدراته وتشلّه حتما (لدي يقين من ان اغلب ما واجهته الدولة العراقية من مشاكل وتمردات كانت مصنوعة ولا تنطوي على مشاريع سياسية حقيقية).
لقد كانت المواجهة مع الغرب ومحاربته شعارا ساحرا، تبناه الشيوعيون والقوميون -بمختلف طيفهم - والاسلاميون، وانهم جميعا دفعوا بالبلاد الى مواجهة معه، سواء كانوا في السلطة أو في كيمياء المشهد السياسي والثقافي الوطني (المصطف والمعارض معا).
وان تنصل أي جهة منهم الآن وتبنيها لشعار الديمقراطية والتعددية لن يعفيها من المسؤولية التاريخية في الدفع بالاتجاه الخاطئ الذي اتجهت اليه البلاد منذ العام 1958 ... وللإنصاف نقول، ان هذه ( ثقافة الاعتدال) هذه لم تكن سائدة قبل ثلاثة عقود واكثر ، وان تبني المواجهة مع الغرب كانت (شعارا مشرّفا) ولايمكن ادانة من كان يحمله .. بل ان الكثيرين من المنظّرين في العالم، كانوا يعتقدون وقتذاك بان المستقبل للشيوعية والاشتراكية وتشكلاتها السياسية التي اتسعت بعد الحرب العالمية الثانية.
لكن كان على الجميع ان يتوقفوا للمراجعة الحقيقية لمواقفهم بعد انهيار المعسكر الاشتراكي مطلع تسعينيات القرن الماضي لينقذوا ما يمكن انقاذه .. لكن للاسف ما زال البعض الى اليوم لا يدري ماذا حصل ولا يريد ان يدري ايضا!! الخراب الذي نعيشه ومنه ما يحصل في غزة وغيرها هو افراز حتمي لثقافة كان علينا مغادرتها منذ عقود .. والحديث يتحمل نقاشا طويلا بالتأكيد ...!
اضف تعليق