عندما يفقد المجتمع المعايير والقيم وينقسم على نفسه وينعدم الذوق ويصبح هناك افراط في السفاهة والسطحية والجهل يعيش الناس على وقع المزايدات ومسلسل حلقات النهب والتشهير والابتزاز وضياع الحقيقة واختفاء الاسئلة الكبرى حتى اضحى المواطن يمشي من دون اهداف ولا يعرف مصيره واصبح رهينة هذه الاوضاع...
عندما يفقد المجتمع المعايير والقيم وينقسم على نفسه وينعدم الذوق ويصبح هناك افراط في السفاهة والسطحية والجهل يعيش الناس على وقع المزايدات ومسلسل حلقات النهب والتشهير والابتزاز وضياع الحقيقة واختفاء الاسئلة الكبرى حتى اضحى المواطن يمشي من دون اهداف ولا يعرف مصيره واصبح رهينة هذه الاوضاع وهو اسوأ وضع ممكن ان يكون فيه الانسان كما لو انه في سجن وتتحكم بمصيره هذه المؤسسة او ذاك الحزب او تلك الجماعة.
حين يتهم الصغار الكبار ويتهم الكبار الصغار وبعدما تحول المجرم والفاسد والنكرة والفاشل والانتهازي الى عبقري (فلته) وصاحب مكانة وحضور وتقدير وجاه مع ان كتابات ومذكرات قسم من هؤلاء تكشف الخواء العقلي واللغوي والثقافي.
الغريب ان البعض لم يعد يستجيب الى الصور النقية من الحياة بما في ذلك الرموز الجمالية من فرح وسكينة وفن وكتب ومعرفة وعلوم وكأن الجميع مستغرق بوعي ام من دون وعي الى صور الادمان على البشاعة وتلاشت تقريبا صور البراءة والنبل والنقاء في مناخ وبيئة يصبح ظهور النزيه والمصلح والشريف والمتواضع والبسيط (كما لو انه مجنون) في نظر الاخرين ما لم يندمج مع نسيج البشاعة ويستعين باقنعة التخفي والتنكر.
في مجتمع الفرجة والمظاهر والاستعراض والنفاق والوشاية يتم عزل ومحاصرة ومطاردة واقصاء اصحاب الفكر الواع. هم يريدون من يمجد الاوهام ويخدع الناس من اجل التكسب لا يريدون من يتوقع المستقبل ويهدم فكر التلقين والتحجر.
انت مختلف اذن فأنت منحرف هذه هي الصورة النمطية التي يتم تسويقها كنوع من مشروع الاقصاء ومحو الاخر او على الاقل مشاغلته الى ان يندمج مع الاغلبية الساحقة ويتحول الى ببغاء في قفص الخداع الجماعي.
يقينا ثمة فرق كبير بين لغة الادب والثقافة التي تقوم على الكشف والمراجعة والتحليل الرصين والاسئلة العميقة وكشف المخبوء وبين لغة السياسة المصممة على اللف والدوران والتي هي عادة لغة جرائد ونشرات خبرية وانشاء مدرسي وتسطيح تلك اللغة التي تحلل كل ظواهر الكون وفق تحليلات رديئة ومبسطة.
التحول الذي ممكن ان ننتظره بعد مراحل من المعاناة والجروح والضيم والقلق والتوجس والانتظار وجود قيادة واعية تقود مرحلة التحول بذهنية وطنية مثقفة. بعيدا عن الانتفاخ والغطرسة والرغبات غير المشروعة وملكية القرار والعقار والحقيقة والشرف والتاريخ.
يقول الفيلسوف الفرنسي فرانسوا داغوني ي من منا لن يتحول يوما الى نفاية ويذكر بأن القبر هو حاوية، بعض النفايات لا يمكن تزويرها لكن بعض البشر له قدرة تحول رهيبة من اليمين الى اليسار ومن دور الى دور اخر مناقض له يدورون انفسهم حسب الحاجة والطلب.
اخر تلك التحولات ان يتحول الضحية الى جلاد، موظفون صغار حين يتسنمون مسؤوليات كبرى مباشرة يتماهون مع المسؤولية الجديدة بنوع من التقليد الاعمى فيتقمصون شخصية متزمتة وحقودة للتعويض عن عقد نقص ودونية كما يعبر عن ذلك فرويد.
او كما يقول ابن خلدون تقليد الغالب للمغلوب عندما تكون سلوكيات المسؤول افعال عن ردود افعال سابقة وثأر من دون رؤية او مشروع او فكرة مضادة. لن يجدوا امامهم سوى تصرفات من سبقهم ليقوموا هم بتقليدها وتكرارها هذا الاختلال العقلي هو دليل حي على تراكمات خطيرة وعميقة لا يمكن التغاضي عنها بالتفسيرات الاخلاقية السطحية. في وسط اجواء الضجيج والسباب والتسقيط والعدمية السياسية والاخلاقية وفقدان كل المقاييس لا تستطيعوا اقناعنا بأنكم علامة وطنية مضيئة. التحولات الايجابية هي نتاج سياقات من المعرفة والثقافة وتراكم علمي.
هكذا استطاعت البلدان المتقدمة ان تنتج حداثتها من خلال نقض النقيض ليتحول ويعبر الى ضفاف جديدة من الاسئلة والطروحات والحق في التغيير والاختلاف والخطأ غير المقصود، في حين بيئتنا السياسية والاجتماعية لها انماط جاهزة وقوالب وهو ما يتعارض مع تكوين الانسان المجهز اساسا للتنوع والاختلاف .
اضف تعليق