ما يشغل بال الجميع اليوم هو كيف سيكون (حل الدولتين) وبأي حدود وصيغة سينتهي وبأية ضمانات ايضا، أي ان العرب باتوا يدركون ان بقاء حماس ومن معها من الفصائل الاسلامية كقوة عسكرية وسياسية مؤثرة في غزة، بات من الماضي وان وضعا جديدا بات على الارض سيمهد لحل الدولتين...

لعل عبارة (حل الدولتين) من اكثر العبارات السياسية التي تناولها الاعلام العربي وحتى العالمي، منذ اكثر من ثلاثين سنة، لكن هذا (الحل) المفترض مختلف عليه من الجهات المتصارعة ومن يقف وراءها داعما او مؤيدا .. فالقوى المدنية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير وجامعة الدول العربية، تؤيد هذا الحل بضمان ان يكون على حدود 4 حزيران 1967 وهو ما ترفضه قوى اليمين الاسرائيلي وترى ان الكثير من الاراضي الفلسطينية التي كانت ضمن حدود فلسطين وفقا لتقسيم الامم المتحدة العام 1947 هي اراض يهودية ويجب ان تبقى كذلك، لاسيما بعد احتلالها في اعقاب نكسة حزيران وتداعياتها المعروفة. 

وفي المقابل ترى القوى الاسلامية الفلسطينية ممثلة بحماس والجهاد الاسلامي وبقية الفصائل ذات التوجه الديني المشابه، ان فلسطين يجب ان تحرر بالكامل من البحر الى النهر وان دولة باسم اسرائيل يجب ان لا تبقى على الخارطة كون فلسطين وفق رؤيتهم، (وقف اسلامي) لا يمكن التفريط بأي شبر منه. وهذا ما جعل المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين تفشل كل مرة، ومنذ مؤتمر مدريد العام 1991 مرورا بأوسلو وجميع المفاوضات الاخرى، وقد حصلت مواجهات مدمرة بين الطرفين من دون ان يحقق اي منهما اهدافه، لاستحالة تحقيق ذلك ولوجود موانع دولية ايضا. 

حرب غزة التي تدور حاليا، ربما تكون هي الحلقة الاخيرة في مسلسل الحروب، وينبغي ان تكون الدرس الأقسى ايضا لجميع الأطراف، والأمر لايتوقف على اطراف الميدان من فلسطينيين واسرائيليين وحدهم، وانما جميع الدول الكبرى المؤثرة في العالم وتحديدا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وغيرها، اضافة الى الدول العربية التي اغلبها متحمسة لإنهاء هذا الصراع الذي ظل يربك علاقاتها الاقليمية والدولية، وتريد انهاءه بشكل يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه ويطمئن اسرائيل على مستقبلها وسط محيط تعيش معه علاقة متوترة منذ اكثر من ثلاثة ارباع القرن، وصار يرى كثيرون ان استمرار هذا الحال لم يعد مبررا بعد ان اعترف العرب بإسرائيل في مؤتمر مدريد العام 1991 ومؤتمر قمة بيروت العام 2002 وبات عليها ان تتفاعل مع هذا الواقع السياسي الجديد بعيدا عن طوباويات اليمين الديني المتطرف واحلامه المريضة. 

لنكن اكثر وضوحا ونقول ان اغلب الدول العربية ومنذ اندلاع الحرب الاخيرة، على خلفية عملية (طوفان الاقصى) كانت ترى ان رد اسرائيل سيكون عنيفا وسيكسر شوكة حماس والفصائل الاسلامية الفلسطينية الاخرى، وسيمهد الطريق لمفاوضات تحسم الملف الفلسطيني بعيدا عن تطلعات حماس غير الواقعية، وكان هؤلاء يعتقدون ان الحرب لن تطول كثيرا وبعدها يتحول الملف الى طاولة المفاوضات، وان الدول العربية المؤثرة سيكون لها حضور سياسي متكئ على قرارات الشرعية الدولية، للمطالبة بحل الدولتين، وان عدم التدخل العسكري العربي كانت له مبرراته غير المعلنة، اي ان الدول العربية ترى ان الحرب ضد اسرائيل لم تعد مجدية لأكثر من سبب، من بينها غياب التكافؤ العسكري بسبب الدعم الاميركي والغربي لها، وايضا لعدم واقعية تدمير اسرائيل كون ذلك يخالف قوانين الامم المتحدة، حيث اسرائيل عضوا فيها.  

ما يشغل بال الجميع اليوم هو كيف سيكون (حل الدولتين) وبأي حدود وصيغة سينتهي وبأية ضمانات ايضا، أي ان العرب باتوا يدركون ان بقاء حماس ومن معها من الفصائل الاسلامية كقوة عسكرية وسياسية مؤثرة في غزة، بات من الماضي وان وضعا جديدا بات على الارض سيمهد لحل الدولتين، وهو ما يقع بكل تأكيد على عاتق اميركا وبريطانيا وفرنسا والمانيا بالدرجة الاساس، اذ لابد لهذه الدول الكبرى ان تضغط على اليمين الاسرائيلي من اجل انضاج رؤية مشتركة لحل نهائي، يضمن للفلسطينيين دولة خاصة بهم تضم الضفة والقطاع وبحكومة فلسطينية واحدة، وبخلاف ذلك فان الصراع سيستمر، حتى لو تم اسكاته لبعض الوقت، والأهم من ذلك هو ان النفوس ستبقى فائرة وسيكون هناك ما يغذي فيها رغبة الانتقام، لاسيما ان تلك الدول الكبرى تعهدت بحماية اسرائيل وعملت فعلا على ذلك، وبات عليها ايضا ان تتعهد بحماية الأمن في المنطقة، وهذا لا يقوم الاّ على حل يرضي ولو نسبيا جميع الاطراف، لكي تبدأ المنطقة مرحلة اخرى مختلفة.

اضف تعليق