الاستخدام السيئ لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة التي تعد الألعاب الإلكترونية أحد أمثلتها الشائعة من طرف الأطفال والشباب سيؤدي بهم نحو العنف السلوكي، ومن ثم التأثر بالأفكار والتيارات العنيفة وتنتهي بهم إلى مهاوي الجريمة أو الانحراف أو الهروب إلى الأمام بإدمان المخدرات والمؤثرات العقلية، بغية التخفيف من المؤثرات النفسية...

شهد العالم نمطاً من التطور التكنولوجي لاسيما في العشر سنوات الأخيرة قاد إلى إحداث تغييرات كبيرة جداً في مختلف المجالات وأهمها التواصل بين الناس عبر ما بات يعرف بـ"التكنولوجيا التفاعلية" أو التكنولوجيا الذكية، والتي من شأنها ان توفر وسطاً لنقل وتبادل الأفكار والمعلومات، وتم التأسيس لمواقع تسهيل هذه العملية، منها مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية ومواقع البحث والذكاء الاصطناعي وغيرها، والتي بدورها تجاوزت حدود الدول لتسهم في تكوين علاقات اجتماعية افتراضية بين مختلف أجناس بني البشر وبمختلف المراحل العمرية.

وتعد تكنولوجيا الاتصالات التفاعلية التي توفر الوسط الملائم للألعاب الإلكترونية المشتركة بيئة بمختلف مسمياتها ووسائلها خصبة بأنماط العنف والتنشئة العنيفة للطفل والفتيان والشباب وتتسبب في خلق وتعزيز أفكار تتصل بظاهرة العنف بمختلف أشكالها، حيث يؤكد علماء الاجتماع ان الألعاب الإلكترونية مسؤولة عن العديد من الأمراض العضوية والنفسية والعقلية كونها ترافق الشخص خلال سنوات التنشئة والتعلم والتأديب، إذ تفتح قنوات الاتصال والتواصل مع مختلف الأشخاص سواءً أكانوا معروفين أم مجهولين، وبلا توقيتات محددة، بعبارة أخرى اتصال بلا حواجز الزمان والمكان مع المجهولين والمغرضين والمعنفين أصلاً فتنتقل الأفكار السلبية لهذا الشخص وتظهر العلامات السلوكية عليه مباشرة، فان لم يتم التعامل مع هذا التهديد بشكل آني ومدروس ستتحول الحالة العرضية إلى حالة مرضية مؤقتة فتستحيل إلى حالة دائمة يصعب السيطرة عليها، أو التخفيف من أثارها.

إن الاستخدام السيئ لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة التي تعد الألعاب الإلكترونية أحد أمثلتها الشائعة من طرف الأطفال والشباب سيؤدي بهم نحو العنف السلوكي، ومن ثم التأثر بالأفكار والتيارات العنيفة وتنتهي بهم لربما إلى مهاوي الجريمة أو الانحراف أو الهروب إلى الأمام بإدمان المخدرات والمؤثرات العقلية، بغية التخفيف من المؤثرات النفسية والآلام العضوية دون الاكتراث بحجم الأضرار التي يمكن أن تصيبهم على المستوى الشخصي أو الأسري أو الاجتماعي.

 والغريب في الأمر غياب الدور الرسمي والاجتماعي المخطط للتصدي لهذا الخطر المحدق بالمجتمع العراقي، فلم يتساءل أحد على مستوى الوزارات المعنية كوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة الاتصالات والشباب والرياضة عن الأضرار النفسية والجسمانية التي تتسبب بها الألعاب الإلكترونية والآثار المدمرة التي تخلفها في الطفل عندما يكبر ولم توضع خطة أو يعقد مؤتمر تخصصي على الأقل بهذا الشأن، بل لم نسمع عن تشكيل فريق أزمة أو فريق عمل ليقدم التوصيات أو الحلول الممكنة للتصدي لهذه القنبلة الموقوتة، التي باتت تفتك بالمجتمع شيئاً فشيئاً وتؤثر على الصحة العقلية والنفسية للشخص بالدرجة الأساس، وتمتد أثارها وارتداداتها إلى مستواه الدراسي وسلوكه الشخصي في نطاق المدرسة والأسرة والمجتمع، ولم توضع الحلول الاجتماعية من قبل المؤسسات المعنية بالفرد والأسرة كمؤسسة المدرسة أو الجامعة أو العائلة أو العشيرة والقبيلة بوصفهما من المؤسسات الاجتماعية التي تتطلع بأدوار متعددة البعض منها تربوي ولا شك.

 ومن نافلة القول ان الأمر لا يقتصر على الصغار بل ان المتتبع للمشكلات التي تعرض بشكل يومي على المحاكم ومنها ظواهر الطلاق المتزايدة بالعادة يكون السبب المعتاد والأكثر تكراراً إدمان وسائل الاتصال الحديثة وما تؤل إليه من علائق شاذة ومخالفة للشرع والعرف والقانون، ولعل الأسباب التي تقف وراء إدمان الفرد للوسائل الإلكترونية ومنها الألعاب العنيفة:

1- السلوك الخاطئ للأم والأب حينما يرغبون في التخلص من الأطفال بمنحهم الأجهزة الإلكترونية والتي من شأنها ان تجتذب الطفل منذ نعومة أظفاره وشيئاً فشيئاً تحصل حالة من الإدمان عندهم.

2- فقدان الأسرة والمدرسة الكثير من الأدوار التنموية لشخصية الطفل والتي تلعب دوراً في تنشئته على الأخلاق الفاضلة وتنمي في ذاته حب طلب العلم والتنقيب عن الحقائق فيجد في وسائل التواصل أو الألعاب الملاذ الأفضل لملء ساعات الفراغ الطويلة عند الأطفال.

3- السياسات الحكومية الخاطئة في إدارة وتكوين المعلمين فالكليات والمعاهد المختصة بتخريج هؤلاء ينظر إليها على أنها الأقل شأناً وان الطلبة المنتسبين إليها هم من أصحاب المعدلات المنخفضة في المرحلة الإعدادية ما يتسبب بحواجز نفسية عميقة لدا المعلم قبل الطالب فكيف ننتظر من هذا المعلم ان يقود ثورة تربوية تنتشل الطفل من الواقع الافتراضي والالكتروني إلى الواقع الإنساني.

4- تعقيدات الحياة ومساهمة نسبة كبيرة من النساء في الوظائف وسوق العمل شغلهن عن الدور التربوي والأسري المناط بهن بالدرجة الأساس وكذا الأمر بالنسبة لأرباب الأسر وما تقدم يشكل حالة فراغ لدى الطفل ممكن ان تستثمر من الجهات الداعمة للبرامج الإلكترونية أولاً لتحقيق الأرباح الطائلة وثانياً لتمرير بعض الثقافات المستهجنة والتي باتت تجد لها صدى في مجتمعاتنا.

5- الجهل بالمخاطر الحقيقية لوسائل الاتصال التفاعلية والألعاب الإلكترونية خصوصاً والأخطر هو الجهل بالأضرار التي يمكن أن تنجم عن الاستخدام المفرط لها أو الاستخدام السيئ من طرف الشباب.

6- من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تعزيز السلوك العنيف لدى الشباب والأطفال وتزايد مستويات التنمر بكل تجلياته الإلكترونية والواقعية هو تعرض هؤلاء المتنمرون لموجات من الخوف والرعب فيما يرونه يومياً في الألعاب الإلكترونية وسائر وسائل الاتصال التفاعلي ولربما تعرضوا إلى عنف مماثل، فبحب التقليد الأعمى دون إدراك العواقب وخطورة هذه الأفعال.

7- ومن الثابت ان الوسائل التقنية الحديثة ومحتواها غير الهادف لاسيما الألعاب التي تحض على الكراهية أو العنف من شأنها ان ترسيخ بعض المفاهيم الخاطئة والأفكار المنحرفة بطريقة لا يمكن للأهل والمجتمع إدراكها إلا بعد تغلغلها في الأذهان فعلى سبيل المثال هنالك فكرة (التشكيك والتحبيذ) التشكيك أولاً بالثوابت ومنها القيم الدينية والاجتماعية وتحبيذ بعض الأفكار غير العقلائية ومنها المثلية أو الإلحاد.

8- ومن الأسباب الشائعة ان الأسر تتبع الأساليب غير السليمة في التعامل مع الطفل والتي تتمثل بأحد مظهرين (إما الاستجابة المطلقة لطلباتهم)، (أو الإهمال والرفض غير المسوغ لطلبات ورغبات الطفل) ويزيد من خطورة الأمر ان يكون سلوك الوالدين مصحوب بالقسوة أو العنف أو التمييز الخاطئ بين الأطفال (كالتمييز بين الذكور والإناث) أو إتباع الطريق التسلطي بجعل بعض الأطفال مسلط على بقية أشقائه أو ما شاكل ذلك.

وبالنظر لما تمتاز به مرحلة الشباب من قدرات لدى الفرد وفضول يقوده إلى حب الاكتشاف والبحث عما هو جديد للإطلاع عليه لاسيما ان التكنولوجيا تستهويهم بشكل كبير جداً دون البحث عم مضار أو الفوائد بشكل حثيث وجدي يضاف إليها الحرية المطلقة في استخدام وسائل التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة، وان الشركات المشغلة لتلك التقنيات تتطلب التسجيل بحسابات يمكن لأي شخص ان يضع بيانات زائفة ليحصل على حساب بصلاحيات كاملة بعيداً عن الرقابة الأبوية، وان تراكم الإهمال لهذه الفئة يمكن ان يصل بهم أولاً إلى ارتكاب الجرائم الإلكترونية والتي تعد من أكثر الجرائم غموضا وصعوبة في تحديد هوية مرتكبيها، ولا تقل خطورة عن الجرائم العادية التي تقع على أرض الواقع بل ان الكثير منها يجعل الضحية بمثابة الفاعل المعنوي بمعنى انه مسير ممن يسيطر على أفعاله ومشاعره ويسلب إرادته ويوجهه إلى مخالفة القانون والعدوان على الغير أو على النفس ولهذا شاعت مؤخراً حوادث الانتحار أو التجنيد من قبل المتعصبين.

ومن الناحية القانونية نجد ان اتفاقية حقوق الطفل للعام 1989 المصادق عليها عراقياً بالقانون رقم (3) لسنة 1994، قد نصت في المادة (19)على أن ((تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته))، بيد ان المشرع العراقي لم يواكب المخاطر المتقدمة إذ لم يقر إلى اليوم قانون متخصص بمواجهة الإجرام الالكتروني لذا كانت ولا تزال المحاكم تحاكم الجناة وفق مواد قانونية ٍعامة وردت في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 ومنها ما ورد بالمادة (410) والتي تنص على ((من اعتدى عمدا على آخر بالضرب أو بالجرح أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو بارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون)) والمادة السابقة تشير إلى مطلق العنف كما تنص المادة (403) على أن ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتابا أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوما أو صوراً أو أفلاماً أو رموزاً أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة)).

ولعل مما يزيد من خطورة الوضع هو طابع السرية الذي يحوط بعض المخالفات التي يرتكبها الشباب بدافع من وسائل الاتصال التفاعلية ومنها الألعاب الإلكترونية فطبيعة المجتمع والأعراف القبلية تمنع في الكثير من الأحيان الإبلاغ عن الجرائم من قبل الضحية أو الأسرة، لذا تفتقد الجهات الرسمية إلى إحصائيات دقيقة بعدد الجرائم الإلكترونية أو ضحايا العنف الالكتروني.

أما الحلول المقترحة لمعالجة المعضلة المتقدمة فان العلاج يقسم إلى قسمين:

الأول الطريق الوقائي: بمنع وقوع الأطفال في المشاكل بسبب العنف الذي تغذيه الألعاب الإلكترونية.

الثاني علاجي: بمعالجة الأسباب تمهيدا للتخلص منها وتكريس أسس التربية الحميدة القائمة على تكريس الفضائل والسلوك القويم. 

ويعزز من الحلول المتقدمة العديد من العوامل في مقدمتها:

1- التعليم: يعد العلم أحد أهم الحلول التي من شأنها المساهمة في التقليل من مخاطر الألعاب الإلكترونية والتأثير السلبي للتكنولوجيا التفاعلية عامة، بتوجيه سلوك الفرد منذ الصغر نحو تلقي المعارف والعلوم المفيدة من مصادرها النقية ما يسهم في رفع الوعي لدى هذه الفئة بالمخاطر التي تحيق بهم وبأسرهم فيكونوا أكثر تحصينا ضد المخاطر، ويكون استعمال الوسائل التقنية لأغراض علمية وليس لأغراض ملء الفراغ.

2- التركيز على الجوانب الشخصية: وتحفيز الاستعدادات الذاتية للشباب أنفسهم ليكونوا أداة فاعلة في بناء المجتمع الفاضل والسعي إلى تطوير الذات وليكون كل منهم داعياً إلى نبذ العنف والتطرف ورفض الأفكار المنحرفة ولا يكون ما تقدم دون تقديم الإسناد لهم في على جميع الصعد.

3- أهمية دور وزارة الشباب والرياضة في خلق أجواء مناسبة لملء الفراغ الذي يعانيه الشباب بإيجاد ساحات وملاعب ومنتديات ثقافية من شأنها ان تجتذب هذه الفئات ليمارسوا الرياضة ومختلف الهوايات بروح أخوية بعيداً عن العنف أو التسلط.

4- ان تتيح المدارس للشباب الفرصة للتعبير عن الذات والهوايات وممارسة الاهتمامات وان يكون الكادر المشرف على تدريس الطلبة مهيأ للتعامل النفسي مع هذه الفئة.

5- ان تأخذ الجهات الإعلامية الوطنية دورها في التعريف بالمشاكل العملية التي تواجه الشباب وتعرفهم بالمخاطر والتبعات التي تنتظرهم في حال ممارستهم السلوكيات التي تنطوي على عنف أو تعرضهم لمثل هذه السلوكيات وأهمية الإبلاغ عنها.

6- رفع وعي الجهات الأمنية للتعامل بحرفية مع المخاطر الإلكترونية بإغلاق المواقع التي تتبنى الألعاب المحرضة على العنف وملاحقة المروجين لها وفتح قنوات التواصل مع الصغار والأسر والمدارس لتأهيل الفتيان والفتيات الجانحين إلى العنف بتحديد الأسباب والقضاء عليها بشكل علمي وإنساني مدروس.

7- ان يدرك الفرد من الإباء والأمهات أهمية العلاقات الاجتماعية المباشرة بين الطفل والآخرين من أقربائه للتفاعل الإنساني المباشر.

8- أهمية العوامل الاقتصادية وعدالة توزيع فمن شأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة ان تدفع بالشباب لاستخدام تكنولوجيا الاتصالات التفاعلية بشكل سيء كوسيلة للتعبير عن الغضب تجاه المجتمع ولذا يمكن ان يلعب تحسين الوضع المعاشي للأسرة العراقية دوراً حاسماً في ابتعاد الشباب عن العنف.

9- نؤكد أخيراً أهمية تدخل المشرع لسن قانون يجرم العنف الالكتروني بكل أشكاله لاسيما الذي يستهدف الطفولة.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2024

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق