في ظل التحديات العصرية والضغوطات التي يواجهها المجتمع الحديث، تبرز المناسبات الدينية بوصفها فرصًا ذهبية لتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية. عاشوراء، هذه المناسبة الدينية العميقة في الدلالات والمعنويات، تحمل في طياتها معاني التضحية والإيثار والمحبة، وهي قيم يمكن أن نستلهم منها الكثير لتعزيز تلاحم الأسرة والمجتمع...
في ظل التحديات العصرية والضغوطات التي يواجهها المجتمع الحديث، تبرز المناسبات الدينية بوصفها فرصًا ذهبية لتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية. عاشوراء، هذه المناسبة الدينية العميقة في الدلالات والمعنويات، تحمل في طياتها معاني التضحية والإيثار والمحبة، وهي قيم يمكن أن نستلهم منها الكثير لتعزيز تلاحم الأسرة والمجتمع.
انطلاقًا من هذا الفكر، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بإجراء استطلاع رأي حول كيفية استثمار هذه المناسبة الفريدة في تقوية الروابط الإنسانية من حولنا.
إن إحياء عاشوراء ليس مجرد طقس ديني، بل هو مناسبة تنبع منها أعظم القيم الإنسانية التي نحاول أن ندمجها في حياتنا اليومية، لتعزيز الروابط وجعل مجتمعنا أكثر تلاحمًا وقوة. من خلال هذا الاستطلاع، تسعى (شبكة النبأ المعلوماتية) إلى تقديم توصيات واقتراحات عملية تهدف إلى تحقيق هذا الهدف النبيل، عبر إظهار كيفية تحريك القيم الحسينية في صميم العلاقة العائلية والاجتماعية.
تعزيز الأواصر الاجتماعية
التقينا الكاتب (فاضل المعموري)، فأجابنا قائلا: لو نظرنا إلى المناسك والشعائر الحسينية، سنجد أنها تعبر عن مشهد اجتماعي وإنساني بامتياز، ينبغي على المؤسسات الدينية والإعلامية، بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية، أن تستثمر هذا التجمع البشري الكبير وتوجهه نحو الاستماع للمحاضرات والمجالس التي تقدم توجيهًا وإرشادًا نفسيًا وتوعويًا وتربويًا.
هذه المناسبة تعزز التقارب المجتمعي بين الأفراد، خاصة بين المشاركين في مسيرة الحسين عليه السلام وأولئك الذين يفتحون بيوتهم أو ينصبون سرادقات الخدمة لاستقبالهم. إذا سألت أيًّا من هؤلاء عن عمق العلاقات الإنسانية والاجتماعية التي تنشأ خلال هذه المناسبات، ستجدهم يروون لك قصصًا عن الروابط التي تكوّنت، منها ما أدى إلى ارتباطات عائلية وزيارة متبادلة بين العوائل من مختلف المحافظات.
إن مثل هذه المناسبات لا تقتصر فقط على إحياء ذكرى دينية، بل تعزز الأواصر الاجتماعية وتقويها، وتمنح هذه العلاقات بُعدًا دينيًا وأخلاقيًا يحترمه جميع المشاركين. فطوبى لمن يسير في هذه المسيرة بإيمان ووعي لعظمة الحدث، وطوبى لمن يخدم السائرين بنية صادقة ومخلصة لله وحده.
تعزيز الروابط وتعميق القيم
فكان جواب (أوراس ستار الغانمي)، طالبة جامعية: مناسبة إحياء عاشوراء تحمل بين طياتها فرصًا كبيرة لتعزيز الروابط العائلية والاجتماعية. هذه الفترة تعمق الشعور بالتضامن والتكاتف بين أفراد المجتمع، حيث يتجمع الناس في مختلف الأنشطة والفعاليات لإحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) والتعلم من قيمه ومبادئه.
أولاً، تعتبر عاشوراء فرصة ذهبية لتعزيز الروابط العائلية. يمكن للأسر أن تجتمع معًا للمشاركة في الأنشطة الدينية والخدمية، مما يخلق جوًا من الوحدة والتلاحم. من الأمور التي تعزز الروابط العائلية خلال هذه المناسبة هو إعداد الطعام والتوزيع على المشاركين، حيث يساهم جميع أفراد الأسرة في هذا النشاط، مما يقوي الروابط بينهم ويعزز شعور التعاون والتكافل. يمكن أيضًا تنظيم الجلسات المنزلية التي تركز على قراءة سيرة الإمام الحسين (ع) وقصص البطولة والتضحية، ما يعيد إحياء القيم النبيلة ويعلم الأجيال الشابة الدروس المهمة.
ثانيًا، مناسبة عاشوراء تعزز الروابط الاجتماعية بطبيعة الحال. في خدمة المواكب الحسينية، يشارك الأفراد في العمل الجماعي ويتعاونون لتحقيق هدف مشترك، متجاوزين أي اختلافات فردية سواء كانت اجتماعية أو ثقافية. هذا النوع من التعاون والعمل المشترك يعزز من الشعور بالانتماء إلى المجتمع ويزيد من التفاهم والتقارب بين أفراده. يمكن أيضًا تنظيم فعاليات مجتمعية مثل التجمعات الخيرية والدروس والمحاضرات الدينية التي تجمع الناس بمختلف فئاتهم وتساهم في بناء جسور التواصل والتفاهم.
ثالثًا، تعزز عاشوراء من روح الكرم والعطاء في المجتمع. العديد من الأسر والجمعيات تقوم بتوزيع الطعام والمساعدات على المحتاجين، مما ينشر روح المشاركة والتكافل في المجتمع. هذه الأعمال الخيرية تزيد من التلاحم وتخلق بيئة من الترابط الاجتماعي المبني على القيم الإنسانية السامية.
أخيرًا، يمكن استثمار مناسبة عاشوراء في تعزيز الروابط العائلية والاجتماعية من خلال تطوير برامج تعليمية وثقافية تركز على القيم والدروس المستفادة من هذه الذكرى. يمكن للمدارس والمراكز الثقافية والدينية تنظيم ورش عمل وندوات تسهم في نشر الوعي وتعميق الفهم حول أهمية عاشوراء ودروسها في حياتنا اليومية.
مناسبة عاشوراء تحمل العديد من الفرص لتعزيز الروابط العائلية والروابط الاجتماعية. من خلال الأنشطة المشتركة، والعمل الجماعي، والروح الخيرية، يمكن لهذه المناسبة أن تسهم بشكل كبير في تعزيز القيم الإنسانية والتلاحم الاجتماعي.
موسم التقارب
(حكمت العياشي)، مصور فوتوغرافي، يعبر في حديثه: عاشوراء من المواسم الثقافية المهمة في المجتمع الشيعي او الأمة الشيعية وحتى على المجتمعات القريبة من الفكر الشيعي ودائماً المجتمعات بحاجة إلى دافع روحي عاطفي اجتماعي مشترك للتقريب. فلا بد من استثمار هذا الموسم لتذويب وصهر العادات السيئة في المجتمع ووضع معالجات سليمة تساهم في تقليل من المظاهر السلبية فعلى سبيل المثال ستكون كربلاء المقدسة بيئة عمل مناسبة كونها ستحتضن الكثير من الرؤى والثقافات المختلفة من الناحية الفكرية والاجتماعية. فلابد من تنضيج الخطاب بصورة عامة لكي ينفتح أبناء الوطن جميعاً على مبادئ الامام الحسين (عليه السلام) والدعوة إلى التبادل المعرفي من خلال مشاركة دعاة وعلماء ومثقفين عن ما جرى في كربلاء من أحداث. كذلك تفعيل دور المؤسسات الاعلامية والثقافية لوضع برامج توعوية وتثقيفية للتعريف بالإمام الحسين (عليه السلام) مع مراعاة مشاعر قناعات الطرف الآخر.
لقاء العوائل وتأصيل القيم
الشاعرة والأدبية (أشواق الجنديل)، مصممة أقدم في الهيئة العامة للأثار والتراث قسم الإعلام: تجتمع بعض العوائل في بيت واحد ليلة العاشر لإحياء هذه الليلة العظيمة، حيث يسهرون حتى الصباح بالذكر والبكاء وإعداد الطعام وممارسة كافة شعائر الحزن والأسى. تنتقل هذه العادات والتقاليد من جيل إلى جيل، وفي الوقت نفسه يلتقي أفراد العائلة مع الأهل والأقرباء، مما يعزز العلاقات والروابط الاجتماعية بينهم. فحب الحسين يجمعنا دائمًا.
فرصة لإصلاح العلاقات الأسرية
يتحدث (أحمد هاشم الزبيدي)، مدير فني، أجاب: هذه المناسبة العظيمة تمتلك قدرة فريدة على تقريب البعيد وتلطيف القلوب القاسية. تحث الأغنياء على إنفاق أموالهم لخدمة الزوار، وتشجع الأسر المتخاصمة على إعادة التواصل والانتباه إلى بعضها البعض. في هذه الأوقات، نلاحظ عودة التواصل وحضور المجالس الحسينية المباركة، حيث تصطحب الأم أطفالها إلى مجالس النساء، بينما يصحب الأب أبناءه إلى مجالس الرجال. من خلال هذه اللقاءات، يتبادل الأفراد التساؤلات ويتعرفون على بعضهم البعض بشكل أفضل بعيدًا عن ضغوط الأعمال والحياة اليومية. تُعد هذه المناسبة فرصة ذهبية لإصلاح وترميم الحياة الأسرية والمجتمعية من خلال استذكار آل محمد عليهم السلام والمظالم التي تعرضوا لها في هذه الذكرى الأليمة.
تعزيز الروابط الإنسانية من خلال قيم الحسين
تتحدث الصحفية (سارة الجنابي): القضية الحسينية ليست قضية عادية؛ فهي قضية إنسانية بحتة. عاشوراء من أهم المناسبات الذي نتعلم فيها كيفية تعزيز الروابط من حيث المبدأ والقيم الأخلاقية. في هذا الشهر، استشهد سيد شباب أهل الجنة، الحسين (عليه السلام)، وأهل بيته وعترته (عليهم السلام).
عاشوراء هي واقعة الطف الأليمة، حيث ضحى الحسين (عليه السلام) بنفسه وأهله لأجل الدين والإسلام، من أجل كلمة الحق، وصوت الفقير والمحتاجين، ومن أجل القيم والمبادئ. يجب على كل مسلم ومسلمة تعزيز هذه الروابط الاجتماعية والأسرية من خلال العمل الصحيح الذي يخدم الأسرة والمجتمع.
في هذا الشهر، تتجه العقول والنفوس بكل جوارحها نحو الحسين (عليه السلام)، وهي تردد: "لبيك يا حسين" و "هيهات من الذلة"، لأن الحسين ابن علي عليه السلام هو سفينة النجاة، أي النجاة من الذل والانكسار واليأس، وقول الحق حتى لو كان ضد حزب أو سياسي معين.
علينا الالتزام بالأخلاق الروحية التي هي روح الإسلام، والتي لا تقتصر على شيعة الحسين فقط بل تشمل المسلمين كافة. الحسين عليه السلام هو ميزان الحق ورمز التضحية. في هذا الشهر، يجب أن يحب الأخ أخاه المؤمن، وأن يكون داعماً له، وأن يتصدق المسلم للفقراء والمساكين، ويزور المريض، ويعطف على الصغير، ويحترم الكبير، ولا يستصغر الناس، ولا يتكبر، ولا يغتاب أحدًا. هذه هي تعاليم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.
ويجب أن تحافظ النساء على حجابهن وسترهن، لأن خير مثال لنا ولبناتنا هي السيدة زينب عليها السلام، فهي قدوتنا وهيبتنا. يجب على الأمهات تعليم بناتهن العفة والاقتداء بالسيدة الزهراء عليها السلام، وأن تكون الأم صديقة حميمة لابنتها، لا أن تكون صارمة إلى حد القسوة. والأب يجب أن يكون رفيقًا جيدًا لابنه كي لا تجر قدميه إلى المحرمات والأمور السيئة مثل المخدرات وغيرها.
الكلمة الطيبة تعتبر صدقة، وما أجملها في يوم مبارك يحث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه على التقرب إلى الله. الكلمة الطيبة في يوم عاشوراء هي أفضل ما يتهادى الناس فيه.
الحسين (عليه السلام) هو رمز الثقافة الإسلامية، والسيدة زينب (عليها السلام) كانت أقوى إعلامية بكلامها وقوتها، كوالدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولهذا يجب الاقتداء بهم.
القضية الحسينية: خطوات للتقوى والوحدة
فأجابتنا (رشا عبد الجبار العبادي)، كاتبة في مجلة رياض الزهراء (عليها السلام) ومدونة الكفيل: برأيي المتواضع، يمكن أن نستثمر في القضية الحسينية من خلال عدة خطوات، منها:
- عندما يكون المجلس الحسيني مُخصصًا لوجه الله تعالى ولخدمة سيد الشهداء عليه السلام، يجب على أصحاب المجالس أن يبدوا بتوطيد علاقاتهم مع أقربائهم وإخوتهم، ومن ثم إقامة هذه المجالس بقلوب سليمة خالية من الحقد والكراهية.
- ثورة الحسين عليه السلام هي ثورة حب وعبادة وتقوى لله عز وجل. فقد كان يعطف على أعدائه رغم ما فعلوه به، فكيف نوفق لخدمته ونحن نركن إلى الحقد؟
البدء بصفحة جديدة، وتعزيز ذلك بالنية الطيبة، والدعاء لهم، والحرص على خدمتهم في الأمور الممكنة، يمكن أن يساهم في تحقيق هذا الهدف.
أهمية عاشوراء في تعزيز الروابط الاجتماعية والعائلية
طرحنا السؤال على الشاعر والكاتب الصحفيّ (زين العابدين السعيديّ)، رئيس تحرير شبكة المعارف للتُّراث الإسلاميّ، فأجاب بالقول: كانت وما تزال المناسبات الدينيَّة محطاتٍ اجتماعيَّةً مهمَّةً؛ تُسهِم في تعزيز الروابط العائليَّة، وتدعم التكافل الاجتماعي بين أبناء المنطقة الواحدة، فضلًا عن دور هذهِ المناسبات في تقريب وجهات النظر واستئصال بعض الخلافات في المجتمع.
ومن أهمّ المناسبات الدينيَّة التي لها دور في تعزيز الروابط العائليَّة والاجتماعيَّة، هي مناسبة ذكرى عاشوراء الأليمة، وتأتي هذه الأهميَّة من ثلاث نقاط:
-المدة الزمنيَّة الطويلة لهذه المناسبة؛ إذ تمتدّ على مدى شهرين تقريبًا.
-الفعاليات الدينيَّة المتعددة المرتبطة بهذه المناسبة، فلا يخفى على أيّ متتبّع ما يرتبط بهذه الذكرى من مواكب ومجالس وتجمّعات وغير ذلك.
-المشاعر الجيّاشة التي تنتاب الموالين بالتزامن مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين وأصحابه -عليهم السّلام- فيكون الإنسان في هذهِ الحالة أقرب للصُلح والتفاهم والنقاء.
وبالإمكان استثمار مناسبة إحياء ذكرى عاشوراء في تقويَّة الأواصر العائليَّة وتحسين العلاقات الاجتماعيّة؛ عن طريق تنظيم المجالس العزائيَّة والندوات الحواريَّة والفكريَّة، وحتّى طهي الطعام وتوزيعه يمكن استثماره على المستوى العائلي، حيث التجمّع والتعاون بين أفراد العائلة الواحدة، وبالتالي تحسين العلاقة على المستوى النفسي للفرد والمستوى العائليّ.
تواصل وتكاتف عائلي واجتماعي
الفنان المسرحي ومقدم برامج (عمار رميض)، أجاب: إحياء ذكرى عاشوراء يسهم في تعزيز الروابط العائلية والاجتماعية من خلال تنظيم مجالس عزاء تجمع الأسرة والمجتمع، تلاوة القرآن، سرد قصة الإمام الحسين، والمشاركة في الأعمال الخيرية. هذه الأنشطة تساهم في تعزيز التواصل والتكاتف بين الأفراد.
تعزيز الطاعة والتلاحم العائلي
أما الأكاديمية (أريج فاضل)، تدريسية في المعهد التقني الديوانية، قالت: حسب نظري المحدودة، من المهم الاعتماد على الطاعة للتعليمات واحترام ولي الأمر في بعض القرارات التي تصب في مصلحة الأسرة، خاصة إذا كان ولي الأمر يتمتع بالحكمة والصلاح والتدين والفهم. يمكننا استلهام العبر من موقف السيدة زينب (عليها السلام) عندما خرجت مع الإمام الحسين (عليه السلام)، وكذلك من دعم ومساندة قضيته السماوية. بالنسبة للأخوة، يجب أن يكونوا سندًا لبعضهم البعض ويطيعوا الأوامر مثلما فعل أبو الفضل العباس (عليه السلام) مع أوامر الإمام الحسين (عليه السلام). يجب أن ندخل تعاليم عاشوراء في الأسرة العراقية بما يتعلق بالصبر والمساندة وتحمل المصائب. أسأل الله أن يوفقكم لكل خير، وأتمنى أن تكون ملاحظتي البسيطة قد حملت فائدة ولو قليلة.
دروس إنسانية متجددة
من جهته أجاب الدكتور (علاء كريم)، ناقد وباحث أكاديمي، بالقول: بما أن الأسرة تعد الوحدة الأساسية في المجتمع، فإنه من الضروري تعزيز قيم الانتماء الإنساني والمشاركة الفعالة في هذا المجتمع. يمكن تحقيق ذلك من خلال ترسيخ عدة قيم وأفعال نبيلة، مثل: الشجاعة، نصرة المظلوم، الوقوف ضد الظالم، التضحية، حب الآخرين، والفداء. بالإضافة إلى ذلك، يجب السعي لتطوير أفراد المجتمع والانفتاح على الآخرين لتعزيز الهوية الاجتماعية. تتجسد هذه القيم في عناصر متعددة تشمل الشعور بالعاطفة، الأمان، العادات والتقاليد، والقيم العائلية والمعرفية والاجتماعية. هذه القيم قد توفر شعوراً بالرفاهية.
يرتبط هذا الموضوع بمخرجات واقعة الطف وتجارب عاشوراء التي أثبتت من خلال التضحيات ورفض الظلم المفروض على الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه. إن ما تجسد ضدهم من معاناة واستكبار يعد درسًا للأجيال المتعاقبة حول القيم الإنسانية. إذ تعتبر عاشوراء مناسبة لاستحضار هذه القيم الإنسانية وتلقين الأجيال دروسًا تتعلق بحفظ الهوية والدفاع عن القيم التي تهم المجتمع والأرض.
أكدت عاشوراء على إحياء الواقع الاجتماعي والصمود ضد الأفكار السلبية وكل ما يفرض من حصار على الإنسانية. يمكننا استنتاج أن عاشوراء هي مدرسة تتجدد سنويًا، تحمل رؤى ومفاهيم معاصرة تلامس الواقع الاجتماعي للأفراد. يدرك الأفراد من خلالها أن الإمام الحسين وأهل بيته يمثلون مصدر قوة للإنسانية جمعاء. وبالتالي، فإن التمسك بعاشوراء يعد إحياءً للفكر والتراث وكل الأفعال النبيلة.
شعائر تجمع الأجيال
الكاتبة (زينب فاضل المرشدي)، قالت: عاشوراء هي مناسبة تحمل شعائرا متنوعة يشارك فيها الصغار والكبار، وهي فرصة مهمة لتعريف الأطفال بمعركة الطف والأحداث والظروف التاريخية المحيطة بها. تشمل أجواء عاشوراء توزيع الأطعمة، والمشاركة في المجالس الحسينية، وارتداء السواد، والاستماع إلى القصائد الحسينية، مما يخلق فرصًا للتواصل الفكري والاجتماعي داخل الأسرة ومع المحيط.
غالبًا ما تحتفظ العوائل في مجتمعاتنا الشيعية بشعائر خاصة بها في هذه الليلة، حيث تتجمع في مكان واحد لإحياء الليلة معًا من خلال قراءة الأدعية والأعمال الخاصة بها، وقراءة زيارة عاشوراء وبعض الصلوات المستحبة. كما يتم تقديم أطعمة معينة مثل خبز العباس، والزردة، والهريسة، والكعك في هذه الليلة.
تسهم هذه الشعائر في تعزيز التواصل والتفاعل الديني، ليس فقط بين العوائل الشيعية، بل أيضًا تشمل العوائل العراقية من المذاهب والأديان الأخرى التي تشارك في هذه الأجواء الخدمية الحسينية.
دروس التحرر والإصلاح
جواب الأستاذة (جنان مالك)، مدرسة الاحياء: مناسبة عاشوراء تتيح لنا التأمل في منهج الإمام الحسين (عليه السلام) في دعوته لتحرير العقل من أغلال الاستعباد. يجب علينا استثمار هذه الفرصة لاستخدام قوة المنطق بدلاً من منطق القوة لبناء مجتمع متماسك وأخلاق سوية. تعد هذه المناسبة فرصة للاستنقاذ من دوامات الحيرة، وإجراء إصلاحات على الذات، وتحقيق التغيير الاجتماعي من خلال التوجيه والإرشاد واستلهام الدروس والعبر من سيرة أهل البيت (عليهم السلام). فالكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة تؤتي ثمارها الطيبة في كل حين.
فرصة الإصلاح وتعزيز الروابط الاجتماعية
(سجاد حسن عواد)، كاتب وصحفي، أجاب: يمكن استثمار مناسبة عاشوراء في تعزيز الروابط العائلية والاجتماعية بطرق عديدة، أبرزها تلك المتعارف عليها في مجتمعنا العراقي. فعلى سبيل المثال، يقيم المسجد القريب من الحي مجلس عزاء يستذكر فيه مصيبة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ويحضرها أهالي الحي أو من الأحياء المجاورة. في هذه المجالس، يتمكن الجار من رؤية جاره، والصديق من لقاء صديقه، والقريب من التفاعل مع أقاربه، والأخ من لقاء أخاه. يتبادلون الأحاديث الجانبية، وعبر هذه الأحاديث، يمكن أن يتم الاستثمار في مناقشة مواضيع مفيدة، مثل كفالة الأيتام أو رعاية كبار السن المتروكين، أو التعاون للقضاء على عمالة الأطفال دون سن الرابعة عشرة.
إذا تمكن كل مجتمع من الاتحاد وتكوين حلقة صغيرة يديرها شخص معني، مثل كبير المنطقة أو خبير فيها، فسيكون بإمكانهم تحقيق نتائج إيجابية للقضاء على إحدى المشكلات الاجتماعية في أحيائهم أو في الأحياء المجاورة.
هذا جزء بسيط مما يمكن للناس استثماره في أيام عاشوراء، التي هي أيام حزن ومصيبة. فقد خرج الإمام الحسين (عليه السلام) لإصلاح مجتمعه في ذلك الزمان، وبالتالي يجب على تابعيه وغيرهم أن يحذوا حذوه ويعملوا على إصلاح مجتمعاتهم والحد من انتشار الفساد فيها.
درس في بناء جيل واعٍي ومجتمع قوي
توجهنا بالسؤال إلى الدكتور (غزوان المؤنس)، تدريسي في قسم الصحافة بكلية الآداب/ جامعة أهل البيت (عليهم السلام)، فأجابنا بالقول: عاشوراء درس إنساني وثوري بليغ، ولهذا يجب أن نستثمر هذه المناسبة في بناء المواطن بشكل صحيح مما ينعكس على العائلة والمجتمع. بناء الأولاد على نهج عاشوراء سوف يخلق جيلاً واعياً ملتزماً بالقيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، مجتمعاً يرفض أن يكون تابعاً وإنما مجتمع مفكر رافض للظلم والفساد.
لذا نجد ان أهمية عاشوراء في بناء المجتمع، يكمن في مجموعة من القيم من خلال ترسيخ القيم الدينية، تعليم الأجيال الشجاعة والصمود والثبات على المبادئ الدينية والأخلاقية، اضافة الى تعزيز الهوية من خلال تذكير الأفراد بأهمية الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية والتاريخية.
اضافة الى القدوة الحسنة، من خلال تقديم شخصية الإمام الحسين وأصحابه كقدوة حسنة للأجيال في الصبر والإيمان والإخلاص.
ولهذا باستثمارنا لهذه القيم والمبادئ التي يجسدها يوم عاشوراء، يمكننا بناء مجتمع قوي ومتماسك، يرفض الظلم وينشد العدالة والحرية.
فرصة لبناء وتعزيز القيم المجتمعية
فكان جواب (خلود الربيعي)، رئيس مؤسسة قمر بني هاشم للتعليم والمساعدات الإنسانية: ان موسم عاشوراء أحد اهم المواسم خلال السنة التي يمكن استثمارها في اعداد وبناء المجتمع والعلاقات الاجتماعية حيث ان هذا التغيير يحدث ببركات سيد الشهداء عليه السلام وعلى سلسلة من المستويات التي قدمتها ملحمة الطف في بناء هذا النموذج المجتمعي الالهي المتكامل انطلاقا من الفرد ذاته ثم اسرته ثم مجتمعه من خلال:
-مراجعة القيم والمبادئ:
عاشوراء هي فرصة لمراجعة الفرد لقيمه ومبادئه، مما ينعكس إيجابياً على عائلته ومجتمعه.
يمكن أن يكون هذا الموسم نقطة انطلاق لتعزيز الأخلاق الحميدة والعودة إلى المبادئ الإسلامية السمحة في المحبة والاخوة من خلال الاقتداء بالإمام الحسين عليه السلام من جانب علاقته بأسرته، اولاده واخوته واصحابه اذ ان المنطلق هو رضا الله سبحانه وتعالى.
-استخدام استراتيجية المراقبة والتقييم من خلال:
• يمكن للفرد أن يخصص وقتًا يوميًا للتأمل والقراءة في سيرة الإمام الحسين عليه السلام والاستفادة من حكمه ومواقفه.
• كتابة مذكرات يومية لتدوين الأفكار والمبادئ التي يتعلمها من خلال قراءة سير أهل البيت عليهم السلام وقياس لمدى تطبيقها في حياته.
-تعزيز التربية الدينية:
استثمار هذه المناسبة في بناء العادات الدينية من خلال التربية.
اذ تعد عاشوراء فرصة ذهبية للوالدين لتعزيز التربية الدينية للأبناء من خلال بناء عادات وسلوكيات دينية من خلال مجموعة من الاستراتيجيات منها:
• إقامة حلقات تعليمية للأطفال لتعليمهم كيفية الصلاة وأهميتها.
• تخصيص وقت للعائلة لأداء الصلاة جماعة وتعليم الأطفال كيفية أداء الصلوات بشكل صحيح.
-جلسات عائلية للتدارس والتفكر:
تنظيم جلسات عائلية للتدارس والتفكر في علوم أهل البيت عليهم السلام ودراسة والتعرف على سيرتهم العطرة من خلال سلسلة من المسابقات والجلسات من خلال استراتيجيات مختلفة منها:
• تنظيم جلسات أسبوعية لمناقشة قصص من سيرة الإمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام، تتخللها مسابقات لتحفيز الأطفال والشباب.
• إعداد مكتبة عائلية تحتوي على كتب عن سيرة الإمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام.
-تفعيل الجانب العاطفي:
المشاركة الجماعية في التهيئة الروحية لهذا الشهر من خلال إعلان الحداد ولبس السواد والمشاركة في الإعداد والحضور للمجالس الصغيرة على مستوى العائلة والمجالس العامة من خلال تفعيل جانب المودة والحب وترسيخها في نفوس الابناء والاقارب
وذلك باتباع استراتيجيات مختلفة منها:
• إقامة مجالس عامة في المراكز الثقافية والمساجد لمناقشة دور الإمام الحسين عليه السلام وأثره على المجتمع، مع دعوة العلماء والمفكرين للمشاركة لما لها من اهمية في مناقشة الافكار وتعزيز الروابط المجتمعية.
• تنظيم مسيرات سلمية تضامنية وفرق ثقافية تحمل شعارات تدعو للوحدة والتسامح مستوحاة من قيم ومبادئ عاشوراء تعزز الروابط المجتمعية.
-تعزيز مفهوم العطاء والتعاون:
تعزيز روح العطاء والتعاون في العائلة والمجتمع، مما يعزز مفهوم التكافل على المستويين المادي والمعنوي من خلال العديد من الطرق منها:
• إطلاق حملات جمع تبرعات لتوزيع المساعدات على الفقراء والمحتاجين في المجتمع.
-تعزيز روح العمل التطوعي:
تعزيز روح العمل التطوعي بأن يكون الهدف أسمى من النظرة المادية للأمور، مما يؤدي إلى تذويب الجانب المادي والفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع بالعديد من الطرق منها:
تقديم الخدمة التطوعية وبكافة أشكالها المادية منها من اعداد الطعام وتوفير أماكن الراحة للزائرين وغيرها الكثير وذلك على مدى شهرين..
اذ تعتبر الزيارة الأربعينية من أكبر التجمعات في العالم والتي لا نضير لها في اي مجتمع اخر كونها تتخلى عن كل الماديات والكل نحو هدف واحد وهو رضا الله سبحانه وتعالى.
أهمية الشعائر الحسينية في بناء المجتمع
القاصة (أشواق الدعمي)، أجابت قائلة: أحياء الشعائر الحسينية لها تأثيرات كبيرة على الفرد والمجتمع لاسيما أنها تعمل على الإصلاح العام وتصحيح المسارات تنمية الفكر فالشعائر الحسينية هي صلة الوصل بين الماضي والحاضر وهي التي تُبقى جذوة تضحية الحسين متقدة على مرّ العصور فهي الصراع الأبدي بين الحق والباطل.
إن الاستمرار بإقامة الشعائر الحسينية مسؤولية تضامنية تقع على عاتق الجميع وذلك من خلال إقامة الشعائر الحقيقية والأصيلة والمأخوذة من المصادر والروايات الصحيحة والمعتبرة والتي لا تخالف الثوابت ولا تسيء للمجتمع الشيعي السائر على التضحية والفداء طريق مبادئ وعقيدة الإمام الحسين عليه السلام.
استمرار الشعائر الحسينية بوجهها الناصع هي في الابتعاد عن الممارسات التي تسيء للقضية الحسينية وتؤثر على النظرة العامة للمجتمع الشيعي وتؤثر تأثيراً سلبيا على استمرار الشعائر الحسينية الصحيحة؛ فلذلك يجب نبذها والابتعاد عنها ورفضها رفضا قاطعا حتى يبقى طريق الحسين عليه السلام ناصعا لا تشوبه الشوائب وبذلك يكون استمرار الشعائر الحسينية من الثوابت التي لا يمكن التخلي عنها أو طمرها ويجب إن يكون ممارستها بطريقة يحبها أهل البيت ويحبون من يمارسها.
وبما إن الشعائر الحسينية تقوم على العمل الجماعي ؛فهي تساعد على تقوية الاواصر الفكرية والعقائدية والاجتماعية بين أفراد المجتمع وهي بذلك تلغي أو تقلص الفردية ؛فوجود هذه الشعائر السنوية فرصة لجعل الأفراد إلا يصلوا إلى مرحلة التقاطع والتفكك فيما بينهم وذلك لاستحاله العمل جنب إلى جنب لذا تعتبر هذا الشعائر هي صمام الامان والمدرسة التي تربي الفرد على مقاومة الباطل والاصلاح والتضامن الاجتماعي ونبذ الانانية والفردية ؛فهي توفر المناج المناسب للعمل الجماعي وتنمية الاستعداد للتضحية والالتزام بالقيم والمبادئ الحسينية.
كما إن الاستعداد السنوي لتقديم الخدمة للزائرين من قبل العوائل تحتاج إلى تضامن جميع أفراد العائلة لتحمل اعباء الخدمة وهذا التالف والتضامن يولد اواصر تقوي الروابط العائلية والمشاركة الجماعية مهما كبرت أو صغرت فهي شرف يعود للجميع وليس للفرد الواحد وهذا العمل بحد ذاته يؤدي إلى تعزيز العلاقات الاجتماعية بين الاقارب والجيران.
استثمار عاشوراء: دعوة لتأثير إيجابي دائم على الأسرة
ختاما مع الإعلامي (حسين النعمة)، رئيس تحرير مجلة العتبات، قال: لا يخفى أن موسم عاشوراء فيه مساحات كبيرة ينبغي استثمارها في دفع الاسرة نحو الخير وتشجيع افرادها بإعداد وإقامة مختلف البرامج والأساليب فيه.. ولابُدّ من تضافر كلّ الجهود لاستثمار موسم عاشوراء، فله طاقة كبيرة فاعلة، لكنّنا لا نستفيد منه إلّا بمقدار محدود وهو التأثر الموسمي؛ وعلى الاعم الاغلب لدى أكثر الأُسر يكون هذا التأثر نتيجة الحدث وإقامة الشعائر الحسينية والممارسات المحصورة بين القبول والرفض.. والسؤال هل هذا التأثر دائم وحاضر وهل له تأثير معنوي ينعكس على افراد الاسرة؟، مما لا شك فيه هنالك تفاوت في هذا المضمار حيث يُنشأ من هذا التأثر إن كان حقيقيا جيلا متمكنا من فكره وعقيدته وهذا المنشود لكن؛ للوالدين والمؤسسة والعتبات ورجال الدين والمنبر دور كبير في هذه التنشئة، وبالمشاركة الفاعلة من قبل الجميع في هذه المناسبة وبعدها اي بديمومة الجميع على جعل نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) قضية وهي قضية حقّة وكفّة تعادل يوم الغدير، والحديث في الاعم الذي يقتادنا الى التخصص الدقيق في معرفة معاني هذه القضية وكيفية جعلها مرآة لتنشئة الاجيال القادمة، وكذلك الفرد وهنا رغم أهمية ودور المشاركة في إقامة الشعائر وإنها مناسبة لكل واحد من أبناء المجتمع حيث يجب أن يكون له دور فاعل، وأن يقدم من وقته وجهده وماله وجاهه في إحياء هذه المناسبة؛ لأننا وطبقًا للروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) نعتقد أن أيّ جهدٍ يبذل في هذه المناسبة يقابله ثواب عظيم عند الله تعالى، ويكفينا ما قاله الإمام الرضا : «من جلس مجلسًا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»؛ لذا فأن إحياء أمر اهل البيت دستور بحاجة الى الجمهور الذي يعلم كيف يحيه ليحيى معه.
اضف تعليق