وجدت دراسة حديثة أن ارتفاع الحرارة، الذي يؤدي إلى ذوبان كتل الجليد وسقوطها في المحيطات، يسبّب توزيع تلك الكتل الثلجية في أنحاء الأرض؛ ما يسفر عنه تباطؤ في دوران الكوكب، وتعاني الكرة الأرضية، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، ظواهر طبيعية متطرفة ناجمة عن تغير المناخ، أبرزها ارتفاع الحرارة والجفاف...
يؤدي تغير المناخ إلى إطالة مدة اليوم بصورة طفيفة، وفق ما خلصت إليه دراسة سويسرية حديثة، طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، أجرى الدراسة فريق بحثي بقيادة مصطفى كياني شاه فاندي، من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ (the Federal Institute of Technology Zurich (ETH)، ووجدت الدراسة أن ارتفاع الحرارة، الذي يؤدي إلى ذوبان كتل الجليد وسقوطها في المحيطات، يسبّب توزيع تلك الكتل الثلجية في أنحاء الأرض؛ ما يسفر عنه تباطؤ في دوران الكوكب.
وتعاني الكرة الأرضية، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، ظواهر طبيعية متطرفة ناجمة عن تغير المناخ، أبرزها ارتفاع الحرارة والجفاف، بالإضافة إلى السيول والفيضانات، وأحيانًا درجات حرارة منخفضة عن المعدلات المعتادة في مناطق معينة.
زيادة كل قرن
وجدت الدراسة أن تغير المناخ يؤدي -حاليًا- إلى زيادة نحو 1.33 مللي ثانية في القرن، حسبما ذكر موقع "سويس إنفو"، يوم الثلاثاء 16 يوليو/تموز 2024، ويرى فريق الباحثين أنه إذا لم تجرِ معالجة تغير المناخ والحد من تفاقم الأزمة، فقد يصبح التأثير أكبر من تأثير القمر في دوران الأرض. ويبلغ تأثير القمر -حاليًا- 2.40 مللي ثانية لكل قرن.
وتدور الأرض حول الشمس، مثل كل الكواكب في النظام الشمسي، لمرة واحدة كل 365 يومًا، ويسفر عن هذه الحركة مع ميل الأرض حدوث الفصول الأربعة. كما يدور القمر حول نفسه كل 27 يومًا، وحول الأرض في مدة مساوية.
وينتج عن جاذبية القمر قوى مد وجزر على الأرض، ووفق الدراسة "فإن سحب القمر للأرض يؤدي إلى إبطاء دوران الأرض إلى الحد الأدنى، وبالتالي إطالة اليوم"، كما أوضحت الدراسة أن هناك تأثيرًا محدودًا لتغير المناخ في دوران الأرض، الذي يمكن قياسه بالاعتماد على الأقمار الاصطناعية الحديثة، ووفق شاه فاندي وفريقه، فقد اعتمد مع فريقه على الأقمار الاصطناعية ونماذج حاسب آلي لتحديد تأثير تغير المناخ في سرعة دوران الأرض منذ عام 1900، وحتى 2100، ليتوقع الباحثون ما سيحدث مستقبلًا.
ووجدت الدراسة أن متوسط الزيادة في مدة اليوم خلال العقدين الأولين من القرن 21، كانت 1.33 مللي ثانية، وكانت 0.32 مللي ثانية في المدة بين عامي 1960 و1980، وأنها وصلت إلى 1 مللي ثانية في المدة بين 1920 و1940، وقال الباحثون في تقرير دراستهم: "إن هذا التذبذب يعكس تنوع إسهام تغير حرارة سطح الأرض عالميًا وذوبان الثلج وتغير تخزين المياه وارتفاع مستوى سطح البحر، وكلها ظواهر حدثت خلال القرن الـ20".
معدل غير مسبوق
وجدت الدراسة السويسرية أن الكتل المنقولة من القطبين الشمالي والجنوبي للكرة الأرضية ناحية المناطق الاستوائية نتيجة لذوبان الجليد، شهدت معدلًا غير مسبوق في العقديْن الأخيريْن، مقارنة بالسنوات المائة الماضية، وأخذ الباحثون في الحسبان التأثير الذي يقاوم إزاحة الكتل المائية في أثناء ذوبان الجليد، ويدفع الثلج الذي يبلغ سمكه كيلومترًا واحدًا من القطبيْن إلى الجزء اللزج من سطح الأرض.
ووفق توقعات الفريق البحثي حتى عام 2100، فإن تلك الآثار لن تتغير في ضوء توقعات بانخفاض حاد لانبعاثات غازات الدفيئة، وتسعى دول العالم إلى تحقيق الحياد الكربوني -على الأغلب- في منتصف القرن الحالي، من خلال تحول الطاقة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المتسببة في تغير المناخ، وكوارثه الطبيعية المدمرة والمتزايدة.
ولم تنجُ أي دولة على سطح الأرض من تلك الظواهر المتطرفة، التي تؤثر في حياة الكائنات الحية وغذائها وسبل معيشتها وصحتها، وعلى سبيل المثال، تضرب موجات حرارة شديدة أوروبا بصورة غير مسبوقة. ويتوقع خبراء الأرصاد أن تشتد درجات الحرارة الحارقة في دول جنوب أوروبا، وعلى رأسها اليونان وإسبانيا وإيطاليا خلال شهر يوليو/تموز الجاري، ومن المتوقع أن يكون العام الجاري الأشد حرارة على الإطلاق، وتستقبل أوروبا صيفًا حارقًا آخر، بعدما تسبب ارتفاع درجات الحرارة في العام الماضي (2023) في تهديدات لصحة الإنسان وموارد رزقه.
هل تغير المناخ طبيعي أم من صنع البشر؟
بينما يرى بعضهم أن تغير المناخ من صنع البشر، يرى آخرون أنه ظواهر طبيعية تعيد تكرار نفسها مع مرور الزمن، ويسوق مؤيدو كل رأي من هذين عددًا من الأدلة، ولكن الخلاف في النهاية يظل علميًا، لولا تدخُّل السياسات والاستثمارات فيه.
ويوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أنه بالنسبة للعلم، فإن كلا الرأيين يتساويان تمامًا بالنسبة لأكبر الخبراء في العالم بهذا المجال.
جاء ذلك ردًا على سؤال من الإعلامي عبدالرحمن أبو مالح، مقدم بودكاست "فنجان" في راديو "ثمانية"، الذي استضاف الدكتور أنس الحجي في حلقة بعنوان "كيف سيتخلى العالم عن النفط؟"، إذ تساءل عن إمكان ألّا يكون الضغط باسم تغير المناخ مرتبطًا بسياسات معينة.
وقال الحجي، إن وكالة ناسا قالت، إنّ تغير المناخ ليس من صنع الإنسان، وإن هناك أدلة تاريخية على أن ما يحدث الآن حدث في السابق، ويحدث منذ نحو 2000 أو 1500 عام، وأضاف: "أنا مثلًا أعيش في دالاس بولاية تكساس الأميركية، وعندما انخفضت درجات الحرارة بقوة وانقطعت الكهرباء في فبراير/شباط 2021، اكتشفنا أنه قبل 150 عامًا حدث ما هو أسوأ، إذ لم تكن هناك سيارات ولا نفط، أي إن القضية هي: من أين نبدأ التاريخ؟".
حقيقة وجود أزمة تغير المناخ
قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) الدكتور أنس الحجي، إن هناك تغير مناخ بالفعل، ولكن الخلاف العلمي يتركّز حول أسبابه، هل هو من الطبيعة أم من صنع الإنسان، لكن الاختلاف الأساس من أين يمكن البدء بالبيانات، قبل 5 آلاف سنة أم 4 آلاف، أم 2000 سنة؟
وأضاف: "يرى بعضهم إمكان جمع بيانات قبل 2000 عام، إذ هناك تغيرات جيولوجية في الأشجار والنباتات والغابات، التي يمكن من خلالها دراسة التاريخ ومعرفة ما حدث حينها، وهذا هو معيار العلماء عند التصنيف".
ولكن، وفق الدكتور أنس الحجي، المشكلة في موضوع تغير المناخ تختلف تمامًا، عن مثال منع "يوتيوب" لمقاطع الفيديو عن الأرض المسطحة أو الكروية، إذ هناك أدلة دامغة على كروية الأرض، بينما دور الإنسان في التغيرات المناخية أدلّته ليست دامغة.
وتابع: "هذا هو الخلاف الأساس في الموضوع، ونحن لا نتكلم عن مؤامرة بقدر ما نتحدث عن أن دخول الحكومات بقوة وبتمويلات مليارية ضخمة، خلق صناعات لم تكن موجودة في السابق، وهذه الصناعات من مصلحتها خلق جماعات ضغط لكي يستمر الدعم الحكومي".
وردًا على سؤال بشأن طبيعة هذه الصناعات، قال، إنها صناعة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والسيارات الكهربائية والوقود الحيوي، وكلّها خلقت جماعات ضغط "لوبيات"، إذ تحصل هذه الصناعات على جزء من الإعانات الحكومية وتوجّهها لهذه الجماعات.
وأردف: "صناعة النفط لديها لوبي ضخم في واشنطن وغيرها، ولكن مع الزمن بدأ يخسر، لأنه مموّل من الشركات والقطاع الخاص، بينما جماعات ضغط "لوبي" تغير المناخ تموّل من إعانات دافع الضرائب، وتمويلها الضخم يأتي من الحكومات".
هل مكافحة تغير المناخ مجدية؟
ردَّ خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي على سؤال من الإعلامي عبدالرحمن أبو مالح مقدم بودكاست "فنجان"، بشأن حلول تغير المناخ -سواء كانت أسبابه طبيعية أم من صنع البشر- وأثر جماعات الضغط في اتفاق كل الدول على "اتفاق باريس".
وقال الحجي، إنه إذا كانت التغيرات المناخية طبيعية، فلا توجد سيطرة للبشر على الموضوع نهائيًا، ومن ثم فإن إنفاق المليارات من الدولارات لن يؤدي إلى أيّ شيء، لأن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فهو موضوع "خلق" و"كون"، ولا أحد يملك فعل شيء حيال ذلك.
وعن موقفه من الطرفين، قال الدكتور أنس الحجي، إنه لا يفضّل التدخل في هذا الموضوع بشكل مقصود، لأنه متعب لكلا الطرفين، ولكنه -شخصيًا- يرى أن الأزمة في السياسات، إذ إن بلدًا مثل ألمانيا اتّبعت سياسات أفقرتها وأعادتها للوراء 20 عامًا.
ولفت إلى أن الوضع في ألمانيا في الوقت الحالي سيّئ اقتصاديًا، على الرغم من أنهم كانوا محظوظين جدًا خلال العامين الماضيين، لا سيما مع مجيء شتاء دافئ نوعًا ما.
بالإضافة إلى ذلك، وفق الحجي، فإن تكاليف الطاقة تضاعفت في أوروبا كلها، وبشكل خاص في ألمانيا، مع أن الوعود كانت أن برلين هي ملكة الخضر، وأن تكاليف الكهرباء ستنخفض، وها هي الآن تتضاعف عدّة مرات، ما يشير إلى أن المشكلة بالفعل تكمن في السياسات.
وضرب مثالًا آخر بالسياسات، مع حدوث أكبر زيادة في نمو الوقود الحيوي خلال السنوات الأخيرة، الذي كان مدعومًا بقوة من جميع الحكومات، ما أدى إلى ارتفاع أسعاره في الأسواق، فأصبح هناك حرق ضخم، طبيعي لكنه متعمد، في غابات الأمازون والبرازيل وغابات إندونيسيا، وهي أكبر الغابات في العالم، وتعدّ رئة الكرة الأرضية.
الوقود الحيوي
ولفت الدكتور أنس الحجي إلى أن الوقود الحيوي يُستعمل في السيارات بدلًا من الوقود المستخرج من النفط، إذ يأتي من النباتات مثل الفول السوداني وفول الصويا والأشجار، موضحًا أن الحرائق استمرت لأشهر طويلة، وفجأة أصبحت الأراضي فارغة، ثم تأتي شركات وتزرع منتجات تستخرج منها الوقود الحيوي.
وتساءل: "كيف يقولون، إن الوقود الحيوي أخضر، بينما هم يحرقون الغابات، كما أنهم يستوردونه في ناقلات ضخمة تستعمل أنواعًا من النفط، ثم يقولون، إنه أخضر؟، حتى إن دعاة البيئة يقولون، إن هذه التصرفات غير بيئية وغير صحيحة".
اضف تعليق