يعد سباق الانتخابات الرئاسية في الجزائر، بمرشحيه الـ 32، بمثابة نموذج مصغر للتحديات الأوسع التي تواجه البلاد. وتحت سطح عملية ديمقراطية ظاهريا تكمن شبكة معقدة من الهيمنة العسكرية، والتوتر السياسي، والهشاشة الاقتصادية. وتتطلب معالجة هذه القضايا منهجا متعدد الأوجه يتضمن تعزيز المؤسسات الديمقراطية، والحد من النفوذ العسكري...

تعتبر الانتخابات الرئاسية القادمة في الجزائر، التي تشهد مشاركة 32 مرشحا، مثالا اختزاليا وحيا على المشهد السياسي المعقد في البلاد. وفي حين أن العدد الكبير من المرشحين قد يوحي ظاهرياً بوجود دينامية ديمقراطية نابضة بالحياة، فإن التحاليل العميقة تكشف عن نظام محفوف بالتحديات الكبيرة. 

إن هذه الانتخابات قد تعكس ظاهرياً عملية ديمقراطية حيث يمكن لأصوات متعددة أن تتنافس على كرسي الرئاسة المرصود. ومع ذلك، فإن هذه التعددية من المرشحين الـ 32 غالباً ما تخفي الحقيقة الأساسية المتمثلة في مشهد سياسي يخضع لرقابة مشددة ويهيمن عليه نفوذ اللفيف العسكري المزمن. منذ استقلالها عام 1962، كافح الشعب الجزائري من أجل إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، حيث يلعب الجيش دورًا شموليا ومحوريًا في الحكم.

إن نفوذ المؤسسة العسكرية واسع الانتشار، حيث كثيراً ما تصدر القرارات السياسية الرئيسية من خلف الأبواب البيروقراطية المغلقة. وكانت هذه الهيمنة واضحة بشكل صارخ خلال احتجاجات عام 2019، المعروفة باسم "الحراك"، والتي طالبت باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد لفترة طويلة، والانتقال إلى بنية حكم أكثر انفتاحا على الديمقراطية. وعلى الرغم من استقالة بوتفليقة، استمر الجيش في ممارسة سلطة واسعة، وقام بتنسيق العملية السياسية وضمان انتخاب المرشحين الذين يتوافقون مع مصالحه.

يجري السباق الرئاسي حاليا في الجزائر على خلفية توتر سياسي كبير وعدم استقرار إقليمي. وعلى الصعيد الداخلي، تعاني البلاد من انقسامات سياسية عميقة، حيث تتصادم أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني في كثير من الأحيان مع المؤسسة الحاكمة. لا تزال حركة الحراك، على الرغم من نجاحاتها الأولية، قوة فاعلة، تتحدى باستمرار لاشرعية النظام السياسي.

وعلى الصعيد الإقليمي، يزيد الموقع الجيوسياسي للجزائر في شمال إفريقيا من تعقيد مشهدها السياسي حيث تشترك البلاد في الحدود مع العديد من الدول التي تعاني من درجات متفاوتة من عدم الاستقرار، بما في ذلك ليبيا ومالي وتونس. إن الوضع الأمني في هذه البلدان المجاورة له تأثير غير مباشر، مما يؤدي إلى تفاقم المخاوف الأمنية الداخلية في الجزائر والتأثير على ديناميتها السياسية.

من جهة أخرى يعتمد الاقتصاد الجزائري بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، مما يجعله مثالا كلاسيكيا للدولة الريعية. تستمد ثروة البلاد في الغالب من صادرات النفط والغاز، والتي تشكل جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات الحكومية. وهذا النموذج الاقتصادي، على الرغم من أنه يوفر دخلاً كبيراً، فإنه يجعل الاقتصاد أيضاً عرضة بدرجة كبيرة لتقلبات أسعار الطاقة العالمية.

وقد أدى الاعتماد على عائدات النفط والغاز إلى هشاشة الاقتصاد، كما رأينا في الانكماش الاقتصادي بعد انخفاض أسعار النفط. وتتفاقم هذه الهشاشة بسبب القضايا الهيكلية مثل ارتفاع معدلات البطالة، وعدم كفاية التنويع الاقتصادي، وضعف القطاع الخاص. تتشابك التحديات الاقتصادية التي تواجه الجزائر بشكل عميق مع المشهد السياسي، إذ غالبًا ما يؤدي السخط الاقتصادي إلى تأجيج الاضطرابات السياسية والمطالبات بالإصلاح.

كثيرا ما تتعرض العملية الانتخابية في الجزائر لانتقادات بسبب افتقارها إلى الشفافية والنزاهة. على الرغم من وجود عدة مرشحين يناهز الثلاثين، فإنه يُنظر إلى نتائج الانتخابات في كثير من الأحيان على أنها متلاعب بها مسبقًا، حيث يقوم الجيش واللوبي الحاكم بتنسيق العملية لضمان فوز مرشحيهم المفضلين. وهذا التلاعب يقوض جوهر الديمقراطية، ويختصر الانتخابات إلى مجرد شكليات بدلاً من كونها تعبيراً حقيقياً عن الإرادة الشعبية.

إن التقارير عن تزوير الانتخابات وترهيب الناخبين والتحيز الإعلامي شائعة في الانتخابات الجزائرية. ولا تؤدي هذه الممارسات إلى نزع الشرعية عن العملية الانتخابية فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى تآكل ثقة الجمهور في النظام السياسي. إن وهم الاختيار، الناشئ عن وجود العديد من المرشحين، لا يخفي إلا القليل من الواقع الأساسي المتمثل في وجود بيئة سياسية خاضعة للرقابة حيث تواجه المعارضة الحقيقية عقبات كبيرة.

وفي مواجهة هذه التحديات، يلعب المجتمع المدني في الجزائر دورا حاسما في الدعوة إلى الإصلاحات الديمقراطية ومحاسبة الحكام. إن الحراك هو شهادة على صمود وتصميم الشعب الجزائري في سعيه من أجل نظام سياسي أكثر ديمقراطية وشفافية. وتواصل منظمات المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام المستقلة الضغط من أجل المزيد من الحريات السياسية وإقامة عملية سياسية أكثر شمولا.

وللمجتمع الدولي من جهته أيضًا دور يلعبه في دعم الإصلاحات الديمقراطية في الجزائر. ومن الممكن أن يساعد الضغط الدبلوماسي، إلى جانب دعم مبادرات المجتمع المدني، في خلق بيئة مواتية لإحداث تغيير سياسي حقيقي. يمكن للمنظمات الدولية والحكومات الأجنبية الاستفادة من نفوذها لتشجيع الحكومة الجزائرية على إجراء الإصلاحات اللازمة وضمان إجراء الانتخابات المستقبلية بطريقة نزيهة وشفافة.

إن الطريق إلى الديمقراطية الحقيقية في الجزائر محفوف بالتحديات، لكنه يقدم أيضا فرصا لإحداث تغيير حقيقي. إن معالجة القضايا العميقة الجذور المتمثلة في الهيمنة العسكرية، والفساد السياسي، والهشاشة الاقتصادية تتطلب جهداً شاملاً ومستداماً. 

يعد سباق الانتخابات الرئاسية في الجزائر، بمرشحيه الـ 32، بمثابة نموذج مصغر للتحديات الأوسع التي تواجه البلاد. وتحت سطح عملية ديمقراطية ظاهريا تكمن شبكة معقدة من الهيمنة العسكرية، والتوتر السياسي، والهشاشة الاقتصادية. وتتطلب معالجة هذه القضايا منهجا متعدد الأوجه يتضمن تعزيز المؤسسات الديمقراطية، والحد من النفوذ العسكري، وتعزيز التنويع الاقتصادي، وإشراك المجتمع المدني، والاستفادة من الدعم الدولي. ومن خلال هذه الجهود الشاملة فقط يمكن للجزائر أن تأمل في الانتقال نحو ديمقراطية حقيقية تعكس إرادة شعبها وتضمن الاستقرار والازدهار على المدى الطويل.

اضف تعليق