لم يقتصر العنف اللّفظي في العراق على ما يطلقه بعض المتخاصمين من عبارات ضد بعضهم، بل تجاوز ذلك بكثير واستشرى بشكل مخيف في السنين الأخيرة، من خلال الاستثمار السيئ لفضاء الحرية النسبية من قبل البعض، ممن راحوا يطلقون العنان لألسنتهم وأقلامهم معا بعد أن أطمأنوا من عدم وجود رادع...

 لم يقتصر العنف اللّفظي في العراق على ما يطلقه بعض المتخاصمين من عبارات ضد بعضهم، بل تجاوز ذلك بكثير واستشرى بشكل مخيف في السنين الأخيرة، من خلال الاستثمار السيئ لفضاء الحرية النسبية من قبل البعض، ممن راحوا يطلقون العنان لألسنتهم وأقلامهم معا بعد أن أطمأنوا من عدم وجود رادع، وقد اذكى ذلك واسهم بتكريسه، تنابز بعض الساسة وكيلهم الاتهامات والشتائم لبعضهم من خلال وسائل الإعلام، الأمر الذي جعل من هذه الثقافة، مع استمرار ممارستها لسنين وبشكل يومي تقريبا، كما لو أنها شيء طبيعي، فصار بعض الناس يمارسونها أيضا بطرق مختلفة وحسب الامكانيات المتاحة لكل منهم، حتى أصبحت العبارات التي تنطوي على عنف وتجريح، تحاصر الناس في كل مكان تقريبا.

يستطيع من يسير في بغداد الآن، أن يقرأ باستمرار عبارات تنطوي على عنف لفظي واضح، عبارات اكتسحت حيطان الدور والدوائر والمؤسسات الحكومية والمحال التجارية والحواجز الكونكريتية ومؤخرات السيارات و(التكاتك) وحتى حاويات القمامة.. عبارات مكتوبة بالخط العريض، مثل ( لاترمي الزبالة هنا يا حمار!) و(كلب ابن كلب من يرمي الزبالة هنا!) وغيرها من العبارات التي يصعب عدّها، ويصعب أيضا عرضها هنا لحساسيتها. 

ولا نعرف دواعي مثل هذه الكتابات التي تأتي في سياق الفوضى التي نعيشها اليوم، وقد كتبنا في هذا الأمر اكثر من مرة وطلبنا من الجهات المعنية، كأمانة بغداد ومديرية المرور العامة وغيرهما أن يضعوا حدا لهذه الظاهرة، لكن ما نكتبه لا يلفت انتباه المسؤولين، بل إن بعضهم يرون في مثل هذا الطرح نوعا من البطر، الذي لا تتحمله هذه المرحلة، حيث ينشغل الناس والدولة معا بأمور أهم، ونحن نرى أن معالجة هذه الظاهرة بات ضرورة ونوعا من تخفيف الضغط النفسي على الناس، الذين يرون أنها استشرت بشكل كبير وآن الأوان لإيقافها، ولو بأضعف الإيمان، أي من خلال التوعية الإعلامية عن طريق الإعلان في الفضائيات، اسوة بالإعلانات الصحية وغيرها، لأنها وبحق حالة خطيرة، ويجب أن يوضع لها حد.

المؤسف حقا، هو أن البعض صار يستخدم موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) بطريقة مسيئة للذوق العام، وإن الامر لم يتوقف على البسطاء وحدهم، بل حتى ممن يسمون انفسهم بالمثقفين اخذوا يتبادلون الشتائم ويطلقون العبارات، التي يخجل من يقرأها، لذا نرى أن استشراء هذه الظاهرة لم يأت من فراغ، وانما هي مظهر من مظاهر عدم الاستقرار النفسي، تجسّدت في الشارع العراقي الذي يعاني من الإهمال بعد أن اصبحت الفوضى متسيّدة بمصاحبة غياب النظافة وضعف القانون، الذي يضبط إيقاع الشارع، وإلّا كيف يمكن أن تقرأ الناس مئات العبارات الخالية من الذوق وبعضها خادش للحياء على مؤخرات الكثير من السيارات، واغلب عجلات (التوك توك) من دون أن يوقف اصحابها رجال المرور أو غيرهم؟..

اضف تعليق