يجب على كل من يتولى القيادة في البلاد ان يسأل نفسه هل كان يسير على نهج الامام علي (ع) في منهج الحكم، وهل كان حريصاً ومؤتمناً على أموال الشعب ومقدراته، وهل كان يعاقب اقرب الناس اليه ان فكر في الحصول على منافع من بيت المال بوجاهة...
ان العراق والعالم الإسلامي بشكل عام ما زال يعاني من ازماته الدستورية، ومنها ما يتعلق بشكل الحكم ونوعية الأنظمة التي بموجبها تقاد الشعوب، ويقول احد الكتاب المصريين، الدكتور احمد عزالدين المصري بكتابه الموسوم (الامامة والقيادة، منشورات مركز المصطفى للدراسات الإسلامية، طبعة عام 1997) والمتاح الكترونيا على شبكة الانترنيت، فيقول عن هذه الازمة الدستورية (أن الإسلام له في ذلك نظام محدد لكن الجيل الأول غلبته النفس البشرية، فخالف ما هو مرسوم في هذا الصدد، اقتضاء لما عليه الفطرة البشرية، فارتكب البعض خطأ، وانحرفوا عن الدستور شعرة ثم ما لبث هذا الانحراف أن اتسع وتعاظم حتى أفلت زمام الأمور من أيديهم، وأن التحول السياسي والاجتماعي الذي طرأ على الدولة الإسلامية الوليدة فجعل رأسها مكان أرجلها، إنما وقع تدريجيا نتيجة أخطاء أولية تراكمت عليها أخطاء فأخطاء، وبمرور الزمن أدت هذه التراكمات إلى سقوط الخلافة).
ويشير ذات الكاتب الى ان الإسلام لم يترك امر الامة بل وضع لها أسسها الدستورية في كيفية إدارة شؤون الدولة والحكم فيها، فيقول (من المستحيل عقلاً وشرعا أن يكون الإسلام وحده من بين أديان البشر قبل الميلاد وبعده، وثنية وثانوية وتوحيدية وتثليثية قد ترك الفصل في القيادة لمزاج الناس، وعصبيات القبائل، وضغائن النفس البشرية) وعلى وفق ما ورد في الصفحة (68) من الكتاب اعلاه، ويؤكد بان الرسول الاكرم (ص) قد وضع هذه الأسس عندما وقف في غدير خم واعلن عن تنصيب خليفته من بعده، وهذه الخطبة متفق عليها من جميع المسلمين، وفيها مواصفات لمن يتولى امامة المؤمنين وقيادة الدولة ويقول الدكتور احمد عزالدين المصري في كتابه اعلاه (ص 171) بان (الدولة الإسلامية في أساسها دولة فكرية وانها تحتاج إلى مرجع يضم في صدره علما يقينياً محدداً، ويعرف تفاصيل الشرع، وتتوافر فيه خصائص العلماء والساسة والزهاد العباد، فيكون أقرب إلى الشخصية الكاملة، شخصية المؤسس) ويقصد بالمؤسس هو الرسول الاكرم (ص) ويستطرد الدكتور احمد عزالدين المصري في طرح مواصفات هذا القائد والامام الذي ترجع اليه الامة بقوله (وهذا المرجع تكون له هيمنة المشرف على شؤون الدولة كي لا يتلاعب بشرعها متلاعب، أو يتأول قانونها متأول، أو يتحلل منه متحلل، هو الفيصل في المنازعات إذا نشبت، والقائل بكلمته إذا الأمور ادلهمت، لما له من علم شامل واسع، وعقل مدبر، وروح شفافة، ولكونه قد شرب مما لم يشرب منه غيره، واختصه النبي المؤسس بما لم يطلع عليه غيره).
ويضيف بان الرسول الاكرم (ص) (قد وجد هذا المرجع فعلاً، وبهذه المواصفات فعلاً، فكان إماماً يسلم الكل بإمامته، ويحتاجون إلى رأيه، ويلجؤون إليه في المعضلات، فقد حفظت لنا كتب التاريخ والحديث رأيهم فيه، وتسليمهم بمنزلته، حتى كان إذا وقع أحدهم في ورطة قال "معضلة ولا أبا حسن لها") وعلى وفق ما ورد في الصفحة (172) من كتاب القيادة والامامة.
ومن خلال ما أشار اليه هذا الكاتب نجد ان في خطبة الغدير إشارات دستورية لكيفية تولى زمام الأمور في أي بلد من خلال توفر صفات القائد التي ذكرها الرسول الاكرم (ص)، ومن ثم ترجمها الامام علي (ع) عند توليه رئاسة الدولة، ويذكر الدكتور احمد عزالدين بكتابه أعلاه في الصفحة (111) (ان الامام علي (ع) رفض مرارا منصب رئاسة الدولة ليثبت لكل ذي عينين أنه لم يختلس الأمر، ولم يسارع إليه، ولم يلفق له الطرق ويخترع الوسائل، وإنما كان اختياره اختيارا حرا من قبل الناس الذين أصروا عليه، فهي بيعة صافية رائقة لا يشوبها غبش).
وبما اننا في رحاب ذكرى عيد الغدير الاغر لابد وان ننبه ونسدي النصح الى قيادة البلاد والقائمين على أمور الحكم فيها بان الدستور الإسلامي الذي وضعه الرسول الاكرم (ص) في خطبة يوم الغدير قد حدد ملامح وصفات من يتصدى لأمور الحكم ومن أهمها ان لا يتلاعب بشرعها وان لا يؤوِل قانونها والامين على أموالها واحوالها.
ومناسبة التذكير بصفات رئاسة البلاد وقادتها، ليس لإنها قد تجلت في الامام علي (ع) فحسب، بل لان من يتولى إدارة بلادنا ممن يتباهى بولائه لعلي (ع) وعززوا ذلك بجعل يوم الغدير يوم عطلة رسمية وطنية، ولابد من التوضيح الى ان ذكرى يوم الغدير، لا تقف عند حدها الإسلامي باعتبارها مناسبة دينية يحتفل بها المسلمون في كل بقاع العالم، بل انها مناسبة وطنية يختص بها العراق فقط دون غيره، لان من نصب ليكون وصيا للرسول الاكرم هو في العراق وتشرفت ارضه بان تكون الكوفة عاصمة دولته وارض الغري مرقداً لجسده الشريف، فاصبح معلماً عراقياً يحج اليه الملايين من جميع انحاء العراق، وليس لإنه امام لطائفة معينة، فضلا عن ذلك فانه اول من جسد دستور الإسلام في بيان شكل نظام الحكم الذي وضعه الرسول الاكرم (ص)، وهذا ما يجعل من هذه المناسبة وطنية فضلاً عن كونها دينية.
وفي هذه المناسبة الشريفة يجب على كل من يتولى القيادة في البلاد ان يسأل نفسه هل كان يسير على نهج الامام علي (ع) في منهج الحكم، وهل كان حريصاً ومؤتمناً على أموال الشعب ومقدراته، وهل كان يعاقب اقرب الناس اليه ان فكر في الحصول على منافع من بيت المال بوجاهة منصبه، وهل استولى على الأراضي والاملاك، وهل وضع له رواتب ومخصصات تميزه عن عامة الناس، وهل كان يملك أفواج من الحماية، لان تطبيق الدستور يكون بالعمل وليس بالشعار الزائف، فكيف اذا كان الدستور قد وضعه رسول الامة الاكرم (محمد) (ص) المبعوث الى الإنسانية بالرحمة، وجسده عملياً امام المتقين ويعسوب الدين الامام علي (ع).
اضف تعليق