الحرب الروسية الاوكرانية امام خيارين لا ثالث لهما اما ان تكون حرب استنزاف طويلة قد تؤدي الى إضعاف روسيا واجبارها على التراجع اذا ما استمرت امريكا في مساندة اوكرانيا، او اننا سنشهد حربا نووية تكتيكية بين روسيا من جهة واوكرانيا ومن يقف وراءها من جهة أخرى...

منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في ٢٤ فبراير/شباط ٢٠٢٢ شهدت الحرب عمليات شد وجذب مستمرة تراوحت السيطرة على الارض فيها لكل طرف خلال فترات معينة ومحدودة، ورغم التقدم الذي تحرزه روسيا في عملياتها التي استطاعت السيطرة على اكثر من ٤٠% من الأراضي الاوكرانية إلا انها تكبدت خسائر كبيرة على مستوى القتال البحري، إذ خسرت البحرية الروسية نحو ١٣ سفينة حربية بحرية وغواصة الى جانب تدمير اوكرانيا لأشهر بارجة بحرية للروس والتي تدعى (موسكوفا).

 ويرجح العديد من الخبراء الى أن السبب الرئيسي للصمود الأوكراني رغم تحطيم جل قوات الاسطول الأوكراني امام القوة البحرية الهائلة التي استخدمتها روسيا لعزل اوكرانيا بحريا ومنعها من الاستفادة من موانئها المطلة على البحر الأسود الى كثافة استخدام المسيرات البحرية الانتحارية لمهاجمة الاسطول الروسي وهو تكتيك جديد أسهم في زيادة فاعلية الدفاعات الاوكرانية لسنتين من الحرب المستمرة.

وفي ظل تعدد جبهات القتال والسعي الروسي لتحقيق السيطرة التامة على الاراضي الاوكرانية فقد تكون الحرب القائمة ابعد من السيطرة الروسية على أوكرانيا، فبحسب رئيس لاتفيا (إدغارس رينكيفيتش) فإن بوتين يسعى لاستعادة امجاد الامبراطورية الروسية من خلال مهاجمة ثلاثة اهداف رئيسية بعد اوكرانيا تتكتل في الهجوم على مولدوفا ومناطق اخرى في القوقاز وآسيا الوسطى، على غرار كازاخستان وجورجيا وارمينيا واذربيجان وقيرغيزستان وطاجكستان، وحسب الرئيس اللاتفي فإن الغزو الروسي لهذه المناطق أمر لا مفر منه إذا ما انتصرت روسيا في حربها على اوكرانيا بدافع الرغبة في السيطرة وبسط النفوذ.

 وفي المقابل فإن خسارة روسيا في الحرب سيدفعها للإنتقام والسعي لزعزعة الأمن الأوراسي لعرقلة المساعي الغربية للسيطرة على هذه المناطق، وعليه فإن استمرار القيادة الروسية الحالية ذات البعد التوسعي الطامح لاستعادة امجاد الامبراطورية الروسية الضائعة الى جانب مواصلة الدعم الامريكي والاوروبي لأوكرانيا سيطيل من أمد الحرب ويجعل من عملية إيقافها بالطرق الدبلوماسية ضربا من الخيال، خصوصا اذا ما علمنا ان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد اعلن مؤخرا عن السماح بتزويد اوكرانيا بأسلحة وصواريخ تمكنها من ضرب الاراضي الروسية لأول مرة، بعد ان كانت الادارة الأمريكية متحفظة لسنوات عن إمداد أوكرانيا بمثل هذه الاسلحة، أعقبها إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون أن بلاده ستزود اوكرانيا بطائرات مقاتلة من طراز ميراج 2000 للدفاع عن نفسها ضد روسيا بحسب تصريحه.

لذا فإن ضرب روسيا داخل اراضيها بصواريخ امريكية وأوروبية سيكون بمثابة إعلان حالة الحرب على روسيا وذلك حسب التصريحات التي رددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقا إذ اعتبر ان مهاجمة اي دولة لقوات بلاده بمثابة إعلان الحرب عليها وهو أمر ستكون له تبعات خطيرة من شأنها ان تجر العلاقات بين القطبين الروسي والامريكي لمزيد من الخلاف والتوتر وربما يحفز الإدارة الروسية على استخدام الاسلحة النووية التكتيكية بحجة حماية اراضيها والدفاع عن النفس.

إن استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا سيكون بمثابة سكب الزيت على النار ومن شأنه أن يجعل مسألة انتهاء الحرب امرا مستحيلا، وبالمقابل تؤكد روسيا يوما بعد يوم على مواصلة نهجها الهجومي لحين تحقيق اخر اهدافها الاستراتيجية في اوكرانيا مهما طال أمد الحرب وتزايدت اشكال الدعم الغربي لأوكرانيا.

 وفي ظل كل هذه المتغيرات من المرجح أن تكون الحرب الروسية الاوكرانية امام خيارين لا ثالث لهما اما ان تكون حرب استنزاف طويلة قد تؤدي الى إضعاف روسيا واجبارها على التراجع اذا ما استمرت امريكا في مساندة اوكرانيا، او اننا سنشهد حربا نووية تكتيكية بين روسيا من جهة واوكرانيا ومن يقف وراءها من جهة أخرى، وهو خيار محتمل رغم التداعيات الكارثية والتبعات الإنسانية والاقتصادية المهولة التي سيدفعها الجانبين اذا ما تم تحييد المسار العدواني لروسيا وإيقاف الدعم الامريكي والأوروبي لأوكرانيا مستقبلاً.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net

اضف تعليق