الحل الناجح هو إناطة مهمة متابعة حركة المتسولين الى الشرطة المجتمعية، وتقوم بدورها التثقيفي والتوعوي، فضلا عن اجراء متابعة ميدانية للأشخاص المتسولين، ومعرفة مدى استحقاقهم، فمن يستحق بعد اجراء الفحص والتدقيق يتم شموله ضمن شبكة الحماية الاجتماعية، اذ يجب ان تطبق هذه الآلية في المحافظات العراقية...

من السنن الثابتة في حياة المجتمعات وجود الفقر والفقراء، ففي كل بلد ترى شريحة الفقراء متسعة او مختصرة تعود لطبيعة النظام الاقتصادي القائم في البلد، وطريقة توزيع الثروات بين ابناءه، وفي المجمل توجد شريحة يطلق عليها الفقراء يتجزأ منها طبقة اختارت ان تتسول وتسأل الناس الحافا من اجل انتزاع المبالغ.

هذا الجزء يتقسم الى الذين نراهم يجتمعون عند أبواب المساجد، ويتوزعون بطريقة غير عشوائية في التقاطعات والطرقات العامة، ويكثفون تواجدهم قرب الأماكن المقدسة مستخدمين طرقا مختلفة لاستدرار العواطف الإنسانية، فتارة تكون عبارة الاستمالة تتعلق بالأم وأخرى تتعلق بفقد الاب وغيرها تتعلق بالمرض العضال وربما يكون أحد الأسباب فقد الأطراف.

ولا تقتصر هذه الحالة على نوع بعينه، يشتركون فيها الذكور والاناث، الذين نراهم كل يوم أثناء ذهابنا وعودتنا من أعمالنا، وأثناء قضاء حاجاتنا اليومية في الأسواق، ونراهم يزدادون في المناسبات الدينية وخاصة في شهر رمضان، سواء بمفردهم أو يصطحبون معهم أطفال، فالأطفال عادة يستخدمونهم كأدوات التسول ومن أجل زيادة الدخل.

المتسولون ليس فقراء، وان كان البعض منهم اجبرته مرارة العيش لتقبل مرارة السؤال، لكن وبحسب ما نلاحظه من تجوال يومي وترديد لنفس المقطوعات والاعذار، يعطي تأكيد على صحة القول الذي يجزم ان هؤلاء اتخذوا من التسول مهنة وهذا يعني أن صدقتك التي تضعها في أيديهم تذهب في غير محلها من الناحية العملية، أما الأجر ففضل الله واسع يثيبك على قدر نيتك.

 ومن الادلة على ان التسول أصبح مهنة وليس لحاجة ملحة، ما يعرض على القنوات الفضائية وكذلك ما انتشرت من قصص على مواقع التواصل الاجتماعي توضح وجود أموال طائلة تم جمعها لسنين طوال، وهو ما يؤكد النظرة العامة المكونة لدى المجتمع عن التسول.

حالات العثور على الأموال بعد وفاة الشخص المتسول تتكرر وتكررت لعشرات المرات، وعادة ما تكون هذه الأموال من نصيب الأشخاص الذين جعلوا هؤلاء الأشخاص يتسولون، ولم يمنعوهم من مزاولة هذه المهنة المحتقرة على الصعيد الاجتماعي.

هذه القصص وغيرها كفيلة بتلخيص كيف أن كثير من المتسولين ليسوا فقراء ولا محتاجين، بل امتهنوا التسول مهنة لكنز المال من الافراد على الرغم من وجود البعض الذي لا يقدر على التصدق لكنه فضل ان يقاسم امكانيته المتواضعة مع المتسول الذي فاضت ميزانيته عن حاجته الفعلية.

وانتقل التسول من الطرقات والطرق التقليدية الى استخدام أساليب حديثة فذهبوا أصحاب هذه المهنة الى ابتكار طريقة التسول الالكتروني الذي اتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي سبيلا له، فتجدهم يتسولون برسائل على صفحات غير حقيقية ويطلبون التبرع لهم من أجل الحصول على دواء والآخر يتسول من أجل دفع إيجار سكن أو إجراء عملية جراحية وهكذا يزعمون، وهنا يتحتم على المتصدق أولا أن يتحرى على من يتصدق عليه، ليكون نوع من الضبط الاجتماعي لهذه الظاهرة.

الضوابط الاجتماعية للحد من ظاهرة التسول تبقى غير مجدية ومحدودة النطاق، فمن يمتنع عن إعطاء هذه الشخصيات، يوجد من يتعاطفون معهم رغم الكثير من الدعوات التي تؤكد على أهمية المنع على هؤلاء؛ لعدم فسح المجال امام هذه الظاهرة واستفحالها في المجتمع.

وعلى المستوى الرسمي تبقى الإجراءات الحكومية غير قادرة على معالجة هذه الظاهرة، فأجراء الطرد من التقاطعات في بعض الأحيان، ومنع المتسول من الدخول الى مركز المدينة في بعض الحالات، لا تعتبر حلول ناجحة في هذا الصدد، فما هو الحل الناجح؟

الحل الناجح هو إناطة مهمة متابعة حركة المتسولين الى الشرطة المجتمعية، وتقوم بدورها التثقيفي والتوعوي، فضلا عن اجراء متابعة ميدانية للأشخاص المتسولين، ومعرفة مدى استحقاقهم، فمن يستحق بعد اجراء الفحص والتدقيق يتم شموله ضمن شبكة الحماية الاجتماعية، اذ يجب ان تطبق هذه الآلية في المحافظات العراقية وصولا الى تخفيف كبير في اعداد المتسولين تمهيدا الى الاختفاء التام. 

اضف تعليق