أغلبها يلعب دورا سلبيا في التنشئة السياسية والاجتماعية وعددها الذين يقدر بالآلاف لم يصنع رأيا وطنيا أو قوميا مشتركا ولم يساعد في دعم ومساندة القضية الفلسطينية بل شتت الرأي العام العربي من خلال استضافتها وتحت عنوان محللين سياسيين واستراتيجيين شخصيات يتم انتقائهم بدقة ليتحدثوا حول قضية...
قديما كان يُقال إن الصحافة سلطة رابعة واليوم يمكن القول بأن الفضائيات ووسائط التواصل الاجتماعي والفضاء السيبراني بشكل عام يشكلون سلطة لا تقل عن بقية السلطات – التشريعية والتنفيذية والقضائية- من حيث قدرتها على التأثير على الشعب والتحكم باختياراته وتوجهاته السياسية وقيمه الاجتماعية والتلاعب بعقول الناس، بل وقدرتها على صناعة الأحداث وليس فقط نقلها، ومن هذا المنطلق أصبحت جزءا من عالم اليوم ولا يمكن تجاهلها أو التقليل من قيمتها ، والتحدي الأكبر كيفية توظيفها للمصلحة العامة وقضايا الشعوب الضعيفة وحركات التحرر في مواجهة الهيمنة الغربية والصهيونية على غالبية الفضاء السيبراني وتوجيهه بما يخدم روايتهم وقيمهم ومصالحهم؟
من خلال تجربتي الطويلة مع الفضائيات الناطقة بالعربية ومتابعتي لها في تغطيتها للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وللحرب الراهنة على الشعب الفلسطيني فإن أغلبها يلعب دورا سلبيا في التنشئة السياسية والاجتماعية وعددها الذين يقدر بالآلاف لم يصنع رأيا وطنيا أو قوميا مشتركا ولم يساعد في دعم ومساندة القضية الفلسطينية بل شتت الرأي العام العربي من خلال استضافتها وتحت عنوان محللين سياسيين واستراتيجيين شخصيات يتم انتقائهم بدقة ليتحدثوا حول قضية ما تريد الفضائية التركيز عليها حتى وإن كان هناك قضايا أكثر أهمية.
صحيح أن بعض الضيوف، ولي من بينهم زملاء وأصدقاء لا نشك بنزاهتهم و وطينتهم، يشاركون بحسن نية ويريدون توصيل وجهة نظرهم المنحازة للحقيقة للمشاهدين معتقدين أن رأيهم مهم والجمهور ينتظر ما سيقولونه، بينما في الحقيقة بعض الفضائيات وخصوصا المشهورة كالجزيرة والعربية و BBC وسكاي نيوز والعربي لا يعنيها ما يقولون بل تمرير سياساتها ومواقفها من خلال مهارة مدير أو مديرة الحوار في توجيه الأسئلة والتركيز على ضيف محدد يبلغ رسالة محددة تريدها الفضائية وخصوصا إن كان الضيف اسرائيليا او امريكيا أو عربيا مُطبعا، بالإضافة الى تمريرها مواقف وسياسات مشبوهة بل ومعادية للشعب الفلسطيني من خلال التقارير والتغطية المباشرة لأحداث محددة وتجاهل أخرى والتحيز لطرف فلسطيني على حساب الأطراف الأخرى.
من بين كل الفضائيات الناطقة بالعربية تأتي قناة الجزيرة الأكثر انتشارا ومشاهدة عند عامة الناس والأكثر إثارة للجدل منذ نشأتها ولارتباطها بدولة قطر المثيرة للجدل أيضا.
بالرغم من انكشاف دور قطر وقناة الجزيرة في إثارة فوضى ما يسمى الربيع العربي وتمويل الجماعات الإسلاموية المتطرفة وهو ما اعترف به وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم ، ومع أن عديد الدول العربية كشفت الدور التخريبي لقطر ومؤسساتها الإعلامية، فقطعت بعضها العلاقة مع قطر وأغلقت أخرى قناة الجزيرة، إلا أنها واصلت دورها التخريبي في فلسطين بتفويض وتكليف من واشنطن وتنسيق مع اسرائيل، فكان دورها واضحا في صناعة الانقسام الفلسطيني وديمومته وكانت عرابة الانقسام وواصلت تمويله طوال سبعة عشر عاما ومع حرب الإبادة على غزة وكل القضية تواصل دورها الخياني التأمري في تصفية القضية الفلسطينية من خلال دورها كوسيط بين إسرائيل وفصائل المقاومة-المجرم والضحية- وكيفية تغطية الجزيرة لحرب الإبادة على غزة.
وظفت قناة الجزيرة المئات من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين والاستراتيجيين عربا وأجانب وإسرائيليين وبعضهم جنرالات متقاعدين أو على رأس عملهم وفتحت المجال لكل قادة العدو لمخاطبة الشعوب العربية مباشرة والترويج للأكاذيب والرواية الصهيونية ولكهم على رأي واحد، بينما تستضيف محللين وسياسيين عرب لهم مواقف متعارضة ويشتبكون مع بعضهم الى درجة السباب والتخوين.
وظفت قناة الجزيرة كل امكانياتها وضيوفها وجيش مراسليها لتعظيم شأن المقاومة في غزة وإظهار وكأن الحرب تدور بين دول عظمى وأن جيش الاحتلال يتلقى الهزيمة تلو الأخرى ومرتبك ولا يعرف كيف يتصرف، وأن المقاومة صامدة وقادرة على الصمود لأشهر بل قادرة على هزيمة العدو، مستشهدين بقتيل إسرائيلي هنا أو هناك أو بتدمير دبابة أو جرافة أو برشقة صاروخية بين الفينة والأخرى.
بعد كل الخراب والدمار والموت وسقوط أكثر من خمسين ألف شهيد ومفقود وأضعافهم من الجرحى والأسرى ما زال الخبراء الاستراتيجيون يتحدثون عن انتصارات المقاومة وكأن الضحايا الفلسطينيون مجرد أرقام وخسائر ثانوية لا قيمة لهم، وتواصل قناة الجزيرة ومن يقف وراءهم يضخمون من قدرات المقاومة وقدرتها على تحقيق الانتصار حتى وهم يضغطون على حماس لقبول مبادرة بايدن والشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار ويهددون بطرد قيادة حماس من قطر إن لم تقبل بالصفقة!
لو كان عند جيش المحللين السياسيين ومن يصنفون أنفسهم خبراء استراتيجيين ذرة من الأخلاق والحس الوطني والإنساني لنصحوا حركة حماس منذ أشهر بالبحث عن وسيلة لوقف حرب غير متكافئة بكل المقاييس ولا تنفع فيها البطولات الفردية، وأن الصراع مع الاحتلال طويل ومتواصل ولن تحسمه جولة واحدة من الحرب، ولو كان عندهم ضمير حي ويستحقون الشهادات والرتب العسكرية التي يحملونها لصارحوا حركة حماس أن الوطن أهم من الأحزاب وأن المقاومة ستستمر بحماس وبدون حماس والمهم وقف آلة الموت والدمار والحفاظ على ما تبقى من عمران وبشر، ولو تحرروا من نفسية وعقلية الارتزاق التي تدفعهم ليرددون ما تريده الجهات التي تقف وراء الجزيرة لصارحوا حركة حماس وبقية فصائل المقاومة في غزة أن صواريخهم عبثية والأنفاق قبور جماعية للمقاتلين ، واستمرارهم بهذا الشكل من المقاومة يمنح العدو مزيداً من الوقت لتنفيذ مخططاته التي يتجاهلها المنحلون السياسيون والخبراء الاستراتيجيين وهي اطالة أمد الحرب لاستكمال حرب الإبادة والتطهير العرقي.
لو كانت قناة الجزيرة وجيش محلليها وخبراؤها حريصين على الشعب الفلسطيني والمقاومة لقالوا لحركة إن غزة المحدودة جغرافيا وفي إمكانياتها والمحاصرة لا تصلح لتكون قاعدة ومنطلقا لتحرير فلسطين، وأن المقاومة لا يمكن أن تكون فصائلية وبدون استراتيجية وطنية شمولية، ولو كانوا ملمين بالسياسة والاستراتيجية و تجارب حركات التحرر لصارحوا حركة حماس أن حركات التحرر الوطني لا تُرهن قرارها ومصير الشعب بمشاريع واجندة خارجية توظف القضية الفلسطينية لمصالحها القومية، ولو كانت قناة الجزيرة وجيش خبرائها حريصة على الشعب الفلسطيني لواجهوا قادة حماس بحقيقة أن إصرارهم على البقاء في الحكم في غزة حتى بعد وقف الحرب سيثير شكوكا حول أهدافهم من الحرب وهل يستحق استمرارهم في حكم غزة كل هذا الثمن الفادح واستمرار حصار ومعاناة أهل غزة واستمرار الانقسام.
اضف تعليق