مسؤولية الالتزام بالقوانين هي مسؤولية مشتركة بين الحكومة، والمواطن الذي يتحمل فيها نصيب كبير، فلا يفرح أحد أنه الآن يستطيع الحصول على حق ليس له، أو الإفلات من قانون معين وضعته الدولة بحسابات دقيقة هدفها المصلحة العامة، فذلك مكسب قريب لكنه خسارة بعيدة المدى...
هناك حالة من عدم الالتزام بالقانون سائدة في المجتمع، يمارسها السياسيين والمواطنين على حد سواء، فالاعتداء على القوانين الوضعية يمكن عده جريمة قانونية، وتبقى عملية المحاسبة مقصورة على شريحة ضيقة فمن هذه الشريحة؟
عادة ما يطبق القانون على الافراد الذين ليس لديهم سند من جهة سياسية او غيرها، فالمواطن الذي لا يجد من يأخذ معاملته ويدخلها بصورة مباشرة الى الموظف يبقى ينتظر في طابور يمتد لعشرات الأمتار.
وليس المشكلة في الانتظار بل في النهاية التي قد تواجه الفرد المراجع وهي خروج الموظف من الدائرة لظرف لا يعرفه الا الراسخون في العلم، ويضطر المواطن الى العودة في اليوم التالي والمرور بنفس المراحل التي مر فيها باليوم السابق، فهل هذا هو مصير جميع العراقيين؟
كلا هذا مصير من يلتزم بالقانون ولم يبحث عن طريقة يتجاوز فيها جميع العقابات، وكذلك عدم الانتظام في سير العجلات عند النقاط الأمنية بمداخل المدن، فيأتي أحد السواقين من الجهة اليمين وآخر من اليسار، ويحرم العشرات من الدخول بالأوقات الطبيعية ويجعلهم يتأخرون كثيرا بسبب هذه المخالفات القانونية والأخلاقية.
أضف الى النموذجين السابقين آخر يسير عكس السير وآخر يعتدي على الممتلكات العامة وحقوق الآخرين، اذ يسود لدى هؤلاء اعتقاد ان ما يرتكبونه من اعمال غير قانونية ليس جرائم، لأنها لا تتسم بالشكل التقليدي والمعروف للجريمة، وربما يظن من يزعجه ذلك أن هناك حاجة لتشديد القوانين بحجة أنها غير رادعة.
ورغم صواب ذلك الرأي إلى حد ما، إلا أنني أود القول إن القضية لا تكمن فقط في القوانين، فلدينا منها ما يكفي لضمان الانضباط السلوكي في التعاملات، ولكن أزمتنا الحقيقية تكمن بشكل كبير في التطبيق، وهو سبب ما نراه، لأن عدم المساواة تجعل التحايل والمخالفة نتيجة حتمية.
بالتأكيد يحاول الفرد ان يتحايل على القانون بمجرد شعوره انه ضعيف لا يملك من النفوذ والعلاقات ما يجعله يستطيع الإفلات من القانون، ليفعل ما يشاء دون رقيب كما يرى أمامه ذلك يحدث من آخرين أحيانا، ما يشعره أنه يجب عليه التحايل على القانون الذي يرى أنه لا يطبق إلا عليه، بينما هناك من يستطيع الإفلات منه بطرق شتى.
والنتيجة واضحة لا غبار عليها وهي محاولة التملص من الضوابط التي يشعر انها وضعت مخصصة له لإشعاره بأنه مواطن من الدرجة الثانية وعليه الانصياع لها وعدم مخالفتها، وهنا لا نريد تبرير الخطأ ونعطي الحق لمن يمارسون الخطيئة بخلاف القوانين، ولكن نريد ان نضع تشخيص للمشكلة ونبحث عن سبل لمعالجتها.
ومن سبل الحل لمشكلة الخروج على القانون هو وضع الكل تحت القانون، وإلغاء صور التمييز العلني بين طبقات المجتمع، ومن صور هذا التمييز هو جعل طريق مخصص للأرتال العسكرية والمسؤولين عند مداخل المدن، بينما المواطن العادي يقف ربما لساعات ويخضع لعملية تفتيش وتدقيق طويلة ومزعجة.
عدم إعطاء الافراد لحقوقهم المشروعة واخبارهم انهم متساوين في الحقوق والواجبات، يدفعهم الى أخذ ذلك الحق بطريقة غير صحيحة، تكون خارج نطاق القانون وإطاره، وبالطبع يمكن تصنف ذلك بأنه سلوك إجرامي او جريمة يحاسب عليها القانون.
وترك المحاسبة او تأجيلها يجعل الناس يشعرون باليأس تجاه القانون، وأنه لن ينصفهم، ولذلك عواقب غير محمودة، إذًا لا سبيل لنا إلا التطبيق العادل لتلك القوانين لتأخذ مأخذها في الحياة الاجتماعية العامة.
للحكومة في الوقت الحالي محاولات جادة لتغيير النظرة الشعبية السلبية المكونة عن القوانين لكنها قد تواجه نوع من الصعوبة، ذلك لأن الاعتداء على القانون وعدم الانصياع له يشكل إرثا كبيرا يمتد لعشرات السنين، وهذه حقيقة ليست خفية على أحد.
مسؤولية الالتزام بالقوانين هي مسؤولية مشتركة بين الحكومة، والمواطن الذي يتحمل فيها نصيب كبير، فلا يفرح أحد أنه الآن يستطيع الحصول على حق ليس له، أو الإفلات من قانون معين وضعته الدولة بحسابات دقيقة هدفها المصلحة العامة، فذلك مكسب قريب لكنه خسارة بعيدة المدى، ويفترض أن يكون المواطن هو أكثر سعيا لجعل القانون القول الفصل، فهذا صمام الأمان الوحيد لأي مجتمع، لا أن يحاول كسره بكل ما أوتي من قوة والالتفاف عليه.
اضف تعليق