إن المواطن الواعي والمتعلم والمنخرط اجتماعيًا وسياسيًا هو المفتاح لبناء دولة تستطيع مواجهة التحديات والمساهمة في تطوير المجتمع على مختلف الشؤون، تبني مشروع الدولة الحضارية الحديثة هو الطريق الأمثل نحو تحقيق ذلك، مستفيدةً من دروس الماضي ومُسْتَهْدِفةً مستقبلًا أكثر إشراقًا واستدامة...

مقدمة

منذ قيام الجمهورية في العراق في 14 تموز 1958، شهد البلد تحولات سياسية وفكرية متعددة أثرت بشكل جذري على بنيته الاجتماعية والسياسية. وقد سيطرت عدة أطروحات على المشهد السياسي والفكري، بدءاً من الشيوعية الماركسية، مروراً بالقومية والبعثية، وصولاً إلى الأطروحة الإسلامية وأخيراً الطائفية السياسية. ومع ذلك، لم تنجح أي من هذه الأطروحات في خلق مواطن فعال وخصوصاً مواطن حضاري يتماشى مع مفهوم الدولة الحضارية الحديثة.

نعم خلقت انسانا شيوعيا وانسانا بعثيا وإنسانا قوميا وانسانا اسلاميا وإنسانا طائفيا. وكل واحد من هؤلاء لا يلتقي مع الآخر المختلف على ارضية مشتركة مما جعل تصاعد حدة النزاعات فيما بينهم، وبعضها نزاعات مسلحة، ممكنا. وهذا يعزز الحاجة إلى تطوير رؤية جديدة لتأسيس دولة حضارية حديثة تقوم على اساس المواطنة.

مفهوم الدولة الحضارية الحديثة

الدولة الحضارية الحديثة تشير إلى نظام حكم يجعل من تطوير المواطن ركيزة أساسية في سياساته. الدولة الحضارية تهدف إلى:

1. تأهيل المواطن الحضاري: المواطن الذي يتسم بالوعي، والثقافة، والانخراط الفعال في المجتمع.

2. تعزيز القيم الإنسانية: كالعدالة، والمساواة، وحقوق الإنسان.

3. الاهتمام بالتنمية الشاملة: تعليمية، اقتصادية، وصحية.

المواطن الحضاري: الشرط الأساسي لوجود الدولة الحضارية

لقيام دولة حضارية حديثة، لا بد من وجود مواطنين حضاريين. حيث:

1. المواطن الواعي والمتعلم: التعليم هو أساس تكوين فرد يستطيع التفكير النقدي والمساهمة الفعالة في المجتمع.

2. القيم والمبادئ: المواطن الحضاري يتبنى قيم العدالة، والإخلاص، والالتزام بالقانون.

3. الانخراط الاجتماعي والسياسي: المواطن الحضاري لا يظل منعزلاً بل يسهم بشكل فعال في بناء الدولة من خلال مشاركته في الحياة السياسية والاجتماعية.

تحليل الأطروحات السابقة

1. الأطروحة الشيوعية الماركسية: رغم تركيزها على العدالة الاجتماعية، إلا أنها أَبْعَدَتْ المواطن العادي عن المشاركة الفعالة بسبب الأيديولوجية الموجهة من الأعلى.

2. الأطروحة القومية: ركزت على المصلحة الوطنية لكنها فشلت في تقديم حلول عملية تُمكّن المواطن من المشاركة في صنع القرارات.

3. الأطروحة البعثية: قامت على بُعد ديكتاتوري أثّرت سلبياً على مدى فعالية المواطن.

4. الأطروحة الإسلامية: انحرفت نحو الطائفية السياسية بما يضر الوحدة الوطنية.

5. الأطروحة الطائفية السياسية: أدى التعامل بها لزيادة الانقسامات داخل المجتمع، مما أضعف من التلاحم الوطني والمشاركة المجتمعية الفاعلة.

الطريق نحو الدولة الحضارية الحديثة

لتأسيس دولة حضارية حديثة، يجب:

1. إصلاح النظام التعليمي: التعليم يُشكِّل اللبنة الأولى لبناء المواطن الحضاري.

2. تعزيز قيم العدالة والمساواة: يجب تضمين هذه القيم في السياسات الحكومية والممارسات اليومية.

3. تمكين المواطن اقتصاديًا: توفير فرص عمل وتحفيز الابتكار والريادة.

4. تفعيل المجتمع المدني: تشجيع المنظمات غير الحكومية للعمل مع السلطات لتحقيق التنمية المستدامة.

5. الحوار المجتمعي: تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات الشعب.

الخاتمة

خلق مواطن حضاري هو الشرط الأساسي لتأسيس دولة حضارية حديثة. إن المواطن الواعي والمتعلم والمنخرط اجتماعيًا وسياسيًا هو المفتاح لبناء دولة تستطيع مواجهة التحديات والمساهمة في تطوير المجتمع. تبني مشروع الدولة الحضارية الحديثة هو الطريق الأمثل نحو تحقيق ذلك، مستفيدةً من دروس الماضي ومُسْتَهْدِفةً مستقبلًا أكثر إشراقًا واستدامة.

اضف تعليق