ان الطعون الفردية الدستورية في العراق لازالت غير مستجيبة لحماية الحقوق الاساسية المحمية بموجب الدستور من حيث الموضوع والنطاق ويحتاج الى مراجعه تشريعية لجعل الطعن الفردي وسيلة ناجعة في اقتضاء وحماية الحقوق الاساسية، نتمنى من المشرع ان يلتفت الى هذا القصور التشريعي الذي يحد من فاعلية الحماية المقررة للحقوق والحريات الاساسية...

تتعدد وسائل اتصال القاضي الدستوري بالدعوى الدستورية، ومن اهم وسائل الاتصال هي الطعون الدستورية الفردية، التي تعد من ابتداع المشرع الدستوري الالماني التي اعتبرها الملاذ الاخير لحماية الحقوق والحريات الاساسية الواردة في الدستور من خلال تمكين الفرد صاحب المصلحة من اللجوء للقضاء الدستوري لغرض التدخل ووقف الخرق الذي ينال احد حقوقه او حرياته الاساسية.

سواء كان الانتهاك بعمل تشريعي او من جانب السلطة التنفيذية او بعمل او اجراء قضائي، شريطة استنفاذ كافة الاجراءات والطعون العادية وغير العادية امام الجهات التي اصدرت العمل الذي شكل الانتهاك او الجهات القضائية، فالطعون الفردية عبارة عن مكنة دستورية هدفها حماية الحقوق والحريات الاساسية التي ورد النص عليها في الدستور من خلال تمكين الافراد او الهيئات العامة او الخاصة من مراجعة القضاء الدستوري لوقف الخرق الذي ينال الحقوق والحريات الاساسية والحقوق المتفرعة عنها ايضاً اي كان مصدر او نطاق الانتهاك او الجهة المتسببة به سواء كانت اعمال تشريعية او ادارية اوقضائية بعد استنفاذ الاجراءات والوسائل التي قررها المشرع لحماية هذه الحقوق. 

فالطعن الفردي هو طعن استثنائي يعد الملاذ الاخير لحماية الحقوق والحريات الاساسية والحقوق المتفرعة عنها ولذلك اشترط المشرع الالماني استنفاذ كافة الوسائل والاجراءات المتاحة قبل اللجوء الى الطعن الفردي، مع تحقق عنصر الاستمراية في عملية الانتهاك، وعلى غرار الطعن الدستوري الفردي في المانيا، نجد ان المشرع الدستوري الكولمبي نص في المادة (86) منه على دعوى (a tutela) وهي دعوى تعطي المكنه لاي فرد من اللجوء للقاضي الدستوري او اي قاضي اخر باي وقت او اي مكان من خلال اجراءات سريعه وتفضيلية للحصول على الحماية الفورية لحماية حقوقه الاساسية التي تعرضت للانتهاك بنشاط سلبي او ايجابي من اي سلطه عامة.

ولهذا القاضي الحق باصدار امر ملزم لوقف هذا الانتهاك ويخضع هذا الامر للمراجعة الدستورية في حال الطعن به، فهذه الدعوى تعد من وسائل الانتصاف السريعه والفورية لحماية ووقف الانتهاك لاحد حقوق الفرد الاساسية، حيث الزم القانون القاضي البت بهذه الدعوى خلال مدة لاتتجاوز عشرة ايام، وقد اكدت المحكمة الدستورية الكولمبية على اهميه هذا الطعن وحرصت على تجريدة من كل قيود شكليه او فنية تعيق تقديمه.

كما اكدت المحكمة الدستورية الكولمبية على شعبية هذه الدعوى، من خلال اتاحة اقامتها من قبل الجميع ضد جميع السلطات العامة والافراد والهيئات الخاصة وحتى القرارات القضائية رغم معارضه المحاكم العادية ومجلس الدولة لفكرة الاعتراض على قراراتها باعتبار ان ذلك ماساً باستقلال العمل القضائي، وازاء اصرار المحكمة الدستورية الكولمبية على نطاق هذه الدعوى باعتبارها وسيلة للحد من تغول السلطات العامة والقضائية حصل ما يعرف في كولمبيا بـ (تصادم القطارات) كاشارة للصراع بين توجهات المحكمة الدستورية والقضاء العادي ومجلس الدولة وموقفهما السلبي من هذه الدعوى .

محكمة دستورية

وهذا هو نفس اتجاه المحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية التي قبلت الطعون الفردية امامها ضد اي عمل يشكل انتهاك للحقوق الاساسية سواء كان كان هذا العمل قانون او توجيه او قرار اداري صادر من سلطة ادارية و حتى حكم قضائي صادر من احد المحاكم.

اضافة لتدخلها في مجال المنازعات المدنية الخاصة من خلال الحماية الكاملة والفعالة للحقوق الدستورية من خلال تبني مبدأ (الاثر غير المباشر للغير للحقوق الدستورية) والذي اقرت بموجبه بان الحقوق الدستورية يمكن ان تؤثر على مراكز الاطراف الخاصة في النزاعات المدنية وهذا يتطلب اخضاع القوانين الخاصة لمراجعه الحقوق الدستورية، معتبره ان الحقوق الدستورية تمثل نظاماً موضوعيا ًللقيم يؤثر في مجالات القانون بما في ذلك القانون الخاص الذي يحكم العلاقات الخاصة وهذا يستوجب من المحاكم عند تفسيرها للقوانين الخاصة تحقيق التوازن بين القيمه المحمية دستورياً والمصلحة التي يحميها التشريع. 

واذا ما فشلت المحاكم المدنية او الادارية في الدول التي تاخذ بنظام القضاء المزدوج من تحقيق هذه الملائمة ويشعر احد اطراف الدعوى بان حقوقه الدستورية قد انتهكت بسبب تطبيق او تفسير القانون من قبل المحاكم المدنية او الادارية فأن بامكانه الطعن امام المحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية ضد هذا الانتهاك.

وفي العراق نجد ان النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 قد اخذ في المادة (20) منه بفكرة الطعون الفردية الدستورية الانه قيده بقيود شكلية وموضوعيه منها الشروط المنصوص عليها في المواد ( 44 و45و46 و47) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل، كما ضيق من نطاق الطعن الدستوري الفردي وحصره بالبت بدستورية القوانين والانظمة فقط خلافاً للطعن الدستوري الفردي امام المحكمة الدستورية الالمانية والمحكمة الدستورية الكولمبية في دعوى (a tutela ) التي نص عليها الدستور الكولمبي، اذ يجوز الطعن باي انتهاك ينال الحقوق الاساسية سواء كان مصدر هذا الانتهاك عمل تشريعي ام حكم قضائي او قرار او عمل اداري شريطه استنفاذ طرق المراجعة الادارية والقضائية المتاحة.

 لذلك يمكن القول ان الطعون الفردية الدستورية في العراق لازالت غير مستجيبة لحماية الحقوق الاساسية المحمية بموجب الدستور من حيث الموضوع والنطاق ويحتاج الى مراجعة تشريعية لجعل الطعن الفردي وسيلة ناجعة في اقتضاء وحماية الحقوق الاساسية تمتاز بالسهولة والسرعه والفاعلية، نتمنى من المشرع ان يلتفت الى هذا القصور التشريعي الذي يحد من فاعلية الحماية المقررة للحقوق والحريات الاساسية وحتى المتفرعه عنها ويمكن للمحكمة الاتحادية العليا ان تلعب دوراً في تفعيل الطعون الدستورية الفردية لحماية الحقوق الاساسية المنتهكه والتوسيع من نطاقها … والله الموفق .

اضف تعليق