ولم يكن هذا الربيع بعيدا عن واقع نظرية المؤامرة التي تهدف الى زعزعة الاستقرار في ربوع العالم العربي وقد حصل هذا الامر فعلا كمثل على ذلك سوريا التي دفعت الثمن باهظا، فكان من نتائج هذا الحراك الذي سمّى مجازا بالربيع ان انبعثت داعش من مكامن التكفير...

كيف يساهم التفكير الذي تصنعه المشاعر الانفعالية في تراكم الاوهام في المجتمعات وتدمير حالة الوعي بالواقع؟ وما هي عناصر التحليل الفكري التي يمكن أن تصنع قواعد رصينة للوعي بالواقع وفهمه؟

الانسان كائن اجتماعي لامناصّ عنه من التواشج والتفاعل والاندماج مع المجتمع سواء سلبا او إيجابا، ولابد لهذا الكائن من ان يعبّر عن رأيه، وهذا المجموع (الجمعي) يعطيه القوة والاندفاع للفعل والتعبير، وبمعنى آخر "الشجاعة" لارتكاب افعال لايستسيغها إن كان بمفرده، فهذا الجمع يفسّر نظرية التشارك الجمعي (وليس الفردي او الاحادي) في الأفعال.

 وابسط مثل على التفكير الجمعي السلبي والمنفعل والتفكير الانفعالي ومخاطر التضليل الجمعي ما يحصل (وقد حصل فعلا) في التجمعات الغاضبة ضد السلطات (التظاهرات)، وهي ابسط تحرك قانوني "سلمي" للتعبير عن الحريات بشرط كفالتها دستوريا واجتماعيا واخلاقيا) كما حددتها المادة 38/ من الدستور العراقي الدائم بقولها (وينظّم ذلك بقانون) يتناسب مع الواقع الدستوري والاجتماعي للشعب العراقي، أي ان الفعاليات التي توجب التعبير عن الراي تكون مشروطة بشروط قانونية واخلاقية وعرفية ضابطة.

 وهذا الاشتراط الدستوري (والاخلاقي) لم يكن موجودا في اغلب فعاليات حركة تشرين فخرجت عن القانون والعرف واقتربت في الكثير من ممارساتها من الممارسات الشعوبية والعشوائية بل والبدائية، كما اشرت الى ذلك في سلسلة مقالات لي نشرتها في الكثير من الصحف العراقية تحت عنوان (ماذا بقي من تشرين ؟)، وانا ارى ان ثورة تشرين لم تحقق اهدافها بسبب الأخطاء القانونية والدستورية التي وقعت فيها سواء سهوا ام عمدا، وانا كنت شاهد عيان على ذلك، وبعد عقود من قمع الاصوات والكبت الذي مارسته السلطات المتعاقبة لاسيما النظام الديكتاتوري والفاشستي الصدامي المباد وكان العراقيون يأملون خيرا ولأول مرة من حراك شعبي يخرجهم من واقع الكبت الذي عاشوا فيه لعقود طوال ولكن.

اما بخصوص الكارثة التاريخية التي تسمى بالربيع العربي الذي لم يكن ربيعا اخضر بالمعنى الحرفي للكلمة بل كان شتاء قارسا مدلهمّا سبب الاخطاء السيا/طائفية الفادحة التي وقعت فيها بعض الشعوب العربية التي انبهرت بشعارات "الربيع" الطائفية الرنانة والتي كانت مغلفة بالمحتويات التكفيرية-الاقصائية والبعيدة كل البعد عن الواقع العربي المكتظ بالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

 ولم يكن هذا "الربيع" بعيدا عن واقع نظرية المؤامرة التي تهدف الى زعزعة الاستقرار في ربوع العالم العربي وقد حصل هذا الامر فعلا كمثل على ذلك سوريا التي دفعت الثمن باهظا، فكان من نتائج هذا الحراك الذي سمّى مجازا بالربيع ان انبعثت داعش من مكامن التكفير والاقصاء والارهاب الممنهج والتهميش لشعوب عربية اخرى لم تشهد فصول مسرحية هذا الربيع، وكانت ذات توجه طائفي وعقائدي مختلف وتغولت بسبب ذلك الانفعال العاطفي الاهوج والمضلل بعض التنظيمات الارهابية كداعش والنصرة وايتام الديكتاتوريات البائدة والسابقة فضللت تلك التوجهات الممارسات والتوجهات الفردية حتى المعتدلة والمنصفة منها.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان: (التفكير الانفعالي ومخاطر التضليل الجمعي)

اضف تعليق