الرغبة الى اقتناء وحدة سكنية في البناء العمودي تعود الى جملة من المقومات المعدومة في الاحياء السكنية، أولها درجة الأماكن المرتفعة، فعادة ما تخضع المجمعات السكنية الى نظام أمنى محكم جدا يصعب من خلاله القيام بممارسات كالاختطاف والقتل العشوائي وغيره من الأفعال غير القانونية...

وحدها بغداد كانت تمنح الفرد العراقي فرصة التعرف على المباني العمودية، وتحديدا في شارع حيفا حيث العمارات السكنية التي شيدت بزمن النظام السابق، وغيرها بنايات متناثرة في شارع السعدون، اما في المحافظات فلا يكاد توجد بناية عمودية استخدمت لسكن الأهالي، بل يعاب على من يسكن بشقة صغيرة وليس في بيت ذو طراز تقليدي.

استمر الحال هكذا في تعامل الأهالي مع التوسع العمراني المعتمد على نظام الوحدات المنفردة، حتى بعد سقوط بغداد بأكثر من عقد لم تكن فكرة البناء العمودي او الوحدات السكنية الصغيرة (الشقق)، امر مرحب فيه من قبل الافراد، وذلك نتيجة الانغلاق على الذات بالنسبة لشريحة واسعة من المجتمع.

سافر اغلب العراقيين الى دول العالم، بحثا عن النزهة تارة، وعن العلاج والدراسة تارة أخرى، تعرفوا هناك على المباني العمودية وشعروا براحة لا تقل عن البيوت التقليدية التي يسكنوها في وطنهم، بل قد تفوق الخدمات المتوافرة في الوحدات السكنية العمودية ما يوجد في المنازل.

استحسنوا الفكرة وأعجبهم أسلوب الحياة والنمط السائد في تلك الدول التي نادرا ما تشاهد بيت منفرد، وان وجدت فقد يعود لصاحب رؤوس أموال او شخصية سياسية رفيعة المستوى، إذا الأغلبية تعيش في أدوار مختلفة ضمن بانية واحدة، مع فارق الأثاث الداخلي، ويرجع الامر الى القوة الاقتصادية لهذه الاسرة او تلك.

وفي هذا الغضون تفتحت شهية أصحاب رؤوس الأموال في الداخل، فقرروا استثمارها وتوظيفها في المجال العقاري، بحيث اخذت المجمعات السكنية العمودية والافقية في الانتشار وفي جميع المحافظات العراقية، في الوقت الذي لاقت فيه هذه المجمعات اقبالا كبيرا من قبل الأهالي نظرا للسفر والاطلاع على التجربة خارجيا وتقبلوها داخليا.

وحصل في السنوات الخمس او الست الأخيرة توجها عاما الى المساكن العمودية التي تتمتع بمواصفات خدمية عالية في بعض الأحيان، بناء على تغير الثقافة العامة لكل من المستثمر والمشتري الباحث عن اختلافات جوهرية فضل بموجبها ترك السكن العمودي في الحي السكني والانتقال الى البناء العمودي.

ويأتي التحول من بين التغيرات في العادات السلوكية للأفراد خلال السنوات الأخيرة، وانتهت بتحولهم من السكن المنفرد في بيوت تقليدية ضمن بناء أفقي إلى عمودي ضمن مجمّعات وعمارات تضم غالبيتها شققا من ثلاث غرف، وهو أمر لم يكن مألوفاً لديهم قبل نحو عقدين.

فالسكن بمثل هذه الوحدات يمكن عده تخلي بعض العراقيين عن الموروث الاجتماعي، أي السكن ببيت مستقل مهما بلغ حجمه المهم ان يكون ضمن سياق الحي السكني، وتتحدد خيارات السكن على الإمكانات المتوفرة لدى رب الأسرة، ما جعل المدن تحتوي على أحياء راقية وأخرى متوسطة وفقيرة، لكن حتى الفقيرة تحتوي على منازل مستقلة، رغم أنها متواضعة على صعيد التصاميم والمواد المستخدمة في تشييدها، والهدف الأول هو تلبية متطلبات الأسرة على صعيد السكن.

الرغبة الى اقتناء وحدة سكنية في البناء العمودي تعود الى جملة من المقومات المعدومة في الاحياء السكنية، أولها درجة الأماكن المرتفعة، فعادة ما تخضع المجمعات السكنية الى نظام أمنى محكم جدا يصعب من خلاله القيام بممارسات كالاختطاف والقتل العشوائي وغيره من الأفعال غير القانونية.

وكذلك وجود فرق وشركات مختصة في النظافة، ومن يتجول بأقل المجمعات السكنية مواصفة يلمس هذه القضية، وفي المقابل فأن الناس لا يبحثون عن الكثير من المميزات، ويكتفون بالقدر اليسير منها، الامن والنظافة.

المستثمرون عرفوا من خلال مجساتهم وخبرتهم ما يحتاجه الفرد العراقي بالنسبة للسكن، وعملوا على توفيره في البناء العمودي، ولوا تنظر الى اغلبها فهي لا تلبي جميع الطموحات، لكنها تناسبت مع الرغبة والحاجة الفعلية لهذا النوع من الخدمات، أضف الى ذلك الأسباب التي ذكرت لتحويل بوصلة الفرد نحو البناء العمودي الذي سيكون سمة غالبة لبعض المدن في المستقبل القريب. 

اضف تعليق